رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة «باشاغا».. بالإكراه!


بتصريح مقتضب، لم يحمل أى تفاصيل، أعلن فايز السراج، الخميس الماضى، عن إعادة وزير داخليته، فتحى باشاغا، إلى منصبه، بعد اجتماع استمر ساعات داخل مقر «حكومة الوفاق» المزعومة، أو التشكيل العصابى، الذى حاصرته الميليشيات التابعة لباشاغا، ما يعنى بوضوح، ودون مواربة، أن الأخير عاد بالإكراه، أو تحت تهديد السلاح!.
الصراع بين الطرفين لم يبدأ منذ أسبوعين، أو شهرين، بل منذ فترة طويلة، وليس متوقعًا أن ينتهى، .
ا بتخلص تركيا من أحدهما أو كليهما. إذ يرى باشاغا نفسه أكبر من كونه وزيرًا للداخلية، ويريد أن يترجم سيطرته، الفعلية، على المشهد بتشكيل حكومة جديدة تحت رئاسته، أو بوضعه على رأس «مجلس رئاسى» جديد، غير أن هناك أطرافًا دولية لا تريد ذلك، وتحاول الحفاظ على «حكومة السراج» الساقطة، شرعيًا وشعبيًا، منذ أن قامت تلك الأطراف -.
كلهم عملاء لتركيا: السراج، باشاغا، وخالد المشرى، القيادى الإخوانى، رئيس «المجلس الاستشارى الأعلى للدولة»، الذى لا يمكن لما يوصف بـ«المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق» أن يصدر قرارًا دون الرجوع إليه. وكنا قد رجحنا، فى مقال سابق، أن يؤدى الصراع بين السراج ووزير داخليته إلى صدام عسكرى بين ميليشيات طرابلس، الموالية للأول، وميليشيات مصراتة، الداعمة للثانى، وأشرنا إلى أن الليبيين يرفضون الاثنين، ويرفضون أى دور لتركيا، ويطالبون بالتخلص من عملائها وطرد قواتها ومرتزقتها، وتفكيك الميليشيات الإرهابية التابعة لها.
السراج، رئيس ما يوصف بـ«المجلس الرئاسى»، كان قد أوقف وزير داخليته عن العمل، وأحاله للتحقيق على خلفية المظاهرات، التى شهدتها العاصمة طرابلس وعدة مدن ليبية أخرى، احتجاجًا على تردى الخدمات العامة وتدهور الأوضاع المعيشية. وجاء رد باشاغا، بأن أبدى استعداده للمثول أمام جهات التحقيق، شريطة أن يحدث ذلك فى «جلسة علنية منقولة على الهواء مباشرة».
لم نعرف شيئًا عن نتائج ذلك التحقيق، أو إجراءاته، إن كان قد جرى من الأساس. لكن ما عرفناه، وشاهدناه هو أنه قبل ساعات من انتهاء مهلة الـ٧٢ ساعة، التى حددها السراج لبدء التحقيق، قام مناصرو باشاغا فى مسقط رأسه، مصراتة، بالتظاهر مطالبين بتعيينه رئيسًا للحكومة، كما هدد محمد الحصان، آمر «الكتيبة ١٦٦» الموالية لباشاغا، بالتمرد على حكومة الوفاق، وأعلن عن وصول قوة الدعم والإسناد، التابعة لكتيبته، إلى طرابلس، وكان «الحصان» بين مستقبلى باشاغا، فى مطار معيتيقة، لدى عودته من تركيا، وشاركت كتيبته فى الاستعراض العسكرى، الذى ضم نحو ٣٠٠ سيارة مسلحة، على متنها مسلحون يتوعدون السراج وميليشياته.
لقطات مصورة عرضتها وسائل إعلام محلية، أظهرت انتشارًا مكثفًا لميليشيات مصراتة بوسط طرابلس، خاصة فى ميدان الشهداء، الذى كان ساحة المظاهرات الرئيسية فى المدينة، وفى المقابل، عرضت وسائل إعلام أخرى، موالية للسراج، لقطات تُظهر قيام «غرفة عمليات تحرير سرت- الجفرة»، بإرسال تعزيزات إلى المنطقة العسكرية الوسطى لدعم قواتها فى تلك المواقع.
تركيا، كما قلنا، هى اللاعب الرئيسى والمحرك الفعلى للأحداث فى طرابلس، وللشخصيات التى تدير العملية السياسية فيها، سواء فى تلك الحكومة المزعومة أو داخل ما يُوصف بـ«المجلس الرئاسى»، والأرجح، هو أن المبعوث الذى أرسله الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، نجح مؤقتًا، فى لملمة ما تبعثر، وفى احتواء الخلافات الداخلية، وقاد الحوار الذى انتهى بإعلان عودة «باشاغا»، الذى «يمثل مصالح أقطاب خارجية تسعى لتنفيذ طموحاتها الاستعمارية»، حسب وصف المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبى.
فى بيان أصدره أحمد المسمارى، المتحدث باسمه، الإثنين الماضى، أعرب حفتر «عن قلقه العميق إزاء الفوضى الأمنية والانتهاكات التى تجتاح مناطق غرب ليبيا»، وأشار إلى أنه «يتابع عن كثب التطورات الجارية فى طرابلس، ويدعم خطوات مكافحة الإرهاب وبسط النظام، والقضاء على مسببات الفوضى الحاصلة، التى تهدد أمن وسلامة شعبنا وبلادنا، ومن ضمنها تلك الإجراءات المتخذة لإنهاء تغوّل الميليشيات المسلحة والمرتزقة السوريين».
وسط هذه المعجنة أو المطحنة، قيل إن بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا تستعد لعقد اجتماع بين ممثلى «مجلس النواب» و«المجلس الأعلى للدولة» فى منتجع الصخيرات بالمغرب، لاستئناف «حوار جنيف» السياسى مع جولة جديدة من الحوار العسكرى. وقيل، أيضًا، إن مشاورات إقليمية ودولية كادت تتوصل إلى اتفاق بين طرفى النزاع حول مدينة سرت، يسمح باستئناف إنتاج النفط وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق قواعد دستورية وقانونية منضبطة، يتوافق عليها كل الليبيين.
ندرك، كما يدرك الجميع، أن المصالحة الوطنية الشاملة هى الضمان الوحيد لأمن ليبيا، واستعادة استقرارها وحفظ مقدراتها، غير أن تلك المصالحة لن تتحقق، إلا بعد تفكيك الميليشيات، والقضاء على الإرهابيين والمرتزقة، والتخلص من الاحتلال التركى وعملائه، واستعادة الليبيين وجيشهم الوطنى السيادة الكاملة، وتوجيه ثرواتهم إلى ما يحقق مصلحتهم، وليس مصالح دول أخرى.