رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الله والإنسان والمسئولية المشتركة


أمام مصائب الحياة وكوارثها يقف الإنسان حائرًا عاجزًا باحثًا عن الأسباب، وكلما أعمل الإنسان عقله وغاص فى التفكير العميق ازدادت الأسئلة وقلت الإجابات، وأثناء التفكير ومحاولة الفهم كثيرًا ما يحدث خلط فى الأمور بين الدور الإلهى والدور الإنسانى، فالبعض يضع المسئولية بكاملها على الله، وهنا ينشأ التواكل لا الاتكال، وهناك من يضع المسئولية بكاملها على الإنسان، وهنا يزداد عدم الإيمان بوجود إله، وفى حقيقة الأمر لا بد من التفكير بموضوعية وعمل توازن بين الدور الإلهى والدور الإنسانى حتى لا نجنح إلى التواكلية والقدرية من ناحية، وحتى لا نشطح إلى الإلحاد وعدم الإيمان من ناحية أخرى.

والأب هنرى بولاد اليسوعى استطاع فى عبارات موجزة أن يبين لنا هذا التوازن بين الدورين، فقال: «العالم فى يد الإنسان وليس فى يد الله فقط، لا للاتكالية والقضاء والقدر ولا للحتمية، فالإنسان يستطيع أن يخلق عالمًا كله حب أو كله كراهية، عالمًا فيه تضامن أو أنانية.

أمام المرض لا تقل: هذه إرادة الله، بل كافح المرض، أمام الفقر لا تقل: إنها مشيئة الله، بل كافح الفقر، كذلك أمام الأمية لا تقل: هذا قدرنا، بل كافح الأمية، نكافح جميع أنواع العذاب والآلام والشر، سواء كانت بدنية أو معنوية أو اجتماعية.
وأين دور الله ما دام الإنسان هو وحده يملك زمام التغيير وبالتالى يملك مصيره بيديه؟ هل يقف الله موقف المتفرج؟ يمكن القول: إن الله يتصرف، لا من فوق، بل من داخل الإنسان، ليس الله إذن بمتفرج ولا بغائب، بل هو حاضر، ولكن من خلال عمل الإنسان، من يده وعقله وقلبه، يحب من خلال قلبى، ويعمل من خلال يدى، ويفكر من خلال عقلى، الله يعمل ويغير العالم من خلالى، إذن أنا مع الله وليس الله بمفرده ولا الإنسان بمفرده.
إذا تصورنا أن الله وحده هو الذى يغير العالم، نقع فى الاتكالية، وإذا قلنا الإنسان بمفرده، نقع فى الغرور وهو المفهوم الماركسى، أما المؤمن الناضج المتوازن فيقول: «الله والإنسان يتضافران معًا، الله فى الإنسان والإنسان فى الله، وكلاهما يصنعان التاريخ والعالم الجديد».