رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفصائل الفلسطينية اجتمعت.. وستجتمع!


الانقسام الفلسطينى، الذى بدأ سنة ٢٠٠٧، لا يزال مستمرًا، وغالبًا سيستمر، بعد أن انتهى اجتماع أمناء الفصائل الفلسطينية إلى تشكيل لجنتين، ستقدم إحداهما رؤية استراتيجية للمصالحة والشراكة وإنهاء الانقسام، على أن تقود الثانية «المقاومة الشعبية الشاملة»، ويُقال إن هناك ترتيبات لعقد اجتماع جديد فى العاصمة الروسية موسكو أواخر الشهر الجارى.
بعد ست سنوات من الاجتماع، الذى استضافته القاهرة، ترأس الرئيس الفلسطينى محمود عباس، الاجتماع، الذى انعقد الخميس الماضى، عبر «الفيديو كونفرانس». وكان الهدف المُعلن منه هو توحيد الفلسطينيين، ووضع برنامج وطنى، واستراتيجية نضالية، وترتيب المرجعية القيادية، غير أن الرياح والأهواء والمصالح، دفعت سفن ومراكب أمناء الفصائل، إلى اتجاهات أخرى!
كان عبثيًا أن يلوك المجتمعون عبارة «لا دولة فى غزة ولا دولة دون غزة»، فى وجود قرار دولى، أممى، يحدد ماهية الدولة الفلسطينية، وفى وجود مفاوضات حمساوية إسرائيلية، برعاية قطرية، لتكريس سلطة حماس، وإبقاء الوضع القائم فى القطاع على ما هو عليه، حفاظًا على «الإمارة الإسلامية» التى أقامتها الحركة الإخوانية، وغير قرار تشكيل اللجنتين، اللتين من المفترض أن تقدم إحداهما رؤيتها للمصالحة، خلال خمسة أسابيع من تشكيلها، لو تشكلت، طالب الرئيس الفلسطينى بوجود قيادة موحدة لـ«مقاومة شعبية سلمية»، بينما تحدث إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة «حماس»، عن المقاومة المسلحة وعن القدرات العسكرية للحركة.
الأكثر عبثية، هو أن يشهد ذلك الاجتماع هجومًا حادًا على دول مجلس التعاون الخليجى، وتحريضًا عليها، وتشكيكًا فى مواقفها الداعمة للحق الفلسطينى، ما دفع المجلس إلى مطالبة المشاركين فى الاجتماع، وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس، بتقديم اعتذار رسمى عما وصفه بـ«التجاوزات والتصريحات الاستفزازية والمغلوطة التى تتنافى مع واقع وتاريخ العلاقات بين دول المجلس والشعب الفلسطينى، خصوصًا أن وقائع الاجتماع قد تم بثها على قنوات التليفزيون الرسمى الفلسطينى».
فى بيان أصدره أمس الأول، الإثنين، أشار نايف فلاح الحجرف، أمين عام مجلس التعاون الخليجى، إلى ما صدر عن القمم الخليجية من مواقف تدعم القضية الفلسطينية وتدافع عنها باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى. وأكد أن «تاريخ دول المجلس يشهد بتلك المواقف الراسخة والداعمة، بعيدًا عن المتاجرة بالقضية الفلسطينية، ولن يضرها ما صدر من تصريحات غير مسئولة، من بعض ممن عانت القضية الفلسطينية منهم ومن مواقفهم المتاجرة بها عبر تاريخهم، التى ألحقت بالقضية الفلسطينية الضرر والانقسام».
من زاوية أو منطقة مختلفة، نظر أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، إلى ذلك الاجتماع وقال إنه «يُعد خطوة إيجابية نحو توحيد الصف الفلسطينى، والاتفاق على أولويات العمل السياسى الفلسطينى فى المرحلة المُقبلة، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى». وفى التصريحات، التى نقلتها صحف عربية، عن مصدر مسئول بالأمانة العامة، أعرب أبوالغيط عن اتفاقه مع ما جاء فى البيان الختامى الصادر عن الاجتماع، ورأى أن توافق الفصائل على الإشارة إلى المقاومة الشعبية الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلى يعد تطورًا لافتًا يستحق التوقف عنده.
وسط هذا الأخذ والرد، أو ذلك العبث، أو تلك المعجنة، انطلقت أعمال الدورة العادية رقم ١٥٤ لمجلس جامعة الدول العربية، أمس الأول، الإثنين، وتسلمت فلسطين رئاسة المجلس خلفًا لسلطنة عمان، ومن المقرر أن يجتمع وزراء الخارجية العرب اليوم، الأربعاء، عبر «الفيديو كونفرانس»، بعد أن بحث المندوبون الدائمون البنود المدرجة على جدول الأعمال، التى كان على رأسها القضية الفلسطينية، فى ضوء المستجدات التى شهدتها التطورات الأخيرة، وأكد دياب اللوح، مندوب فلسطين، رئيس الدورة، حرص بلاده على «العمل العربى المشترك، وموقفها الثابت والراسخ منه ومن قرارات الشرعية العربية لخدمة القضايا العربية المشتركة».
بعيدًا عن أوهام العمل العربى المشترك، وبغض النظر عن مزاعم الحرص الفلسطينى عليه، أصدرت الخارجية الروسية بيانًا، فى اليوم التالى لاجتماع الفصائل الفلسطينية، شدّدت فيه على «أهمية إعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية سريعًا فى إطار منظمة التحرير»، وأبدت فيه استعدادها، مجددًا، لتنظيم اجتماع جديد للفصائل الفلسطينية فى موسكو «للمساعدة فى التغلب على الانقسام الفلسطينى، ومن أجل ترسيخ الاتجاه الإيجابى الناشئ».
سبق أن طرحت موسكو، خلال عام ونصف العام تقريبًا، مبادرتين لاستضافة قادة الفصائل من أجل تجاوز الخلافات واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. وسواء تمت الاستجابة للثالثة، وانعقد ذلك الاجتماع أواخر الشهر الجارى أو السنة الجارية، أو لم ينعقد، فإن الطريق إلى إقامة دولة فلسطينية وتحرير القدس، لن يبدأ، من موسكو، أو من بيروت، بل من الداخل الفلسطينى، بتوحيد الصف وإنهاء الانقسامات والانشقاقات، وضبط أداء السلطة الفلسطينية، التى لا نتجاوز لو قلنا إنها مسئولة عن جانب كبير، إن لم يكن الأكبر، من الضعف الذى أصاب القضية الفلسطينية.