رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من كتابات البابا تواضروس.. صفات شخصية من حياة العذراء

 البابا تواضروس
البابا تواضروس

أمنا العذراء مليئة بالفضائل، لكني أريد أن أحدثكم عن شيء صغير جدًّا أشعر به أنا أيضًا مع أمنا العذراء، هذا النموذج الإنساني الرفيع كان يتمتع بالسلام الداخلي، أمنا العذراء مريم نموذج رائع للإنسان الذي يتمتع بالسلام الداخلي، وسوف أقرأ عليكم آية واحدة من سفر النشيد «مَنْ هي المُشرِفَةُ مِثلَ الصّباحِ، جَميلَةٌ كالقَمَرِ، طاهِرَةٌ كالشَّمسِ، مُرهِبَةٌ كجَيشٍ بألويَةٍ؟» (نشيد6: 10).

هذه الكلمات تصف العروس كنيسة المسيح، وتصف أيضًا بصورة خاصة النعم الكثيرة التي في شخصية أمنا العذراء، هذه الصفات يمكن أن نشاهدها في حياة أمنا العذراء مريم، وما ذُكِر عنها، وهو قليل في الكتاب المقدس، مُشرِفَةُ مِثلَ الصّباحِ في مشهد البشارة كانت مشرفة مثل الصباح، أول مرة نتقابل مع أمنا العذراء وتأتي إليها بشارة الملاك، وجميعنا يعلم الحوار الذي دار بين الملاك والعذراء، ولكن تظهر لنا أمنا العذراء في سلامها الداخلي لأنها تعيش الإيمان والاكتفاء بالله.

إذا كنت تريد أن تشعر بالسلام الداخلي، عش إيمانك واكتفِ بالله. أمنا العذراء في حوارها مع الملاك كان الكلام غريبًا على مسامعها، وأكبر من عمرها ومن خبراتها، نجدها تسأل باستحياء ويجيبها الملاك بعبارات واضحة، فتقول «هوذا أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك»، السلام الداخلي تحصل عليه من إيمانك الكامل واكتفائك بالله، لا توجد وسيلة أخرى إلّا إيمانك، إذا لم يكن لك إيمان لن تشعر بالسلام، لكن العذراء وهي صغيرة السن تأتيها البشارة ولا تضطرب أبدًا، وتتحدث إلى الملاك وينتهي الحوار وهي في سلام.

أيها الحبيب إذا أردت أن تعيش في هذا السلام الداخلي، عش إيمانك، وعش اكتفاءك بالله في هذه الحياة.

ونحن في القرن الواحد والعشرين والأمور المادية تشغل الجميع، لكن ما زال الإيمان هو المصدر الأول للسلام الداخلي مثل ما نراه في أمنا العذراء. جَميلَةٌ كالقَمَرِ المشهد الثاني في أمنا العذراء هو عرس قانا الجليل، وفيه هي "جميلة كالقمر".

نحن إلى هذا اليوم نصف القمر أنه أجمل شيء، وعندما نرى أحد أحبائنا نصفه بأنه مثل القمر؛ هكذا أمنا العذراء كانت في عرس قانا الجليل جميلة كالقمر، ونستطيع أن نقول إنها كانت القمر لهذا العرس، وليس العريس أو العروس، لذلك لم يذكر الكتاب أسماءهما، أمنا العذراء ذهبت إلى السيد المسيح، وقالت له ثلاث كلمات فقط: «ليس لهم خمر»، وكلمة خمر في الكتاب المقدس تعني الفرح، وكأنها تقول له: ليس لهم فرح. مشروب الضيافة الذي كان يُقدَّم في ذلك الوقت انتهى، ونجد أمنا العذراء بمنتهى السلام الداخلي الجواني تذكر هذه الكلمات الثلاث في أذن السيد المسيح «ليس لهم خمر»، وكانت تقصد بصورة نبوية فرح الخلاص، لذلك أجابها السيد المسيح «مالي ولكِ يا امرأة؟ لم تأتِ ساعتي بعد» أي ساعة الخلاص.

ونجد العذراء تقول عبارتها الجميلة «مهما قال لكم فافعلوه»، تقولها للخدام، وتصير أقصر عظة مسجلة في الكتاب المقدس.

أمنا العذراء في هذا المشهد حصلت على سلامها الداخلي من خدمة الآخرين، من حبها الذي دفعها لخدمة الآخرين وخدمة أهل العرس، وتحاول أن تغطي أو تحل المشكلة التي حدثت بانتهاء مشروب الضيافة الذي كان يُقدَّم في العرس. سلامك في إيمانك، وسلامك أيضًا من خدمتك للآخرين بحب. طاهِرَةٌ كالشَّمسِ المشهد الثالث طاهرة كالشمس، كانت الشمس مظلمة في وقت صلب السيد المسيح، ولكن الشمس كانت حاضرة في شخص أمنا العذراء مريم حيث سلمها الرب يوحنا وقال لها: «هوذا ابنكِ»، وسلم يوحنا هذه الأم وقال له: «هوذا أمك». وكانت أمنا العذراء في وقت الصليب تقول العبارة التي نصليها في الأجبية: "أمّا العالم فيفرح لقبوله الخلاص، وأمّا أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي". لم نسمع أمنا العذراء تتحدث، ولكننا سمعنا أنينها الداخلي، وكانت غير مضطربة، الأحشاء التي تلتهب أيها الأحباء هي الأحشاء التي تمتلئ بالرحمة، وإذا كان قلبك قاسيًا لن تشعر بالسلام أبدًا.

أمنا العذراء كانت قلبًا رحيمًا، وبقلبها الرحيم هي التي قالت: "أما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك". أحشاء تلتهب، أحشاء تشعر بالآخر، أحشاء تحن على الآخر وتترفق به، إذا كان قلبك قاسيًا لن تعرف السلام الداخلي، حتي إذا ظهرت أمام الجميع بالصوت العالي وإعطائك للأوامر، لن تشعر بالسلام الداخلي، سلامك الداخلي يأتيك من قلبك الذي يمتلئ بالرحمة، ويفيض بأعمال الرحمة.مُرهِبَةٌ كجَيشٍ بألويَةٍعندما كان السيد المسيح طفلًا صغيرًا في الثانية عشرة من عمره، وكان في الهيكل، وكانت أمنا العذراء تبحث عنه في وسط الشيوخ وجميع الحضور في الهيكل، ومن كثرة ما قيل وسمعته دون أن تتحدث بشيء، قيل عنها «وكانتْ أُمُّهُ تحفَظُ جميعَ هذِهِ الأُمورِ في قَلبِها» (لوقا2: 51)، الذي يتحدث كثيرًا -ونحن في زمن الذين يتحدثون في كل شيء- لا يستطيع أن يشعر بالسلام الداخلي.

نرى أمنا العذراء سلامها الداخلي يأتيها من أنها كانت تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها وليس بلسانها، كلامها قليل، حديثها بسيط ورقيق، وكانت في هذا المشهد لا تقول شيئًا ولا تتحدث عن أي شيء، كانت تحفظ جميع هذه الامور في قلبها، وكلمة "تحفظ" هنا أي تحفظها بروح الصلاة، لأنها كانت إنسانة مُصلِّية وتحفظ جميع هذه الأمور في قلبها، لذلك كانت تعيش في هذا السلام الكامل، السلام الداخلي، إذًا أيها الأحباء، إن أردتم أن تتمتعوا بظهور العذراء في قلوبكم، فاقتنوا هذه النعمة وهذه الفضيلة واطلبوها، فضيلة السلام الداخلي، هدوءك الداخلي، فرحك الداخلي. نحن بمجرد أن نرى صورة السيدة العذراء ينتابنا السلام.

إذا أردت أن تتمتع بالسلام الداخلي فاذكر هذه الكلمات: «مَنْ هي المُشرِفَةُ مِثلَ الصّباحِ، جَميلَةٌ كالقَمَرِ، طاهِرَةٌ كالشَّمسِ، مُرهِبَةٌ كجَيشٍ بألويَةٍ؟»، كل هذا نحن نراه في أمنا العذراء، فهي تعيش في السلام الداخلي بإيمانها وبمحبتها وخدمتها للآخرين، بروح الرحمة التي تسكنها، وأيضًا بروح الصلاة التي بها تحفظ كل هذه الامور في قلبها.ظهور العذراء مريم حادثة تاريخية عشناها، وكثير من الكبار منكم رأوها وعاصروها، ونسلمها للأجيال جيلًا بعد جيل. وشاهدنا البابا شنوده في العيد الأربعين لظهور أمنا العذراء يتحدث عنها، وأيضًا القديس البابا كيرلس الذي ظهرت أمنا العذراء في حبريته. ورأينا آباء مطارنة وأساقفة أجلاء عاصروا وتكلموا وشهدوا. كل هذه الأمور الرائعة في حياتنا نسلمها جيلًا بعد جيل.


ويجب أيضًا أن نشعر جميعنا بهذه الشفيعة المؤتمنة، أمنا العذراء مريم التي تشفع في جنسنا، لأنها فخر جنسنا، ونتعلم منها فضيلة السلام الداخلي. وأنت اليوم موجود وحاضر العشية في وسط هذه الأفراح الكثيرة، اطلب من الله اليوم وكل يوم في القداس أن يعطيك فضيلة السلام الداخلي، وأن يعطيك هذه النعمة لكي ما تستحق أن تكون بالحقيقة ابنًا لهذه القديسة العظيمة، أمنا العذراء مريم.