جنوب أفريقيا.. بؤرة كورونا الجديدة في القارة السمراء
يزداد المشهد في جنوب أفريقيا قتامة يوما تلو الآخر مع التزايد المستمر لأعداد الإصابات بوباء كورونا حتى أصبحت البلاد تحتل المرتبة الخامسة في قائمة الدول الأكثر تضررا من الفيروس بعد كل من الولايات المتحدة والبرازيل والهند وروسيا.
وتجاوز إجمالي حالات الإصابة بالفيروس في جنوب أفريقيا حاجز الـ 350 ألف حالة من بينها نحو خمسة آلاف حالة وفاة، بنسبة وفيات بلغت 1،4%.. كما أفاد التقرير اليومي لمنظمة الصحة العالمية أن جنوب أفريقيا من أبرز الدول على مستوى العالم التي سجلت مؤخرا زيادة قياسية في أعداد الإصابات اليومية، وأصبحت تضم ما يقرب من نصف عدد الحالات في القارة الأفريقية، مع توقعات بأن تصل أعداد الوفيات حتى نهاية العام الجاري إلى ما بين 40 و50 ألف حالة.
يأتي ذلك على الرغم من أن جنوب أفريقيا كانت من أكثر الدول التي سارعت في فرض إجراءات العزل العام منذ البداية لمنع انتشار العدوى، حيث فرضت البلاد منذ 28 مارس الماضي إجراءات عزل صارمة وقامت بنشر الجيش في الشوارع لضمان تنفيذ هذه الإجراءات.
ومع التخفيف التدريجي للقيود الشهر الماضي في محاولة لإنعاش الاقتصاد، بدأت أعداد الإصابات اليومية تسجل ارتفاعا بالالاف حتى أصبحت من أعلى معدلات الزيادة اليومية في الإصابات على مستوى العالم، مما اضطر رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامابوسا، أن يعلن الأسبوع الماضي إعادة فرض حظر على بيع الخمور وحظر تجول ليلي في محاولة للحد من معدلات الإصابة المرتفعة وتقليل الضغط على المستشفيات في ظل الانتشار المتصاعد للفيروس في البلاد.
ويؤكد خبراء في قطاع الصحة أن العدد الرسمي للوفيات المرتبطة بكورونا في جنوب أفريقيا لا يعكس الحجم الحقيقي للأزمة، حيث سجلت المقاطعات، التي تضررت بشدة من تفشي المرض، طفرة في عدد الوفيات. وتعد مقاطعة كيب الغربية من أكثر المقاطعات إصابة بالفيروس على مستوى البلاد، ومن بعدها مقاطعة جاوتينج التي تضم أكبر مدن البلاد جوهانسبورغ، والعاصمة بريتوريا، وقد سجلتا زيادة حادة في حالات الإصابة والوفيات.
كما نشرت السلطات في جنوب أفريقيا عشرات العناصر الطبية العسكرية للمساعدة في مكافحة وباء كورونا في "كيب الشرقية" التي تعد ثالث المقاطعات الأعلى فقرا في البلاد والأكثر تضررا من العدوى، وذلك لدعم الأجهزة الصحية التي تعاني ضغطا متزايدا.
وكغيرها من الدول، ألحقت جائحة كورونا أضرارا بالغة باقتصاد جنوب أفريقيا نتيجة فرض إجراءات العزل لعدة أشهر وهو ما أثر سلبا على النشاط الاقتصادي في البلاد، وأدى إلى فقد نحو 3 ملايين شخص لعملهم منذ بدء إجراءات العزل.
والواقع أن اقتصاد جنوب أفريقيا كان يعاني قبل بدء أزمة كورونا من عدة مؤشرات سلبية من بينها ارتفاع معدلات البطالة التي بلغت نسبتها في الربع الأول من عام 2020 حوالي 30%، وأوضحت دراسة حديثة أن واحدا من كل ثلاثة من أصحاب الدخول في فبراير فقد وظيفته بحلول أبريل الماضي، وتم تسريح نصف هؤلاء الأشخاص بشكل دائم. وهنا يبدي المراقبون قلقهم من أن إعادة فرض إجراءات الحظر من جديد قد تؤدي إلى تبني إجراءات أكثر صرامة قد تقود إلى تسريح مزيد من العمال وفقدهم لوظائفهم.
إضافة لذلك، يعاني الاقتصاد الجنوب أفريقي من حالة ركود بعد ربعين متتاليين من النمو السلبي في 2019، وذلك في ثاني ركود في أقل من عامين.
وبات لافتا أن بنوك جنوب أفريقيا شهدت تراجعا ملحوظا في نشاطها خلال الشهور الماضية مع توقع تراجع أرباحها خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 20% على الأقل، بعد أن ألقت إجراءات مواجهة الوباء بظلالها على الأوضاع المالية للعملاء بشكل عام. في هذا السياق، قررت البنوك في جنوب أفريقيا منح عملائها تسهيلات لمساعدتهم في الحصول على السيولة المالية التي يحتاجون إليها، بما في ذلك منحهم قروضا عاجلة.
وتتوقع السلطات الاقتصادية أن ينكمش اقتصاد البلاد خلال العام الجاري بنسبة تزيد على 7% من إجمالي الناتج المحلي في أضخم انكماش منذ 90 عاما.
إضافة لذلك تشهد جنوب افريقيا موجات من الهجرة الجماعية من المدن إلى المناطق الريفية. فمنذ نهاية مارس الماضي حتى أواخر مايو، قام حوالي 15% من مواطني جنوب أفريقيا ( 5 إلى 6 ملايين) بتغيير أماكن إقامتهم حيث عاد الكثير من المهاجرين إلى قراهم الأصلية وهو ما شكل ضغطا على الأمن الغذائي وعلى الدخل الذي تقوم أسرهم بتوفيره. في هذا السياق أوضح استطلاع للرأي أجرى حديثا أن 47% من المستطلعة أراؤهم في جنوب أفريقيا يعانون من عدم قدرتهم على الحصول على غذاء كاف في ابريل الماضي.
في ضوء المشهد السابق يبدو جليا أن جنوب أفريقيا أصبحت تشكل مؤخرا بؤرة جديدة لوباء كورونا في القارة السمراء. ورغم امتلاكها لنظام صحي جيد، إلا أن التزايد المستمر في الأعداد فاق القدرة الاستيعابية لمختلف التجهيزات والأطقم الطبية اللازمة وهو ما يضع البلاد أمام مأزق خطير.
ويتوقع المراقبون أنه في حالة استمرار زيادات الإصابات بنفس المعدل فإن الأوضاع ستزداد تفاقما على كافة الأصعدة وهو ما سيلقي بظلاله على اقتصاد البلاد الذي على الأرجح سيشهد صدمة تاريخية غير مسبوقة لاسيما مع استمرار القيود المفروضة نتيجة تفشي الوباء.