رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الودود».. حنان يذيب الجمود والقسوة فى حياتك «2»


لماذا الود؟ الزارع يحب زرعته.. الصانع يحب صنعته.. أنت زرعة وصنعة الله.. أنت ثمرة الكون، لذلك أسجد الملائكة لأبيك آدم.. وقال عن عباده المؤمنين: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية}.. أنت غالٍ على الله.. تأكد أنه يحبك.
انظر إلى الكون وخلق الله فى كونه، كلما نظرت فى صفحة الكون وجدت دلائل تودد الله تبارك وتعالى إليك.. الشمس، القمر، الأنهار، البحار، الورود.. وكل هذه الأشياء لها وظائف لديمومة الحياة، ولكن نفس هذه الأشياء جعل الله فيها دلائل ودّه. الشمس وقت الشروق، الشمس فى لحظة الغروب وما تفعله فى القلب. ما وقع فى القلب هذا هو من الودود سبحانه وتعالى.
هناك ملايين الأنواع من الأسماك.. كم نوعًا منها يؤكل..؟ قليل.. أما الباقى فهو زينة ومناظر جميلة. انظروا إلى الكون بطريقة جديدة.. الودود سبحانه وتعالى.. هو الذى خلق الأزهار التى لا تؤكل.. لماذا؟ من أجل الشكل الجميل والرائحة، ومن أجل صناعة العطور، فكلما رأيت وردة تذكرت الودود سبحانه وتعالى. هناك ملايين الأنواع من الطيور.. كم نوعًا منها يؤكل..؟ قليل جدًا.. والباقى؟! من الودود سبحانه وتعالى. جعل الله لك مئات الأنواع من الفاكهة وبألوان مختلفة.
أعطيك مثلًا.. عندما تكون معزومًا لدى شخص فى بيته ووضع لك على مائدة الطعام الأرز واللحم والماء.. ألم يكرمك؟ ألم يضيّفك؟ نعم، ولكن فرق كبير أن تذهب لبيت آخر وتجد فيه على مائدة الطعام كل ما لذ وطاب وعشرة أنواع من الفاكهة وورودًا وعطورًا. فالأول أطعمك، أما الثانى تودد إليك.
يجب عليك أن تُعيد النظر فى الكون بوسعه مرة أخرى ولتعلم أنه مسجد كبير حتى تعرف الودود سبحانه وتعالى وتتودد إليه. استمع إلى هذه الآية التى ستجعلك تذوب شوقًا للودود سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} «مريم: ٩٦». أن تؤمن وتعمل الصالحات سيكون لك ود خاص، وكلمة «سيجعل» هنا ممتدة. سيجعل فى الدنيا؟ نعم.. سيجعل فى القبر؟ نعم.. سيجعل يوم القيامة؟ نعم.. سيجعل فى الجنة؟ نعم.. الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولم يقل الشهداء ولم يقل الأنبياء.
انظر إلى النبى عندما تأخر عنه الوحى ستة أشهر، وبدأت قريش تضحك وتقول: رب مُحمد قلاه «ودّعه» والنبى، صلى الله عليه وسلم، يتألم ألمًا شديدًا، فتنزل سورة كاملة من القرآن {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} «الضحى١-٨».
كلمة «ألم» تُذكر ثلاث مرات، انظر إلى الود فى كلمة «فآوى» وكأنها حُضن رقيق، وانظر إلى السورة، وقد بدأت بالضحى والليل، فأراد الله تعالى أن يضرب له مثلًا بالكون فى أفضل لقطات الود التى فيه، وأقسم بالليل فى لحظات الصفاء الرقيقة وليس بالليل الموحش.
انظر إلى وده لمريم: وحنانًا من لدنا... وهزى إليك.. يا ليتنى مت.. فناداها من تحتها.. الودود يحبك أن تذهب إليه، تُكلمه. هناك فرق بين الدعاء والفضفضة وأن تشكو إلى الله همك، لأنه الودود سبحانه وتعالى. عندما تُحب إنسانًا ويكون مُتعبًا.. ماذا يفعل؟ يقول لك سآتى لأشتكى إليك ولا أريد منك شيئًا غير الفضفضة.. فهل جربت أن تذهب إلى الله الودود سبحانه وتعالى؟.
تأكد أن ربنا يحبك.. من تقرب إليه شبرًا.. لا يمكن أن تذهب مضطرًا تبكى إلا ويطبطب عليك.. يعقوب: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ}، الشكاية إلى الله عباده.
تكلم مع الودود سبحانه وتعالى وأنت مستلقٍ على فراشك، واشتكِ إليه واستشعر قربك منه، فهذه عبادة رقيقة جدًا، وما إن تفعلها إلا وتجد حلاوة فى قلبك عجيبة، هذه الحلاوة تعرف أنها من الودود سبحانه وتعالى.
الحب بين الرجل وزوجته.. ولهفتهما على بعض {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً...} «الروم:٢١». أليست هذه من الودود سبحانه وتعالى؟.. ابحث فى الكون، ابحث فى حياتك الشخصية، ابحث فى القرآن.. ستجد الودود فى كل مكان يُناديك ويدعوك إلى محبته سبحانه وتعالى.