كيف حوّل خيري شلبي حادثة تعطل سيارته لرواية «صحراء المماليك»؟
عُرف عن الروائي خيري شلبي٬ والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 2011 أنه يستريح للكتابة من داخل المقابر، كواحدة من طقوسه الإبداعية، وكما كتب منها كتب عنها وعن ناسها وسكانها، وقد أنتج من داخلها عددًا من أعماله الرائعة التي تتناول عالم المنسيين والمهمشين والفقراء، ومنها: منامات عم أحمد السماك، ثلاثية الأمالي٬ الشطار٬ زهرة الخشخاش٬ صحراء المماليك٬ بطن البقرة٬ وكالة عطية٬ والأوباش.
لم تكن الكتابة في المقابر من أبرز طقوس "شلبي" في الكتابة فقط٬٬ لكنها كانت- حسب قوله- مرحلة مهمة جدا للهروب من عالم المدينة الصاخب٬ الذي غالبًا ما يأخذ من الكاتب والمبدع٬ ويعطله. وقد جاءت المسألة بمحض المصادفة البحتة؛ إذ تعطلت سيارته وهو في طريقه من عمله٬ بمجلة الإذاعة والتليفزيون إلى منزله في المعادي.
وبحسب ابنته ريم خيري: كان والدي يسلك طريقا مختصرا من ناحية الأزهر يخترق المقابر، وهذا الطريق أصبح الآن طريقا رسميا، لكنه كان آنذاك خاليا تماما إلا من سكان المقابر؛ حيث يعيش كثيرون في منطقة قايتباي ومنشية ناصر، وأثناء مروره للخروج منها إلى طريق الأوتوستراد، تعطلت سيارته ففوجئ بأن الناس خرجوا له من كل مكان٬ رغم ظنه بأن المنطقة غير مأهولة٬ كما فوجئ أيضا بالحب والتعاون الذي قابلوه به دون أن يعرفوا شخصيته؛ فقد سارعوا لنجدته ومساعدته، فأحضروا له كرسيا وشايا من أقرب مقهى٬ وأخذ الميكانيكي السيارة لإصلاحها، بينما تركه الناس لحاله مع أوراقه وأقلامه التي كانت تلازمه دائما٬ فشرع في الكتابة، وحتى بعد أن انتهى إصلاح السيارة تركوه في انهماكه باستثناء صبي المقهى الذي كان يأتيه بفنجان قهوة أو شاي٬ أو يغير له حجر الشيشة من آن لآخر، فرغم أنهم كانوا أناسا متواضعين ولا يعرفون أنه كاتب٬ لكنهم تركوه في اندماجه لإحساسهم أنه يفعل شيئا مهما، وحينما انتهى أخبروه بأنه يمكنه استخدام سيارته التي تم إصلاحها من وقت طويل.
شعر خيري شلبي أنه كتب بإرياحية، وعبر لأهل المنطقة عن امتنانه ومحبته لهم، فأجابوه بالدعوة للمكان كل ما أراد ذلك٬ لدرجة أنه دخل في صداقات مع أهل المكان منهم الميكانيكي٬ وعسكري كان يقطن المنطقة، وبدأ يواظب على ارتياد المكان ويهرب كل يوم يجلس على المقهى ويكتب، وعندما سأل عن إمكانية قضاء وقت أطول٬ وعرف أنه يمكنه استئجار حوش في المنطقة٬ ساعده أحدهم على استئجار أحد الأحواش التاريخية.
ملابسات العطل الذي لحق بسيارته وكيف نجده أهل هذه المنطقة وأكرموا ضيافته٬ سجلها "شلبي" تماما كما حدثت له في الواقع من خلال روايته الأشهر "صحراء المماليك".