كيف دهس «أتوبيس الزمالك» الأهلى؟
انتصار ثمين نجح نادى الزمالك فى تحقيقه بمباراة القمة أمام الأهلى، فى توقيت مثالى استعدادًا للدور قبل النهائى فى بطولة دورى أبطال إفريقيا أمام الرجاء البيضاوى المغربى، فى سبتمبر المقبل، بينما تركت الهزيمة أثرًا نفسيًا بالغًا لدى جماهير القلعة الحمراء وزادت من قلقها بشأن مستقبل الفريق، خاصة فى ظل تراكم الأزمات خلال الأسابيع الأخيرة.
كيف فاز الزمالك بالقمة؟ وما المحاذير التى يجب أن يتنبه إليها قبل مباراة الأبطال؟ وما مكاسب الأهلى من هذه الخسارة؟ وكيف يحولها لدوافع يبنى عليها ما هو مقبل؟.. هذه وغيرها من التساؤلات تُجيب عنها «الدستور» فى السطور التالية.
الدفاع المنظم وتأمين الأطراف والمرتدات الخاطفة.. هكذا يجيد كارتيرون خطف المباريات
فى المباريات الكبيرة التى تُعد بطولة، مثل مواجهة القمة، أو فى مباريات الأدوار الإقصائية التى تتطلب خروج المهزوم، يحتاج أى مدرب إلى فكرة مهمة جدًا، كانت هذا الموسم على وجه التحديد السلاح الأبرز لكل الفائزين، ألا وهى عملية الصبر، ثم الصبر، ثم الصبر، ثم انتظار أخطاء الغير واستغلال الفرصة التى يتيحها لك.
يمكنك أن تبحث طوال الوقت عن أفكار هجومية، لفتح مساحات فى دفاعات الخصم، لكن لأنه يقف بشكل منظم ويدافع بمنظومة لعب بها كثافة عددية والتزام خططى، حتى لو كان لاعبوه أقل مهارة، فإنك ستجد صعوبة بالغة لخلق فرص تهديف مؤكدة، وهنا الاندفاع يولد المساحات لديك، ويتيح الفرصة للخصم للانقضاض عليك والتسجيل.
لذلك احتاج بيب جوارديولا أمام زيدان أن يترك له الكرة، وقالها فى المؤتمر الصحفى عقب اللقاء: «تركنا الكرة لمدريد.. وكأننا نقول لهم ها هى هاجموا، كان هدفنا البحث عن المساحة والضغط للحصول على الكرة».
وبالفكرة ذاتها أزاح ليون الفرنسى بيب جوارديولا نفسه فى الدور التالى، وفى أبرز وأهم مباريات دورى أبطال أوروبا سجل بايرن ميونخ الألمانى ثلاثة أهداف من أصل أول أربعة أهداف سجلها الفريق أمام برشلونة، بينما كانت الكرة بحوزة الخصم ولم تكن من هجوم منظم، وكان رهان البافارى فيها على ترك الحيازة للخصم، ثم ممارسة ضغط قوى يولد خطأ ويترجم بفرصة كبيرة للتهديف.
تلك الأفكار ذاتها آمن بها باتريس كارتيرون، المدير الفنى للزمالك، وكانت وسيلته للفوز بمباريات عديدة فى هذا السياق، وكذلك حصد البطولات.
ورغم أن فريقه كان الأجهز فنيًا وبدنيًا وعلى مستوى قائمة الفريق والمهارات الفردية داخل الملعب وعلى الخطوط، لكنه لم يسع للاستحواذ على الكرة والتقدم بها، بل ترك الأهلى يداورها كيفما يشاء، وفى الوقت المناسب هاجم بوعى وذكاء مستغلًا المساحة التى دفع الأهلى لتركها فى دفاعاته.
كذلك ركز كارتيرون أيضًا على نقاط الضعف فى الأهلى، فلعب على الجهة اليمنى عند محمد هانى، الذى يعانى بعض المشكلات والقصور فى النواحى الدفاعية، واستغل عدم وجود جناح أمامه يساعده فى الأدوار الدفاعية.
وكانت تعليمات كارتيرون واضحة ليوسف أوباما وفرجانى ساسى بضرورة توجيه الكرة دائمًا فى الجهة اليسرى لفريقه، لاستغلال المساحة عند هانى، وهو ما نجح أشرف بن شرقى كالعادة فى استغلاله وتحقيق الفارق لفريقه.
وركز كارتيرون أيضًا على القوة البدنية لمصطفى محمد، وراهن على قدرته فى الفوز بالالتحامات والكرات الطولية كالعادة، وهو ما منح فريقه لقطة التفوق فى وقت فارق من مجهود فردى رائع.
كان هدف كارتيرون الأول غلق المساحات والدفاع بشكل منظم، وهو ما جرى، ولما أتيحت الفرص ووقع الأهلى فى الأخطاء استغل ذلك، فنجحت فلسفته التى اعتمدها من البداية.
لكن هل ذلك يجعل الزمالك مطمئنًا أمام الرجاء المغربى؟
من الخطأ أن يعتبر الزمالكاوية فريقهم فى أفضل حالاته فى مباراة الأمس، ورغم إشادتنا بمستوى اللاعبين وفلسفة كارتيرون، لكن الفوز الذى تعتمد فيه أكثر على أخطاء الغير من براعتك قد لا يكون تكراره مضمونًا.
ونقول ذلك لأن الأهلى وقع فى أخطاء كارثية فى مباراة القمة، عوضًا عن معاناة الفريق من الغيابات المؤثرة جدًا، وتأثره بعدم اكتمال لياقة حمدى فتحى، وياسر إبراهيم الذى كان ضعفه فى الهدف الثانى بالتحديد أحد أهم أسباب الخسارة فى وقت كان الفريق يتقدم فيه وقريبًا من تسجيل هدف التقدم.
لذلك فإن كارتيرون مطالب باستحضار أفكار هجومية أخرى غير المرتدات واللعب فى المساحات، لأن ذلك غير مضمون، وعليه أن يعرف أن الرجاء لن يأتى محملًا بكل الخطايا والغيابات التى عاناها فايلر والأهلى.
حينما يواجه الزمالك وكارتيرون خصمًا منظمًا دفاعيًا يعانى الفريق كثيرًا فى التسجيل، وهو ما يضطره لبذل جهد بدنى أكبر يدفعه للتقدم، ويؤثر سلبًا على الجانب الدفاعى، وهذا ما قد يعانيه الفريق إذا اعتقد أن مباراة الأهلى كانت نتيجة تألقه فحسب، ولم يضع فى الاعتبار مشاكل خصمه.
تبديل مركزى ديانج والسولية وترك هانى وحده.. أخطاء لا تغتفر لـ«فايلر»
كما توقع الجميع لعب رينيه فايلر بطريقة ٤٣٣ بسبب الغيابات الكبيرة فى صفوف الفريق، واضطر لتجريب شكل جديد لم يلعب به سوى مباراة صن داونز، بطل جنوب إفريقيا، فى جولة الإياب بدور الـ٨ بدورى أبطال إفريقيا.
لم تكن الأزمة فى الطريقة ذاتها، ولم تكن المعضلة فى الشكل الرقمى، لكن الأزمة الحقيقية كانت فى تطبيقها.
وقع فايلر فى أخطاء كثيرة، كان أبرزها وأكثرها أثرًا سلبيًا على الفريق تبديل مراكز أليو ديانج بعمرو السولية.
الأول لاعب وسط مدافع لا يجيد سوى فى مركز ٦ أمام خط الدفاع، وهو أفضل مفسد هجمات وقاطع كرات فى الدورى المصرى، وعدم استغلال قدراته الدفاعية فى تلك المناطق خلق أزمات كثيرة للأهلى.
لكن فايلر دفع به فى مركز ٨ الذى يتطلب لاعبًا يجيد الأدوار الهجومية بشكل أكبر ويعرف كيف يتصرف فى المناطق الأمامية، وهو ما لا يجيده ديانج.
كذلك عاد بعمرو السولية فى مكان ديانج أمام خط الدفاع، فاستغل يوسف أوباما قصوره الدفاعى وتقدمه فى أوقات كثيرة، ولعب فى المساحة خلفه وأمام خط دفاع الأهلى وشكل خلالها خطورة كبيرة.
السولية خسره الأهلى أيضًا كقوة هجومية حينما يلعب فى مركز الـ٨، وكان ثغرة دفاعية، بينما لو كان ديانج مكانه لغطى أفضل منه المساحات العرضية، ولما ترك الجهة اليمنى بهذا الضعف، وكذلك لكانت معدلات إفساد الهجمات واستقطاع الكرات أعلى بكثير.
ولو لعب السولية فى مركز ديانج لكان أفضل منه أثرًا هجوميًا، لأنه يجيد اللعب فى هذا المركز وهو مركزه الطبيعى.
الغريب أن الملعب كان به حمدى فتحى وديانج، وهذا الثنائى بارع فى مركز الـ٦، ولكن فايلر ذهب لخيار ثالث وهو أسوأ الاختيارات بالاعتماد على السولية.
أما ثانى الأخطاء فى تطبيق الطريقة، فهو غياب الدعم والمساندة الدفاعية لمحمد هانى فى الجهة اليمنى، ولم يكن هناك لاعب مكلف بشكل واضح للعودة أمامه عند افتقاد الكرة.
ترك فايلر الأمر للأقرب للكرة، ما بين مجدى أفشة الذى لعب جناحًا أيمن وهميًا تارة، وصانع ألعاب تارة أخرى، ولأليو ديانج لاعب الوسط الأيمن.
كان فايلر يراهن على مرونة الثنائى، واتكأت طريقته على أن يعود الأقرب لهانى للدفاع معه، لكن عدم التمرس على الأمر جعل هانى وحيدًا فى مرات كثيرة، وكان الأفضل أن يكون هناك لاعب محدد مكلف بالعودة للقيام بالأدوار الدفاعية.
كما ذكرنا أن تلك التفاصيل الصغيرة فى تطبيق الطريقة هى الأزمة الأساسية وليست الطريقة ذاتها، لذلك فإن فايلر استفاد كثيرًا من هذه المواجهة، وعرف كثيرًا من الأخطاء التى كان من الممكن أن يتعرض لها أمام الوداد إذا لعب بنفس العناصر والشكل والأدوار التى قاموا بها.
وللعلم فإن نادى الوداد البيضاوى المغربى يمتلك إسماعيل الحداد فى مركز الجناح الأيسر، وهو أفضل لاعبى الفريق وبين أفضل لاعبى دورى أبطال إفريقيا، أى أنه سيتواجد بنفس مكان أشرف بن شرقى، وإذا ظهرت أخطاء القمة بالجهة اليمنى للأهلى فسيعانى الأحمر كثيرًا، لذلك استيعاب الدرس وأخطاء الأمس سيكون مفيدًا للغاية فى المواجهة.
قد تكون الأغلبية من جمهور الأهلى قلقة للغاية على فريقها، لكن الهزيمة وإن كانت مصدرًا لحزنها، فإنها الطريق إلى تجنب صدمة أمام الوداد، والخسارة فى مباراة لن تؤثر على مصير بطولة الدورى خير من توديع دورى أبطال إفريقيا.
ستنير الهزيمة الطريق لفايلر، ليرى كم الأخطاء الكبيرة فى الطريقة التى لعب بها، ولبحث كيفية علاجها، أو استبدالها، ومع عودة حسين الشحات وكهربا الوشيكة، واكتمال لياقة حمدى فتحى وياسر إبراهيم، اللذين أثرا على الفريق بشكل كبير، سيكون للأحمر شكل آخر فى قبل نهائى إفريقيا، لذلك نقول إن فايلر فاز فى المباراة رغم الخسارة، ونعتبر الجميع فائزًا فى القمة.