رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اسم الله «الجليل».. يتجلى عليك فلا يحوجك للئيم


من أسماء الله الحسنى، اسم الله «الجليل»، وفى اللغة: جل يَجِل أى عظم قدره، والجليل من له العز والغنى والقدرة والعظمة، وهو سبحانه أهل لأن يوصف بذلك، فإن كل ما فى العالم من جلال وكمال وحسن وبهاء لهو من أسرار الجليل.
وفى دعاء ختم الصلاة: اللهم أنت السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.. والجليل هو الذى يكشف للقلوب بعض أوصاف عظمته وجلاله.. ومن الصعب الإحاطة باسم الجليل «ولا يحيطون بشىء من عمله إلا بما شاء» إلا بالقدر الذى سمح الله به.
تقف أمام منظر طبيعى تسكن نفسك وتهدأ وتتأثر.. هذا من أثر اسم الله الجليل لماذا؟ تجلى على الكون فملأ قلبك بالجلال، لكن الناس تقف على جمال المنظر ولا تنتقل إلى جلال الخالق.
اسم الجليل لم يرد فى القرآن، لكن ورد مشتقًا منه فى سورة الرحمن: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ»، وفى نهاية السورة: «تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِى الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ».
لو كتب الله لك زيارة بيته الحرام، لشعرت بجلال الكعبة وعظمتها، فما بالك برؤية الله عز وجل. وفى الصحيحين من حديث جرير بن عبدالله البجلى قال: كنا جلوسًا مع النبى، صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: «إنكم سترون ربكم عيانًا كما ترون هذا، لا تضامون فى رؤيته».
ويقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ وتنجنا من النار؟. قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل» ثم تلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هذه الآية: «للذين أحسنوا الحسنى وزيادة».
لو كشفت عن قلب المؤمن، لوجدت جلال الله هو المانع من المعصية والدافع للطاعة «ولمن خاف مقام ربه جنتان»، فجلال الله واستشعار عظمته هو الدافع والمحرك للطاعة وترك المعصية «رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشى ربه». هذا الاسم علم على تعظيم الله فى قلوب المؤمنين، والجليل هو الذى يجل المؤمن ويرفعه عن أن يحوجه للئيم أو خبيث أو يذله لعدوه: «ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا».
الإمام على بن أبى طالب، رضى الله عنه يقول: «والله والله مرتين لحفر بئرين بإبرتين، وكنس أرض الحجاز بريشتين، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين، أهون علىّ من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين».
فلو تجلى الله عليك باسم الجليل لن يحوجك للئيم، ولم يجعل للئيم عليك سلطانًا. كلما زاد جلال الله فى قلبك، كلما زاد جلالك فى قلوب الناس حتى أعدائك. وحسن الخلق هو نصيبك من اسم الجليل.. إذ إن الحشرى.. الذليل.. البذىء لا يمكن أن يكون جليلًا.
إذا حدثتك نفسك بالدنايا وسوء الفعال فتذكر اسم الجليل الذى يجل عباده عن النقائص. استح من الجليل.. تواضع بين يدى الله الجليل.. إنى والإنس والجن فى نبأ عظيم.. لذلك حديث النبى: «أَلِظُّوا (أكثروا) بِيَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ».
وعليك بالإكثار من ذكر الله، حتى يكون لك نصيب من جلال الله عليك، وأثر منه فى حياتك، فإن الأمراض إذا أصابت القلوب كان دواؤها الذكر. فى القلب خوف لا يطمئن إلا بذكر الله.. فى القلب قلق لا يثبت إلا بذكر الله.. فى القلب جشع لا يغنى القلب إلا ذكر الله.. فى القلب تشتت لا يجمع شتات القلب إلا ذكر الله.. فى القلب حزن لا يخفف إلا بذكر الله.. فى القلب شهوات ومعاصٍ لا يقوى القلب شىء أمام المعاصى إلا ذكر الله.. فى القلب غفلة مميتة.. لا يحيى موت القلب إلا ذكر الله «أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ».
الذكر يزيل الحجب بينك وبين الله.. فهناك حجب كثيرة تحجبك عن الله.. شهوات ومعاصٍ.. ديون وعيال.. قيل بينك وبين الله ألف حجاب، لكن الله أقرب إليك من حبل الوريد.. كيف؟.. الحجاب موجود بينك وبين الله وليس بين الله وبينك.. الله لا يحجبه شىء.. أنت حاجب نفسك، أما الله فلا.. فليس الحجاب من جهة الرب ولكن من جهة العبد.
القرب والبعد منك أنت إليه، أما هو فقريب: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ».. «إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ» هو قريب، لكنك أنت المحجوب.. أزل الحجب بالذكر تجده أقرب إليك من حبل الوريد.. بعد الذكر اليومى ستشعر بالخوف على نفسك من الذنوب حتى لا يحرمك الله من حلاوة القرب منه.
رجل عصى الله، فرأى رؤيا وهو يقول: يا رب أذنبت ولم تعاقبنى.. فسمع: قد عاقبتك وأنت لا تدرى.. ألم أحرمك لذة مناجاتى.. قيمة المناجاة لا تعنى شيئًا عند أناس كثيرين، لكنها ستساوى كثيرًا عندك بعد عدة أيام من الذكر.