رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

موت بطعم الفرحة.. الغرق يخطف الأحبة والموج يخفي الجثامين

غريق
غريق

«شاطىء النخيل» عنوان الموت المغلف بمتعة كل عام، منذ سنوات وأسمه مقترن بابتلاع كثير من المصريين، بات أشبه بمصيدة موت، فبدلًا من أن تصاحب الأسر أثناء التنزه أصوات الموسيقى والأغاني نستمع لأنين وصراخ الأهالي لنجدة ذويهم من الغرق، آخر الحوادث كانت فاجعة حصد فيها النخيل أرواح 11 شخصا، فبعد أن منعت الحكومة التواجد على الشواطئ العامة ضمن إجراءاتها للحد من انتشار فيروس كورونا لكن مع بداية عودة الحياة، تصدر الشاطئ المشهد.

رغم غلقه بقرار من مجلس الوزراء وتزويده بأكثر من 10 لافتات مكتوب عليها ممنوع النزول للشاطئ، ولكن مجموعة من الأسر نزلت بعد صلاة الفجر يوم الجمعة، العاشر من يوليو الجاري، وبعد استغاثة سيدة تصطحب وليدها أنه على وشك الغرق نزل 11 شابا لإنقاذهما وغرق الشباب جميعا، ومنذ تلك اللحظة وحتى يومنا سخرت الملاحة البحرية وقوات الإنقاذ وفرق الغوص المتطوعين كل الجهد لانتشال الجثامين.

اختفاء جثث الغرقى، يعد أصعب من موتهم، تعيش الأسرة مأساة البحث عن الغريق لدفنه، هو موت متكرر كل يوم، يتجدد أملهم كل يوم لخروجه، يقتلهم فشل الغطاسين، ويفسر الدكتور سامح الشاذلي، رئيس اتحاد الغوص أن إنقاذ الجثامين تكمن صعوبته في هيجان البحر وتراكم الصخور في القاع، خاصة في بلطيم والنخيل، فبعد تقلب الأمواج تدفن الجثامين بين الصخور، ويصعب رؤيتها وسحبها، لذا يتطلب من المنقذين عدم الاكتفاء بالغطس فمن الممكن أن تتسبب في موته لثقلها الكافي لغمره بين الصخور، ويتطلب الأمر مركبا، وهو ما يأخذ وقتا ويطيل عدد ساعات البحث.

وأضاف أن هناك بعض الأسباب الطبيعية لا يمكن التحكم فيها، وتزيد من صعوبة إخراج الغريق، وأبرزها النوات الشديدة خاصة نوة البحر المتوسط، والتي تتسبب في ابتعاد الجثمان عن الشاطئ، كما أن اتجاه الرياح يؤثر في سير الجثمان داخل المياه، فكلما كان البحر في حالة جزر، كلما سحب الجثمان للداخل، والعكس في حالة المد يلقي ما بداخله للخارج.

وهناك أسباب يذكرها "الشاذلي" ترجع لطبيعة الشخص نفسه، فأحيانًا يتضح أنه شرب مياه تجعله ينزل لأسفل، أو أنفجرت بطنه فيسقط تحت المياه ويصعب إخراجه لأنه يختفي عن الأعين ولأن العظم أثقل بكثير في المياه، لافتًا إلى أن الجثمان إذا لم يشتبك في شيء كصخرة أو ورد النيل مثلا، يتوقف في مكانه، أما إذا لم يوقف زحفه شيء، فيتم حساب اتجاهات المياه وسرعتها ودراسة تفريعاتها لمعرفة مكان الجثة.

ويرى الدكتور أيمن فودة كبير الأطباء الشرعيين السابق، أن هناك حالات يستحيل فيها العثور على الجثمان أو حتى جمع رفاته، موضحا أن جثة أي شخص تبدأ بعد الوفاة مباشرة في التحلل بواسطة بكتيريا موجودة بالجسم، لكن لا تظهر آثاره خلال فترة تتراوح من يومين إلى 3 أيام، في حالة الوفاة والدفن بشكل طبيعي، أما في حالة الغرق في البحر يتأخر التحلل بعض الوقت نتيجة إفراز هرمونات معينة من الجسم وتبدأ آثار التحلل تظهر تدريجيًا على جثة الغريق، ويعتمد تحلل الجثث الميتة في مياه البحر على درجة حرارة الماء، ففي المياه الباردة يقل نشاط البكتيريا المسببة للتحلل، وهو ما كان متخوف حدوثه في حالة الطالب نور كلش، والمعروف إعلاميًا بـ"غريق بلطيم"، الذي ظل تحت المياه ١٢ يوما.

وأكد أنه مع احتمالية التحلل يبقى الهيكل العظمي، لن يتحلل إذا ثبت صحة ذلك الأمر، والعثور على "نور" كان أشبه بمعجزة، فتلك الفترة كافية لتحلل الجسم في مياه البحر خصوصًا مع ارتفاع حرارة الصيف تنشط بكتيريا التحلل، ولكن إذا تحللت الجثة سوف تطفو العظام.

النخيل ليس وحده شاطئ الموت، هناك مجموعة من الشواطئ تمثل بيئة خطرة لمن لا يجيد السباحة، أبرزها «العين السخنة»، فقد التهمت سمكة قرش قدم طالب يدعى عمر عبدالقادر محمد -23 عامًا-، حاول الفرار منها لكنه لم يستطع.

و«شواطئ مطروح» التي شهدت أكثر من حادثة مفجعة، ففي إحدى المرات قذفت الأمواج 20 جثة مجهولة، وتم نقلهم إلى مشرحة مستشفى مطروح.

ورغم أن شاطئ «رأس البر» من أكثر المناطق جمالًا واتساعًا إلا أن منطقة اللسان تعد الأكثر خطورة، حيث يتسبب المد والجزر، في زيادة السحب بالمياه للأجسام تجاه منطقة اللسان، والتي تمتلأ بالصخور المدببة، والتي تنتظر غنيمتها، وأشهر ما وقع فيها مصرع 5 شباب غرقًا، بعد أن تسابقوا فيما بينهم على السباحة، ولم يتمكنوا من مقاومة السحب والعودة للشواطئ سالمين.