رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإمارات وسلام الشجعان



جاء الإعلان عن اتجاه دولة الإمارات العربية الشقيقة لتطبيع علاقتها مع إسرائيل برعاية أمريكية شريطة أن يتوقف ذلك على الالتزام الإسرائيلى بتعليق خطتها لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، وذلك بعدما عجز كل الضغوط الإقليمية والدولية عن إثناء إسرائيل ومراجعة موقفها تجاه هذا القرار- ليؤكد شجاعة دولة الإمارات ووضوحها وتحركها بقوة من منطلقات أخلاقية وعربية لدعم الشعب الفلسطينى، ونجاح مساعيها فى تراجع إسرائيل عن تلك الخطوة، التى كان من شأنها أن تقضى على حل الدولتين، واقتناص ٢٥٪ من باقى الأراضى الفلسطينية، بالإضافة إلى أنها كانت سوف تعيد الوضع الفلسطينى إلى نقطة الصفر، وتضع المنطقة على حافة الانفجار.
كان تحرك دولة الإمارات فى هذا الاتجاه واضحًا وعمليًا، ولم يقتصر على مجرد الشعارات وبيانات الشجب والإدانة التى لا تُعيرها الإدارة الإسرائيلية أى اهتمام، بل إن جميع الاتفاقيات والتفاهمات السابق إبرامها بين إسرائيل وأطراف إقليمية وعربية لم يحقق أى إنجاز حقيقى للشعب الفلسطينى على مدار سبعة عقود، لم نسمع خلالها سوى أصوات حنجورية من هنا وهناك سرعان ما تنتهى إلى لا شىء.
وفور الإعلان عن تلك الاتفاقية، سارعت مصر لتأييدها، وذلك من منطلق الإحساس بالمسئولية، والتأكيد على أن القضية الفلسطينية باتت فى مهب الريح، تتقاذفها قوى خارجية وإقليمية فيما بينها، لتحقيق مصالح خاصة بها، دون النظر إلى مصلحة الشعب الفلسطينى، فها هى حركة حماس الإخوانية تتجه إلى إيران تارة ثم إلى تركيا تارة أخرى، ولا عجب عندما نرى رئيس المكتب السياسى للحركة يشكر الرئيس التركى أردوغان على قيامه بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لما سوف يترتب عليه من فتح قناة اتصال قوية للحركة مع إسرائيل، وفك جزئى للحصار عليها، ثم نجده اليوم يهاجم ذات الاتفاقية بالنسبة للإمارات، ويؤكد هو والرئيس الفلسطينى رفضهما لها، بل ويتم سحب السفير الفلسطينى من أبوظبى.
على مدار قرن من الزمان تخلله الإعلان عن قيام دولة إسرائيل لم يتوقف الصراع العربى الإسرائيلى والصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وتعددت أشكال هذا الصراع وأدواته وميادينه، وكانت الهزيمة فى جميع تلك الميادين من نصيب العرب باستثناء حرب أكتوبر المجيدة ومعاهدة كامب ديفيد واتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، والتى هاجمها نفس الذين يهاجمون اتفاقية اليوم بين الإمارات وإسرائيل، ويبدو أن هذا الهجوم سوف يترتب عليه ضياع فرصة جديدة للتفاوض بشكل أكثر إيجابية لصالح الشعب الفلسطينى، وسوف نستمر فى ممارسة أساليب المزايدة الشعبوية الرخيصة والاتجار بالقضية الفلسطينية، لتحقيق مصالح خاصة تتعلق بدعم أصوات الشعوب التى تحكم بالحديد والنار والاعتقالات، لمواصلة سيطرتها وحكمها تلك الشعوب كما هو الحال فى كل من تركيا وقطر وإيران.
لقد سارعت قيادات تلك الدول فى توجيه الاتهامات بالخيانة لدولة الإمارات الشقيقة بنفس الآلية التى سبق اتباعها تجاه الدولة المصرية، بل إنها اتهمت أيضًا كلًا من السعودية والبحرين والأردن بذات الشعارات الجوفاء والعقليات الفارغة التى أصابت المجتمع الدولى بالملل منها، وجعلت قضية الشعب الفلسطينى تتذيل الاهتمام الدولى والإقليمى، وما زال القائمون على الملف الفلسطينى، وعلى رأسهم حركة حماس الإخوانية، يتناحرون ويتنافسون، من أجل الحصول على مكتسبات مادية فقط، ولا يزالون يريدون أن تحارب مصر من أجلهم وتدعمهم دول الخليج العربى، بينما مرتزقتهم يناضلون بالخطب والشعارات، وللأسف فإن المتضرر الوحيد هو المواطن الفلسطينى تحت الاحتلال.
إن تهم الخيانة التى يوزعها اليوم الفلسطينيون ليست سوى فزّاعة للتخويف والترهيب، فى حين نرى أن من بينهم من خان القضية فى مقتل من أجل مكاسب مادية، ومنهم من كان عميلًا سريًا للاحتلال، وتسبب فى مقتل العديد من القادة الفلسطينيين، ومنهم من يعلن النضال فى الصباح، وينسق مع من يدعى مقاومته فى المساء والخفاء.
يأتى هذا فى الوقت الذى نعلم فيه جميعًا تلك العلاقات الوطيدة التى تربط تركيا، وتحديدًا أردوغان، بإسرائيل وأيضًا قطر وإيران، وهى نفس الدول وذات الأشخاص الذين هاجموا تلك الاتفاقية فى مشهد يثير الاشمئزاز من هؤلاء القادة الذين يتحدثون حديث الإفك، ويصدقون أنفسهم ويشحنون شعوبهم لمعاداة الدول التى تبحث عن السلام وأيضًا تحاول أن تجد طريقًا جديدًا للشعب الفلسطينى وليس لحكامه، للحصول على أى حقوق قد تعود عليهم بالنفع الحقيقى بعيدًا عن الوعود التى لن تتم من قِبل تلك الدول الكاذبة.
لقد أضاع الفلسطينيون فرصًا تاريخية، ولم يكونوا أبدًا على قدر المسئولية تجاه قضيتهم، بدءًا من عهد الرئيس الخالد أنور السادات حتى اليوم.. لم يلوموا أنفسهم ولو مرة واحدة، واكتفوا فقط بلوم الآخرين وتوزيع تهم الخيانة على من ساندهم ووقف بجانبهم وضحى من أجلهم، وكانت مصر وما زالت على رأس هؤلاء، إلا أنه يبدو أن مرتزقة القضية الفلسطينية لا يريدون أن يستمر هذا العطاء وتلك التضحيات، وتستمر عمليات الابتزاز والترويع للحصول على أى قدر من المكتسبات، وتناسوا أنه فى المرحلة الحالية التى يمر بها المجتمع الدولى، ونحن جزء منه، أصبح يبحث عن مصالحه ومصالح شعوبه أولًا، بعدما استشعر أن القضية الفلسطينية باتت فى يد من لا يريد لها أن تجد حلًا واقعيًا يحاكى الحقيقة التى يراها العالم أجمع، ولا يريد أن يراها هؤلاء المرتزقة.
لقد كانت دولة الإمارات العربية صادقة مع نفسها ولم تتواصل مع إسرائيل فى الخفاء كما يفعل العديد من قادة الدول العربية، وأعلنت عن موقفها بكل شفافية وشجاعة تحسب لها، وهو الأمر الذى دفعنا لتأييد هذا الموقف الشجاع، وهذا القرار الجرىء ولعل الشعب الفلسطينى يتنبه إلى ضرورة تحمل مسئوليته تجاه قضيته، ويمارس حقه فى الضغط على حكامه لعلهم يحققون له أى تقدم فى قضيته بدلًا من البحث عن مصالحهم الشخصية، وإسقاط فشلهم على الدول الأخرى التى تبحث عن مصلحة هذا الشعب أكثر منهم.
وتحيا مصر.