رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السودان.. وكوارث أخرى


قلوبنا طبعًا مع الأشقاء فى السودان، الذى تم إعلانه منطقة كوارث طبيعية، وتشكلت فيه لجنة عليا لدرء ومعالجة آثار السيول والفيضانات، التى قتلت، إلى الآن، أكثر من مائة شخص ودمرت أكثر من مائة ألف منزل، وسببت أضرارًا لأكثر من نصف مليون مواطن. وقلوبنا، أيضًا، مع دول أخرى عديدة، يهددها شبح المجاعة أو على الأقل انعدام الأمن الغذائى على نطاق واسع.
منسوب مياه النيل فى السودان، الآن، صار أعلى من مستواه خلال فيضان سنة ١٩٨٨، الذى أودى بحياة المئات وشرّد أكثر من مليونى سودانى. أما ما شهد انخفاضًا، بكل أسف، فكان رد الفعل، على المستويين المحلى والدولى. إذ كانت جهود الاستجابة والإنقاذ المحلية متواضعة، بسبب عدم توفر الميزانية الكافية واعتمادها بدرجة كبيرة على الجهود الشعبية. كما لم تقدم المؤسسات الدولية والأممية المعنية المساعدات اللازمة، بالإضافة إلى أن الدولة الشقيقة لم تجد تضمانًا كافيًا من غالبية دول العالم، أو من كلها تقريبًا، باستثناءات قليلة.
الأمم المتحدة، بمنظماتها وشركائها، قامت بتقييم احتياجات حوالى عشرة آلاف أسرة، بينما يقوم برنامج الغذاء العالمى بتوزيع المساعدات الغذائية الطارئة فى موقعين بولاية كسلا شرقى السودان. وكالعادة، لم تتردد مصر فى تقديم كل سبل الدعم لأشقائنا السودانيين، وتم بالفعل إرسال دفعة المساعدات الأولى، بجهود مشكورة من وزارة التضامن الاجتماعى، و٨ جمعيات أهلية، بالإضافة إلى الأزهر الشريف والهلال الأحمر، ومن المقرر إرسال دفعات أخرى، على عدة مراحل، كما حدث خلال أزمات عديدة شهدتها دول شقيقة وصديقة، آخرها الأزمة اللبنانية.
ثلاث عشرة ولاية سودانية، من أصل ست عشرة، تأثرت بالسيول والفيضانات، ومنذ الشهر الماضى قطعت المياه عددًا من الطرق القومية، ما أدى إلى تأخير، أو عدم، وصول المساعدات إلى مناطق عديدة، خاصة فى شرق السودان، ولا تزال الأزمة أو الكارثة تتفاقم، مع بلوغ منسوب المياه مستويات لم يبلغها، خلال القرن الماضى. ولأن المصائب اعتادت ألا تأتى فرادى، كشف ديفيد بيزلى، المدير التنفيذى لبرنامج الغذاء العالمى، عن ارتفاع مرعب فى عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائى، خاصة فى اليمن، سوريا، ليبيا، الصومال، والسودان.
خلال الجلسة الافتتاحية للدورة الوزارية الـ١٠٦ للمجلس الاقتصادى والاجتماعى التابع لجامعة الدول العربية، أكد بيزلى أن وباء «كورونا المستجد» رفع عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائى فى المنطقة العربية إلى أكثر من ٥٠ مليون شخص، بزيادة قدرها ١٤ مليونًا على العام الماضى. كما أشار أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، فى مذكرة وجهها إلى مجلس الأمن، إلى تدهور الأوضاع، خلال نصف ٢٠٢٠ الأول، فى منطقتى جونجلى وبيبور بجنوب السودان «بسبب تصاعد العنف وغياب الأمن». وأوضح أن النزاع المسلح، الذى تشهده هاتان المنطقتان، رافقته هجمات واسعة على الأراضى الزراعية والرعوية، ما جعل حوالى مليون ونصف المليون شخص «يواجهون أزمة أو مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائى الحاد، بالإضافة إلى أكثر من ٣٥٠ ألف طفل يعانون سوء تغذية».
جنوب السودان، واحدة من أربع دول، عانت لسنوات من النزاع المسلح والعنف المرتبط به، وتشكل «كبرى أزمات الغذاء فى العالم»، وتواجه شبح المجاعة أو على الأقل تزايد انعدام الأمن الغذائى. وبحسب أمين عام الأمم المتحدة، فإن تمويل المساعدات اللازمة لتلك الدول منخفض للغاية، وقد يدفع إلى تقليص أو تعليق برامج المساعدة الإنسانية الأساسية، وفوق ذلك، أشار جوتيريش إلى أن تلك البرامج تتعرض «للهجوم أو التأخير أو تجرى إعاقة توصيل المساعدات المنقذة للحياة». كما أوضح أن انعدام الأمن الغذائى فى الدول الأربع «تفاقم الآن بسبب الكوارث الطبيعية والصدمات الاقتصادية وأزمات الصحة العامة، بما فيها وباء كورونا المستجد».
الدول الأربع، هى الكونغو الديمقراطية، اليمن، شمال شرقى نيجيريا، وجنوب السودان. وهناك مؤشرات على تدهور مماثل فى عدد من الدول الأخرى المتضررة من النزاعات المسلحة أبرزها الصومال، بوركينا فاسو، وأفغانستان. ونقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن مارك لوكوك، وكيل أمين عام الأمم المتحدة للشئون الإنسانية، منسق المعونات الطارئة، أن التداعيات الاقتصادية لوباء «كورونا المستجد» كان لها تأثير كبير على الأمن الغذائى والإنتاج الزراعى.
بعيدًا عن ذلك، أو بالقرب منه، فإن الوضع فى السودان أكثر أو أشد صعوبة، ولا يمكن السكوت عليه أو تجاهله، خاصة مع استمرار الارتفاع فى منسوب النيل الأزرق، بفعل كثافة الأمطار فى الهضبة الإثيوبية، ما يعنى استمرار السيول والفيضانات، ويُنذر بمزيد من الخسائر المفجعة والموجعة فى الأرواح والممتلكات، وربما تكون بقعة الضوء الوحيدة هى أن تلك الكارثة تزامنت مع توقيع اتفاق سلام تاريخى، أنهى عقودًا من التناحر، وجعل كل المجتمع السودانى، بمختلف مكوناته وأطيافه، يظهر قدرة كبيرة على التكافل.