رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الغنوشي (7).. من أين لك هذا؟


منذ أن تولى راشد الغنوشي رئاسة برلمان بلاده، وتحاصره الاتهامات التي يطلقها عليه الشعب التونسي نتيجة ممارساته في الاستحواز على السلطة.. وفي مطلع مايو الماضي لفت انتباه الشعب تضخم ثروة الغنوشي مما أدى بهذا الشعب إلى اتخاذ اجراءات للضغط على الحكومة في سبيل التحرك لكشف لغز ثروة رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة وفتح ملفه المالي المشبوه، بعدما تحول من مجرد مُدرّس إلى واحد من أبرز أغنياء تونس، وأصبح يتمتع في أقل من عقد بثروة كبيرة، كان لها دور كبير في سيطرة حزب النهضة على الحكم في تونس بعد ثورة 2011، جنباً إلى جنب تزايد الغضب عليه، وانعدام الثقة تجاه الرجل الذي تعددت زلاّته في الفترة الأخيرة، وخاصة منذ توليه منصب رئاسة البرلمان، حيث باتت الاتهامات تحاصره من كل الجبهات، بعضها ارتبط بالإرهاب وبعضها الآخر بالتخابر مع جهات أجنبية.
من أين لكم هذا؟.. سؤال طرحته الأوساط السياسية والشعبية على قيادات حركة النهضة ـ إخوان تونس ـ لمعرفة من أين كونوا ثرواتهم الباهظة فى فترات زمانية قليلة جداً، وهو ما انعكس على مطالبات تونسية بالتحقيق فى ثروة راشد الغنوشى زعيم حركة الإخوان، حيث وقّع آلاف التونسيين على عريضة إليكترونية تطالب بالتحقيق فى مصادر ثروة الغنوشي، الذى تحول فجأة من رجل عادى إلى أحد أبرز أغنياء تونس.. وجاء فى نص العريضة، التى لاقت تفاعلاً واسعاً من الناشطين على موقع فيسبوك، وسلطت عليها الصحافة التونسية الضوء بشكل كبير: (عاد راشد الغنوشى إلى تونس فى 2011، ولم يعرف له نشاط قبل هذا التاريخ أو بعده إلا فى المجال السياسي، ورغم عدم ممارسته لأى عمل اقتصادى أو تجاري، فإنه قد أصبح فى ظرف تسع سنوات من أثرى أثرياء تونس، وقد قدرت مصادر إعلامية ثروته بمليار دولار فى حين تتحدث مصادر إعلامية أخرى عن مبلغ يساوى ثمانية أضعاف هذا الرقم، أى ما يعادل خمس ميزانية الدولة التونسية، فكيف له بهذه الثروة؟).
وبحسب الصحافة التونسية، يحيط الغموض بمصدر الثراء الفاحش للغنوشي، الذى تملّك خلال تسع سنوات قصوراً وعقارات فى مناطق راقية وسيارات فخمة، وكثُرت التساؤلات عن طرق الحصول على هذه الأموال الطائلة وهوية الجهات المانحة، وما إذا كانت متأتيّة من خارج البلاد، حيث يأمل التونسيون إزالة هذا الغموض، عبر فتح الملف المالى للغنوشى والتحقيق فى حساباته البنكية، إذ اقترح الموقعون على العريضة تشكيل لجنة مستقلة، تتكون من منظمات وطنية، مثل الاتحاد التونسى للشُغل وعمادة المحامين ودائرة المحاسبات، واللجنة التونسية للتحاليل المالية التابعة للبنك المركزي، تكون مهمتها التدقيق فى الثروات المالية لمحترفى السياسة فى تونس، وعلى رأسهم راشد الغنوشى باعتباره زعيم أكبر الأحزاب فى البلاد ورئيس السلطة التشريعية، ومعرفة مصادر ثروته وثروة عائلته.. وأرجع الداعمون لهذه المبادرة تضخم ثروة الغنوشي، إلى تفشّى الفساد فى الدولة والمجتمع وكثرة التمويلات الأجنبية المشبوهة التى تفد إلى البلاد التونسية تحت ستار العمل الخيرى والجمعياتي، وتقاطع هذه التمويلات غالباً مع التنظيمات الإرهابية والأجندات السياسية المشبوهة.
ويرى محللون سياسيون أن (مظاهر الثراء الفاحش على رئيس حركة النهضة، فجّر شكوكاً وتساؤلات كثيرة حول مصادر هذه الثروة ومدى شرعيتها، لا سيما وأنه يترأس حزباً إسلامياً، تربطه علاقات مع دول خارجية داعمة له على غرار قطر وتركيا).. مؤكدين أن تلقى حزب النهضة تمويلات مشبوهة خلال الانتخابات المحلية، أثار شكوك التونسيين حول سبل كسب الحركة وزعمائها لثروات طائلة وجعل معاملاتهم المالية تدخل تحت طائلة جرائم الفساد، خاصة وأن الغنوشي لم يتقلد سابقاً مناصب عليا في الدولة ولا في مؤسسات كبرى، وهو المُدرّس الذي لا يمكنه توفير مكاسبه من وراء راتب لا يتجاوز السبعمائة دولار شهرياً.
ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺽ السياسي، في نظام زين العابدين بن علي، مراد النوري كتب ﻋﻠﻰ صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن (راشد الغنوشي هو زعيم الإخوانجية ﻓﺮﻉ ﺗﻮﻧﺲ، أو ما يُعرف عند التنظيم الدولي للإخوان بـ »إمارة تونس«.. ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻴﻦ ﻣﻤﺜﻠﻴﻦ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﻭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺮﻑ كل منهم ﺑـ »اﻟﻌﺎﻣﻞ«، مهمته فقط ﺟﻤﻊ ﺍلأﻣﻮﺍﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﻳﺪﻳﻦ، ﺗُﻘﺘﻄﻊ ﻣﻦ مرتباتهم ﺑﻨﺴﺒﺔ 5%.
يتم ﺟﻤﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻨﺪﻭﻕ ﻳُﺸﺮﻑ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺑﺼﻔﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻭﻳﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻪ ﺩﻭﻥ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ، لأننا ﻻ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺃﻣﻴﻨﺎً ﻟﻠﻤﺎﻝ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ، وكذلك ﻫﻮ رئيس التنظيم ﺍﻟﺴﺮﻱ، ﻭﻳﻤﺜﻞ ﺑﺼﻔﺘﻪ ﻫﺎﺗﻪ التنظيم ﻓﻲ تونس لدى التنظيم الدولي، ﻭﻫﻮ الذي يتلقى، نقداً بالدولار، ﺣﺼﺔ ﺍﻻﺧﻮﺍﻥ التونسيين ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﻳﺘﺴﻠﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، والمفروض أن يعيد ﺍﻟﻐﻨﻮﺷﻲ ﺗﻮﺯﻳﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ فقراء التنظيم، ﻭﻗﺒﻞ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺋﻼﺕ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﻴﻦ والطلبة ﺍﻟﻤﻐﺘﺮﺑﻴﻦ، ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺎﺗﻪ ﺍلأﻣﻮﺍﻝ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ ﻟﻤﺴﺘﺤﻘﻴﻬﺎ ﻣﺪﺓ ﺭﺑﻊ ﻗﺮﻥ، ﻭﻭﻗﻊ ﺗﺒﺪﻳﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺍﻟﻐﻨﻮﺷﻲ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻭﺻﺮﻓﻬﺎ ﻓﻲ شراء الذمم ﻭﺍلإغدﺍﻕ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﻟﻴﻦ، ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﺼﺤﻔﻴﻴﻦ الممالئين، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺻُﺮﻓﺖ ﻓﻲ إنشاء ﺷﺮﻛﺎﺕ ﺑﺎﻟﺨﺎﺭﺝ، ﻋﺎﺩﺓ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﺗﻔﻠﻴﺴﻬﺎ ﻗﺼﺪﺍً ﻭﺳﺮﻗﺔ رؤوس أﻣﻮﺍﻟﻬا.. وﺍﻟﻐﻨﻮﺷﻲ ﺷﺨﺼﻴﺎً ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻢ ﺍلأﻭﻝ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺎﺗﻪ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻳﺨﺘﺎﺭ الشركاء ﻣﻦ ﺑﻴﻦ أﻧﺎﺱ ﻻ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﻼﻗﺔ).
إلا أن أغرب ما نقرأه، هو كشف النوري لعلاقة الغنوشي بزين العابدين بن علي، إذ يقول (إن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي تآمر على تونس مع الرئيس السابق ابن علي.. والعلاقة بين ابن علي والغنوشي ليست كما هو متداول، من أنه زعيم الحركة المعارض، بل بالعكس، فقد كانا أصدقاء، والدليل على ذلك أن الغنوشي لم يكن مسجوناً في عهده، بل كان معززاً مكرماً، وكان ابن علي هو الوحيد الذي يتصل به ويأتيه بكل ما يطلب.. ولما أطاح ابن علي ببورقيبة، استدعى الغنوشي للقصر وأعطاه جواز سفره لمغادرة تونس دون مشاكل، بعد أن باع رفاقه من المجموعة الأمنية الثانية الذين كانوا خططوا للانقلاب على بورقيبة).. وهنا نذكر أن الغنوشي واجه حكم الاعدام في عهد بورقيبة وتم اطلاق سراحه بأمر من زين العابدين بن علي، وقد شكر الغنوشي ابن علي في كلمته الشهيرة أثناء حواره الصحفي مع جريدة »الصباح« الذي قال فيها: (ربي من فوق وبن علي من لوطى)، أي من تحت!.
عريضة التونسيين شملت أيضاً مطالب بالتدقيق والتحقيق فى مصادر تمويل شخصيات أخرى من حركة النهضة مثل نورالدين البحيرى ومحمد بن سالم وﻧﺠﻞ ﺍﻟﻐﻨﻮﺷﻲ وﺑﻨﺎﺗﻪ وأصهاره.
وأشارت إلى أن الشبهات التي حامت حول إمكانية تلاعب صهره رفيق عبد السلام، عندما كان على رأس وزارة الخارجية، بهبة منحتها الصين لتونس وتحويلها إلى حسابه البنكي الخاص، قد فاقمت فقدان الثقة في الغنوشي وعائلته والمقربين منه، وما زاد الطين بلة هو ما ورد في نص استقالة رئيس مكتب الغنوشي، زبير الشهودي من منصبه، عندما أقسم بكونه لم يتورط في أي شبهات مالية، ولم يتلّق أي رشوة طيلة فترة انتمائه للنهضة، وهو ما أوحى للكثيرين بوجود شبهة فساد مالي داخل النهضة، واستحواذ الغنوشي وبعض الشخصيات المقربة منه على الموارد المالية للحركة وطريقة صرفها.. على خلفية أنه، ومنذ انتخابات 2011، تلاحق حركة النهضة شبهات كبيرة حول تلقيها أموالاً طائلة من الخارج، وبالأخص من دولتي تركيا وقطر، وهو أمر يتعارض مع القانون التونسي الذي يمنع تلقي الأموال الخارجية ويجبر الأحزاب والجمعيات على كشف حساباتها المالية ومصادر تمويلها، كما يحيط الغموض بمصدر ثروات قيادييها الكبار وطرق الحصول عليها وهويّة الجهة المانحة.
ومازال الغنوشي يواجه الموجة العاصفة، من التيارات السياسية التونسية، بغية عزله من رئاسة البرلمان، وإدراج جماعته على قائمة الإرهاب، وهي عاصفة يشتد أوارها يوماً بعد يوم، وربما تُسفر عن شمس جديدة على البلد الخضراء، لا يكون فيها للإخوان دور في الحياة السياسية التي أفسدوها، حتى الآن، خاصة وأن بدأ المشهد السياسي بدأ يتبدل ضد حركة النهضة، وأن المشهد المستقبلي في تونس يجب أن يبنى دون مشاركة جماعة النهضة الإرهابية.. حفظ الله مصر وسائر بلادنا.. آمين.