رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأحمق قد ينتحر.. وينحر تركيا


الأطماع التركية فى منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط تنذر بمواجهة عسكرية، أو على الأقل، تجعل احتمالات قيام حرب بين تركيا واليونان قائمة، لو لم تتمكن الأمم المتحدة، حلف شمال الأطلسى «الناتو»، الاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة، من محاصرة الأزمة، وردع الرئيس التركى، الذى قد تدفعه حماقته إلى الانتحار ونحر بلاده.
الحوار ليس ممكنًا فى ظل التهديدات المستمرة ومحاولات الابتزاز الفجّة. وعقوبات الاتحاد الأوروبى، المنقسم على نفسه، لا تزال شكلية أو غير جدية، حتى الآن، وغالبًا، لن يتم اتخاذ موقف واضح من التصعيد التركى خلال القمة الأوروبية، التى ستنعقد فى ٢٤ سبتمبر الجارى، ليس فقط لأن ألمانيا، رئيس الاتحاد الأوروبى فى دورته الحالية، تتجنب الصدام مع تركيا، ولكن أيضًا لأن الإدارة الأمريكية لا تريد التصعيد لاقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.
كلام الاتحاد الأوروبى يسير فى اتجاه، وأفعاله تسير فى اتجاه آخر. كأن يؤكد مارجريتيس سشيناس، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، أن أحدًا لا يمكنه تهديد المفوضية أو ابتزازها، ويجدد تحذيره، أو تحذير المفوضية، لتركيا بفرض عقوبات. وفى الوقت نفسه يحاول شارل ميشال، رئيس المجلس الأوروبى، جاهدًا، عقد مؤتمر متعدد الأطراف. وقال، الجمعة، إنه طرح تلك الفكرة على تركيا وشركاء آخرين. لكنه حين سئل عن إمكانية نجاح ذلك المؤتمر فى تخفيف حدة التوتر، رد بقوله: «لا توجد لدينا إجابة واضحة»!
ما قد يثير الدهشة، السخرية، وربما الريبة، هو أن تصريحات «ميشال» جاءت بعد ساعات من مزاعم «الناتو» بشأن انعقاد محادثات بين اليونان وتركيا فى مقر الحلف. وهى المزاعم التى نفتها أثينا، وقالت الخارجية اليونانية «إن المعلومات المنشورة عن انعقاد ما قيل إنها محادثات فنية مع تركيا، لخفض التوتر فى شرق المتوسط لا تتطابق مع الحقيقة»!.
علامة التعجب من عندنا، وسببها أن ينس ستولتنبرج، أمين عام «الناتو»، أكد قيام اليونان وتركيا، فعليًا، بإجراء محادثات تهدف إلى خفض التصعيد. وقال، فى مؤتمر صحفى عقب اجتماع سفراء الناتو، الجمعة، فى بروكسل: «هذه محادثات فنية وليست مفاوضات بشأن الخلافات الأساسية المتعلقة بترسيم الحدود والمناطق الاقتصادية». والنكتة، هى أنه أقر، بأن تلك المحادثات، التى لم تحدث، لم تتوصل إلى أى نتائج بشأن آلية محتملة لمنع حدوث صدامات فى شرق المتوسط!
مطالب اليونان شديدة البساطة، ولخصها رئيس وزرائها، كيرياكوس ميتسوتاكيس، فى خمس كلمات فقط: «الأعمال الاستفزازية تتوقف، المحادثات تبدأ». وفى اجتماع مع يانج جيتشى، كبير الدبلوماسيين الصينيين، الذى يزور أثينا، قال ميتسوتاكيس إن بلاده لديها الرغبة فى ترسيم حدود المناطق البحرية فى بحر إيجه وشرق المتوسط «وفقًا لمبادئ القانون الدولى، وليس تحت التهديد». وأوضح، فى حسابه على تويتر، أن أعمال تركيا غير القانونية تتطلب ردًا دوليًا. مشيرًا إلى أن بلاده تواجه عدوانًا يتحدى ميثاق الأمم المتحدة ويقوّض القانون الدولى، ويعرّض الأمن الإقليمى للخطر، ويسعى لتغيير الواقع الجغرافى.
التوتر، الذى تشهده منطقة شرق البحر المتوسط، بسبب الأطماع التركية، لفت انتباه وسائل إعلام أوروبية وأمريكية عديدة، مجددًا، إلى سياسات تركيا العدوانية. إذ حذرت مجلة «ذا ناشيونال إنترست»، مثلًا، فى تقرير نشرته، الجمعة، من أن تلك الأطماع تنذر بمواجهة عسكرية، وانتقدت عدم مبالاة الولايات المتحدة والأوروبيين إزاء التصعيد التركى. مشيرة إلى أن أردوغان يراهن على أن سياساته العدائية، التى تشبه سياسات الدولة العثمانية فى الماضى، ستحظى بقبول شعبى، وسيصرف بها نظر الأتراك عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تعيشها بلادهم.
تركيا، كما ذكر تقرير المجلة الأمريكية، تلعب على أكثر من جبهة لبث الفوضى: تستضيف عددًا من أعضاء التنظيمات الإرهابية مثل «جماعة الإخوان»، وتقاتل الأكراد، فى شمال سوريا، بعد أن ساعدوا الولايات المتحدة على هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابى. وحين قوطعت قطر بسبب دعمها للإرهاب، بادرت أنقرة إلى إرسال قواتها للدوحة. كما أشار التقرير إلى أن أردوغان قام بتوسيع نطاق سياسته العدوانية، حين وقّع اتفاقًا غير شرعى، فى ليبيا، مع حكومة فايز السراج من أجل ترسيم المنطقة الاقتصادية للبلدين، فى محاولة لإضفاء الشرعية على تنقيبه عن النفط، فى منطقتين تابعتين، بحسب القانون الدولى، إلى قبرص واليونان.
.. وأخيرًا، لن يهدأ التوتر فى شرق المتوسط، وستظل احتمالات قيام الحرب قائمة ما لم يتم ردع الرئيس التركى ومنعه من الانتحار ونحر بلاده، وإجباره على سحب كل سفنه من الجرف القارى اليونانى أو القبرصى، ومن المتوسط إجمالًا، لأن نتيجة تلك الحرب لن تكون، قطعًا، فى صالح تركيا، التى لم يخض جيشها، إلى الآن، أى حرب حقيقية. وما من شك فى أن الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، بعضها أو كلها، ستكون مضطرة إلى دعم اليونان، فى أى صراع محتمل.