تحية كاريوكا تسبق هوليوود في تقديم «Toy Story»
تعتبر الأفلام السينمائية وثيقة بصرية٬ توثق وترصد للمجتمع وتعكس ثقافته وعاداته وتقاليده٬ بل تصل لحد أن توثق التغيرات المكانية والزمانية التي لحقت ببلد أو مكان ما٬ وتوثق أيضا الحراك اللغوي في تلك المجتمعات٬ فعلى سبيل المثال لا الحصر٬ أفلام الأبيض والأسود المصرية٬ خاصة تلك التي أنتجت مطلع القرن الماضي٬ بعض الأجيال الشابة تختلط عليهم معاني بعض تلك الألفاظ التي يسمعونها في هذه الأفلام٬ نظرا لأنها صارت ألفاظ أو عبارات مهجورة لم يعد يستعملها أحد الآن: يومك سعيد٬ سعيدة يا هانم، بك٬ نينة٬وغيرها.
وتعد الأفلام السينمائية أيضا كوثيقة مصورة تأريخ اجتماعي ثقافي سياسي للحقب والمجتمعات التي تتناولها٬ مواز للتاريخ الرسمي وإن كان يرصد لأفراد المجتمع العاديين بعيدا عن الزعماء والملوك والرؤساء، ومن هذه الأفلام فيلم "عروسة المولد" والذي قدمه المخرج عباس كامل عام 1954 حيث كتب قصته والسيناريو والحوار٬ وقام ببطولته تحية كاريوكا٬ محمود شكوكو٬ محمود المليجي٬ سعاد مكاوي٬ فؤاد شفيق٬ نيللي مظلوم٬ محمد أحمد المصري (أبو لمعة)٬ فؤاد راتب (الخواجة بيجو).
و وثق الفيلم ورصد صناعة حلوي المولد النبوي٬ حيث يدور الربع الأول منه داخل أحد مصانع أو معامل إنتاج هذه الحلوى٬ وطريقة صنعها٬ من أول تحضير القوالب الخشب التي تصب فيها الحلوى من عرائس وأحصنة وفرسان يعتلونها٬ أو شكل السفينة التي يزداد إقبال الأطفال من الذكور عكس الإناث عليها.
مرورا بالأوعية الكبيرة التي يمتزج فيها السكر بمكونات أخرى حتى يذوب تماما تمهيدا لصبه في القوالب الخشبية حتي يجف ومن ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي مرحلة تزيين تلك الألعاب المصنوعة من السكر بالأوراق الملونة وغيرها حتي تصل إلينا كمستهلكين في أشكالها الزاهية المحببة للنفس سواء الكبار أو الصغار.
ــ تحية كاريوكا تسبق هوليود
رغم أن السينما المصرية في العديد من أفلامها اقتبست قصص أفلام أجنبية٬ أو مصرت أفلام عالمية أخرى٬ أو حتى اقتبست أفكار أفلام وقدمتها بنكهة مصرية٬ إلا أن السينما المصرية سبقت هوليود في "أنسنة" الجمادات وتحويلها لأبطال تلك الأفلام، ومنها فيلم "عروسة المولد" والذي افتتحه مخرجه عباس كامل باستعراض غنائي في أحد مصانع حلوى مولد النبي. حيث البطلين شكوكو وسعاد مكاوي ابنة صاحب المصنع تجمعها قصة حب بشكوكو٬ يصنعان عروسة وفارس علي حصانه.
كان صاحب المصنع قد صب الفارس والعروس الحلوى خصيصا لأحد زبائنه٬ لكنه يرفض أن يشتري الفارس مما يعني افتراقهما٬ فيرفض صاحب المصنع بيع العروسة٬ رغم الإغراءات التي يقدمها المشتري للعروسة٬ فستعيش في مكان جميل مضيء به موسيقى وغناء بدلا من الرف البائس الموضوعة عليه.
في مخزن المصنع يدور الحوار بين العروسة بصوت (تحية كاريوكا) وفارسها بصوت عبد العزيز محمود٬ ومضمون الحوار أن العروسة ترغب في تجربة حياة الرغد والثراء بعيدا عن هذا المكان الفقير، حتى ولو ابتعدت عن فارسها وتهرب العروسة لتذهب للملهي الذي يملكه ويديره إدريس أو إبليس الذي أراد شرائها، وهنا تتحول عروسة المولد لإمرأة من لحم ودم وهي تحية كاريوكا.
ولأن العروسة لا تعرف عن شر العالم والحياة٬ يستغلها إبليس في أعمال الشر والنصب حتى أنه يطلب منها قتل أحد الأثرياء لترثه زوجته وابنه المرتبط بهما إبليس وصديقته الراقصة (لاتانيا)، وعندما ترفض أعمال الشر والنصب هذه يهددها إبليس طوال الوقت بــ"النمل الفارسي" وهو يحمله في علبة يبتزها بها٬ فإما أن تطاوعه في أعماله الإجرامية أو أن يطلق عليها النمل ليأكلها.
تتابع الأحداث فتجد العروسة نفسها متهمة بالقتل وعندما تخبر المحقق بأنها عروسة حلاوة وأن أبليس هو من هددها بالنمل وإلا قتل الثري٬ فيشك المحقق في قواها العقلية فيتم تحويلها لمستشفى الأمراض العقلية والتي تتمكن من الهروب منها وترجع مرة أخرى لمصنع الحلوى حيث حياتها الأولي الأصلية٬ تلك الحياة الخالية من الشر إلا أنها ترى أنها أخطأت وعليها التكفير عن ذنوبها فتختار أن تلقي بنفسها في الوعاء الكبير حيث يذاب السكر الذي تصنع منه عروسة المولد.
فكرة الفيلم وقصته غير المطروقة أو المعتادة في هذا الوقت٬ سبق مؤلفها عباس كامل هوليوود وتحديدا شركة والت ديزني والتي قدمت فيلم " Toy Story" عام 1995 وتتابعت أجزائه، الفيلم يحكي قصة إحدى الألعاب التي تعتقد أنها حقيقية وليست لعبة.،فقد نجح المخرج في تحريك عروسة المولد في عدة مشاهد قبل أن تتحول لشخصية تحية كاريوكا الحقيقية بأدوات ذلك الزمن التي تعتبر بدائية مقارنة بالتقنيات الحديثة التي تستخدمها هوليود في إخراج وتصميم مثل تلك الأفلام.