رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«صنايعية العزل».. حكايات «عيون الذئاب» في مواجهة كورونا

صنايعية العزل
صنايعية العزل

عبد المطلب: بنلمس تقريبًا كل شيء في غرفة المريض
محمد عبد السميع: نقوم بعمل صيانة دورية ولا ننتظر حتى تحدث المشكلة
إبراهيم حامد: نقيم داخل مستشفيات العزل 14 يوما خلاف أيام التحاليل
مصطفى حلمي: يمكن أن نلتقط العدوى في أي لحظة دون أن ندري
صالح الجعفري: نشعر بالفخر لتعاوننا مع الجهاز الطبي في مصر

كانت الساعة تقارت الثانية صباحًا، الجميع يصارعون الوقت، لا مجال على الإطلاق للتكاسل، يغالب النوم العديد من "أصحاب الرداء الأبيض" غير أن الحياة أهم، توقف أحد أجهزة التنفس الاصطناعي في إحدى غرف المصابين بفيروس كورونا المستجد، استغاثات وصلت مداها إلى محمد عامر الذي غامر بحياته ودخل بدون التجهيزات اللازمة، وصل إلى الجهاز، وطالبهم ببضعة دقائق على أن يتولى الطبيب عمل اللازم مع المريض، أحضر عدته هو ومعه أحد المساعدين ليتمكن من السيطرة على العطل في غضون دقائق.

محمد واحد من عشرات "الصنايعية" الخيّرين بما كسبوا، أصحاب الأيادي والعقول المميزة الموجودين داخل مستشفيات عزل المصابين بفيروس كورونا، لم يهنأ براحة أبدا بل ظل يساعد ويسعمل طيلة أسابيع لم يخرج من المستشفى لمساعدة غيره على الحياة، ينامون بعين مغلقة وأخرى مفتوحة كالذئاب، استعدادا لأي أعطال مفاجئة.

"الدستور" التقت بـ"صنايعية العزل" في هذا الملف، تحدثت معهم عن لحظات الخوف والرعب، وإنقاذ آلاف المرضى من هلاك توقف الأجهزة المُعاكس، تضحياتهم وعملهم الذي استمر في بعض الأحيان لأسابيع دون توقف أو راحة.
عبد المطلب: بنلمس تقريبًا كل شيء في غرفة المريض

"قضينا الأيام الأولى من غير عنينا ما تغفل"، بهذه الكلمات بدأ ابن محافظة الغربية عبد المطلب السيد، ورئيس العمال -الصنايعية- بمشفى العزل في "بلطيم" حديثه، واصفًا بها الأيام التي قضاها في عمله من ضمنها يومين للتحاليل قبل مغادرته للمشفى هو وطاقمه داخل مستشفى العزل، موضحُا المجهود المبذول الذي قاموا به بالاشتراك مع الأطباء في حرببهم ضد فيروس كورونا.

استكمل السيد قائلًا: "تتمحور مهمتنا داخل مستشفيات العزل حول العديد من الوظائف والخدمات التي نقدمها، منها الكهرباء، السباكة، النجارة، والميكانيكا، حيث يحدث العديد من المشكلات التي تتوجب وجود فريق متكامل من الصنايعية والفنيين للتعامل معها؛ لأن الأطباء وطاقم التمريض غير مؤهلين للتعامل مع هذه المشكلات".



وأضاف: "كانت القوة الاستيعابية لمشفى عزل بلطيم 118 في بداية استقبالها للحالات المصابة، ولكن بعد أن ازدادت أعداد الحالات التي تأتي إلى المستشفى، كُلفنا بزيادة السعة الاستيعابية للمشفى إلى 168 سريرا، وهنا كنا نعمل بقوة عمالة كاملة، حيث كان يستوجب تجهيز الأماكن التي كلفنا بها بجميع المستلزمات من كهرباء، وصرف وتجهيز أجهزة الأكسجين وتجربتها بشكل دوري وتوصيل وصلات الأكسجين المضغوط".

أشار السيد إلى بعض المرات التي كان فيها الوضع سيئًا، وروى: "ذات يوم حدث وأن أحد أجهزة الأكسجين تعطل، المريض في غرفته لا يقدر على التنفس وبحاجة ماسة إلى أن يُوضع على الجهاز، دخلنا إلى غرفة المريض وتفقدنا الجهاز حتى اتضح لنا أن المشكلة كانت في الكهرباء ومن ثم أصلحنا المشكلة، بالإضافة إلى إحدى المرات التي كانت فيها منظومة الأكسجين المضغوط قد تجمدت والمصابين يحتاجون إليها أمس الحاجة، قمنا باستعمال خرطوم إطفاء الحرائق لمدة تزيد عن 5 ساعات حتى سال الأكسجين مجددًا".

وعن وسائل الوقاية التي يعتمدها "صنايعية العزل" قال السيد، نتخذ جميع الإجرائات الوقائية عندما ندخل إلى إحدى الغرف المقيم بها مصاب، حيث نرتدي الزي الواقي مثلما الحال مع الأطباء وطاقم التمريض، بالإضافة إلى التزامنا باستخدام الأدوات الشخصية الخاصة بكل فرد بالسكن، ونراعي وجود مسافات بينية تزيد عن متر في السكن الخاص بنا، ونطهر باستخدام المطهرات المعتمدة، وبعد انتهائنا من أي أعمال داخل غرف العزل نقوم بتطهير كامل".

محمد عبد السميع: نقوم بعمل صيانة دورية ولا ننتظر حتى تحدث المشكلة

بدأ محمد عبد السميع، فني كهرباء، العامل بمستشفى العزل بالعجمي، مسؤول صيانة الغازات وجميع الأجهزة الطبية حديثه قائلًا: "المتاعب بدأت في الأيام الأولى لنا ولكن بعد أن نتأقلم مع الوضع يصبح الأمر كدوام عمل طبيعي، بالإضافة إلى أنه يوجد معنا فنيين متخصصين في العديد من التخصصات، على أٌهبة الاستعداد لأي مشكلة فنية ممكن تطرأ داخل المستشفى".

استكمل قائلًا: "لم نأخذ تقريبًا وقت راحتنا كاملًا وكنا نعمل لمدة تذيد عن 48 ساعة متواصلة، كانت المشكلات المفاجئة تحدث دائمًا، وكان يحدث 90% منها داخل غرف المصابيين، لم نأن أو نكن طوال 14 يومًا الذين قضيناهم داخل مستشفى العزل، لهذا كنا ننام بعين مفتوحة وأخرى مغلقة كنومة الذئاب مستعدين لأي تحد جديد قد يواجهنا".



وأضاف: "ذات مرة كان هناك مريض يحتاج إلى استنشاق الأكسجين من خلال الجهاز، وكانت وحدة الغاز داخل غرفته حينها معطلة، وبعد أن قمنا بالتنقيب عن المشكلة اتضح لنا أن إعدادت الجهاز غير سليمة ويستلزم أن نقوم بإعادة تشغيلة وضبطها مرةً أخرى، شرعنا بضبط الإعدادت وكان المريض يتهاوى من قلة الأكسجين في رئتيه، واستطعنا حل المشكلة وكثير غيرها من المشاكل التي كنا دائمًا مستعديين لها".

وتابع عبد السميع: "نرتدي معدات الحماية الشخصية المناسبة، وتشمل القفازات المتينة والكمامة وحماية العينين -النظارات الواقية- ورداء طبي بأكمام طويلة ومريلة، وأحذية طويلة مغلقة، ونغسل الأغطية والملابس ونعقمها، بالإضافة إلى غسيل الأيدي جيدا بالصابون والماء لمدة 20 ثانية، وتحت أظافر اليدين وظهرها جيدا، ونستخدم المطهرات التي تحتوي على الكحول".

استطرد فني الكهرباء: "إحساس الخوف يلازمنا لكن إنسانيتنا تطغى عليه، شعورنا بالمسؤولية جعل كل فرد في الطاقم يعمل مرتان فوق طاقته، نعمل ليل نهار بدون كلل أو ملل، كلما ازداد خوفنا من الوباء ازداد معه إصرارنا على استكمال مهامنا بكل ما نملك من قوة، وفي حال لم يكن هنالك أية مشاكل يقوم كل فني في الطاقم بالمرور على اختصاصاته ليتمم عليها ويقوم بالصيانة الدورية لها ولا ننتظر حتى تحدث المشكلة".

إبراهيم حامد: نقيم داخل مستشفيات العزل لأكثر من أسبوعين بخلاف أيام التحاليل

قال إبراهيم حامد مشرف الكهرباء بمستشفى العزل ببلطيم، والمسؤول عن المشفى وأجهزة الأكسجين، إن قرار الدولة في اتخاذ المستشفيات الحديثة مكان للعزل سهل علينا العديد من الصعوبات التي كانت ستوقف الروتين اليومي للطاقم الطبي والحالات المصابة داخل المستشفى، نظرًا لقدم الأساليب المستحدمة في المستشفيات القديمة.

واستكمل قائلًا: "في ظل هذه الأزمة تقوم الجهات المختصة بعمل اختبارات للفني أو الصنيعي الذي سيعمل في مستشفيات العزل، لأنه إذا حدث مشكلة ما في أجهزة الأكسجين أو ذادت الكهرباء، وهذا ما سيؤدي إلى تعطل الأجهزة المستخدمة داخل المستشفى، في هذه الحالة هم لا يحتاجون شخص يدور حول العطل ساعات حتى يجده، هم يريدون فريق عمل متكامل يستطيع التعامل مع جميع المشاكل التي يمكن حدوثها داخل المشفى".



وأضاف حامد: "نقيم داخل مستشفيات العزل لمدة 14 يومًا خلاف الأيام التي ننتظر فيها ظهور نتيجة التحاليل، نقوم خلال 14 في التعامل مع مشاكل عديدة داخل غرف المرضى، وأغلبها تكون فحص لأجهزة الأكسجين، وخلاف هذا يوجد معنا في فريق العمل فنيين، سباكة، كهرباء، أسانسيرات، تبريد وتكييف، نِجارة جاهزين لأي حادث قد يحدث في أي وقت".

وأشار حامد إلى أن عمله داخل مستشفيات العزل جعله فخورا بنفسه، حيث أنه يشارك في الحرب على الجبهة الأولى -مستشفيات العزل- مع الأطباء جنبًا إلى جنب، يدخل غرف المصابين ويلمس أغراضهم ويتجول داخلها باحثًا عن أي أعطال، وأنه معرض للإصابة في أي لحظة.

وعن الإجرائات الاحترازية التي يتخذونها قال حامد: "ندخل غرفة المريض بنفس الزي الذي يدخل به الطبيب، وهي الملابس الواقية وسائر الأدوات التي يستعملها العاملون في القطاع الصحي، مثل ارتداء قناع طبي للحد من انتشار الأمراض التنفسية، بالإضافة أيضًا إلى التعقيم وغسل اليدين جيدً باستمرار، مع الإلتزام الكامل بكل القواعد والنصائح التي يقولها لنا الطبيب المتواجد بالمستشفى".
صالح الجعفري: نشعر بالفخر لتعاوننا مع الجهاز الطبي في مصر

"لا نستطيع النوم"، بهذه الكلمات بدأ صالح الجعفري فني السباكة حديثه بمستشفى عزل إسنا، مشيرًا إلى أن ما يقوم به داخل مستشفى العزل ليس بالأمر الهين من ناحية الإرهاق الجسدي أو النفسي، لا يتمكن من النوم لأربع ساعات متواصلة إلا وقطع نومه القلق أو مشكلة ما استُدعى لها.

وأوضح: "أعمل داخل المشفى كفني سباكة، أدخل إلى غرف المصابين وأتابع كل المشكلات التي تحدث في نظام الصرف أو في المرحاض الخاص بهم داخل غرفهم، لافتًا إلى اتخاذه جميع إجرائات الوقاية عند التعامل مع مشكلة داخل غرف العزل، من ارتداء زي متماثل لما يرتديه الأطباء ويشرف علينا طاقم التمريض خلال إرتدائنا إياه لكي لا يحدث أي خطاء أو تكون هناك فرصة ليتخلل الفيروس من الزي لأنه لم يُلبس بإحكام".



أشار الجعفري إلى أنه بالرغم من ظروف العمل الصعبة، إلا أنهم لم يكونوا ساخطين من هذا على الإطلاق، بل كل فريق العمل يشعر بالفخر لما يقومون به من تعاون مع الجهاز الطبي في مصر، متابعا: "لم نتراجع عن تلبية نداء، كان فينا من تردد للذهاب إلى مستشفيات العزل، ولكن تحول ترددنا إلى يقين بأهمية ما سنقوم به داخل هذه المستشفيات".

وتابع الجعفري: "نقوم بالإقامة داخل المشفى لمدة 14 يوما، ويوم أخر أو يومان نقوم فيهما بالتحاليل اللازمة للتأكد من خلونا من فيروس كورونا، وغالبًا كان لكل يوم نقضيه قصة مختلفة شعور مختلف يتحكم فيه نسبة الشفاء أو دخول أحد جديد إلى المستشفى، تداخلت أحاسيسنا كان الخوف ظاهرًا، لم نتمكن من إخفائه عن أنفسنا".



واختتم قائلا: "يجب على الجميع أن يتخذ كل التدابير التي يمكن من خلالها أن يتفادى الإصابة بالفيروس القاتل، ونتمنا أن لا تذيد الحالات وألا يصاب شخص أخر، بصدد ما نراه فمن يصاب بهاذا الفيروس تكون حالته سيئة جدا يشعر بالألم في أنحاء جسده وتكون حالتهم متقلبة تتسحن فجأة ومن ثم ينتكث سريعًا جدًا".

مصطفى حلمي: لم أتردد عن التواجد في المستشفى والقيام بدوري لخدمة مصر

قال مصطفى حلمي رئيس العمال والصنيعية داخل مستشفى العزل بإسنا، إن الأمر قد بدأ عندما طُلب منه أن يكون قائدا لطاقم من الصنيعية داخل مستشفى العزل بإسنا: "لم أتردد ولو للحظة واحد أن أتخذ قرار تواجدي داخل المستشفى، مثلما فعل رجال الطاقم أيضًا، كل منهم يتفانى في عمله مهما كان الخطر يدق على الأبواب، ويغامرون ويدخلون إلى غرف العزل ويخالطون المصابيين أحيانًا بدون أي ذرة تردد فى أن يقومو بعملهم".



تابع حلمي: "طاقمنا متكامل من عامل النجارة إلى السباك إلى صنايعي الأسانسيرات وإلى الكهربائي وغيرهم من جميع التخصصات التي توقعنا أن تحدث بها عطل داخل المبني، لأنه أحيانًا كثرة إذا كانت المشكلة كهربائية تتعرض حياة المصاب للخطر، لأنه عندما تنقطع الكهرباء أو يذيد تردد الكهرباء أو يقل تحدث هناك مشاكل في أجهزة الأكسجين وهذا ما يعتمد عليه المصاب بنسبة كبيرة لتخطى الوعكات الصدرية التي يتعرض لها، وأنقذنا الموقف مرات عديدة".

استكمل قائلًا: "أحيانًا يعتلى وجوهنا نظرات الخوف عندما نسر داخل المستشفى في طريقنا إلى غرفة المريض، ولكن الإستعدادت والإجرائات الإحترازية التي نتخذها تشعرنا بالطمئنينة قليلًا، مثل ارتداء زي متكامل محكم الغلق لا يمكن أن يتخلل الفيروس من خلاله، يتكون من قفازات، وحذاء برقبة طويلة مخصص لهذه الحالات بالإضافة إلى واقى الرأس والوجه والبزة العازلة".



وأوضح حلمي أن إحساس الفخر يتخلل عروقه، لما يقوم به من مخاطرة في سبيل الإنسانية، وإنقاذ الأشخاص، لما يقوم به من اغتراب عن منزله من أجل هدف نبيل وسامي، وأيضا لأنه لم يتردد في ثانية واحدة في اتخاذه قرار العمل داخل مستشفيات العزل.



وعن المخاطرات التي يقومون بها قال، يوجد داخل المسشفى مصعد كهربائي مخصص للمصابين، نقوم بدخوله وصيانته بشكل دوري منعًا لوقوع أية مشاكل، بالإضافة إلى الكهربائي فهو يتعامل مع المريض داخل غرفته ويقوم باختبار جهاز التنفس بشكل دوري، وأيضًا السباك يقوم بالتعامل مع مشاكل غرفة المرحاض الخاصة بالمريض المصاب، ويمكن في أي لحظة أن يلتقط أحد منا العدوى بدون أن يدرى، وبالرغم من هذا نستكمل أعمالنا بكل فخر وشجاعة.