رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل نعيش تحت رحمة القدر أم فى معية خالق البشر؟


تنشغل الغالبية منا بما يصنعه القدر بنا حتى تغلبت ثقافتنا القدرية على قدراتنا البشرية، وأصبحت لغتنا اليومية هى: «هذا هو قدرنا الذى ليس منه مفر»، وبرزت الحكمة التى تقول «الإنسان وقدره» و«المكتوب»، و«ما باليد حيلة» إلى آخر هذه الأقوال الباعثة على اليأس والتسليم، وعليه التصق القدر بأذهان الغالبية، وشل حركة معظم البشر.
والحكمة الواعية تقول عكس ذلك، فالإنسان الذى لا ينتزع نفسه من قيد القدر يعيش فى جمود يُعيقه عن مواكبة التاريخ، بل يعيش ما قبل التاريخ، وهو لا يتخيل أن لديه القدرة على التغيير والتأثير على حركة التاريخ، فنهجه هو الاستسلام لأحداث تدور حوله، بعضها يقع عليه بسبب جهل فاعليها أو لطمع أو لعجز عن التصرف السليم قد يكون ناتجًا عن ضعف أو غطرسة.
والحكمة دائمًا تكون مع من ارتبط فكره وفعله بالوعى والعلوم والمعرفة والتطبيق الصحيح، وليس الاستسلام خلف ستار القدر، كما حاول الإنسان الأول «آدم» الذى عندما أخطأ اختبأ خلف قدره، فى حين أنه فى الحقيقة كان مخالفًا الوصية، فقال الخالق «كلى العلم والمعرفة» عندما وجه السؤال إلى آدم: أين أنت؟.. فكان وقتها آدم متواريًا فى خزى، فبادر آدم مسرعًا فى محاولة منه لإلقاء التهمة على الآخر، وسأل الله، علام الغيوب، المرأة «حواء» أُم كل حى، ما الذى فعلتِ، وأوقفها بجانب زوجها فى كامل المسئولية أمام الخطأ الواحد الذى اشتركا فيه معًا.
ويتكرر المشهد عندما يسأل الخالق قابيل أو قايين: أين هابيل أخوك فيكون رده السلبى الهروبى: «وهل أنا حارس لأخى؟».. والحقيقة هى أنه كان لزامًا عليه أن يكون حارسًا لأخيه بالفعل، لا قاتلًا له، ولا شك أن ذات الأسئلة تتردد فى بقاع الدنيا:
أين أخوك وأين أختك، سواء إخوة المولد من نفس الأبوين، أو إخوة فى الموطن، أو إخوة فى الإنسانية رغم تعددية اللون واللغة والانتماء العقيدى أو التجاور السكانى؟.
وتتكرر الردود الخاطئة أو الادعاءات الكاذبة، بأن ما حدث كان من القدر، فليس إذن الخطأ خطأنا، كما أننا لسنا إخوة، فاللغة لا تجمعنا والجنس لا يربطنا والعقيدة لا توافقنا، وليس لزامًا علينا نحو هؤلاء إلا أن نقاتلهم لا أن نحميهم، أو حتى نتركهم لشأنهم، فهكذا علمنا الأقدمون وعلى منوالهم نسير، ولا خيار لأحد فيما يتبعون أو يقترفون، ناسين أن هناك ديّانًا لكل من فى الأرض فاحص كل قلب من قلوب البشر، يعرف نياتنا وما نفكر فيه قبل أن نفعله، ويعرف أيضًا أن لنا إرادة واختيارًا.
أما الخطأ الآخر الذى يقع فيه الإنسان فهو عدم الإدراك أن الخالق يفتح الطريق أمامنا ويوجهنا للسير فيه، فحياتنا هى منه، ولا راحة لنا إلا فى معيته وسماع وفهم كلمته وطاعة أمره.
أما التساؤل الآخر فهو: ماذا عن التنجيم وقراءة المستقبل من خلال الكواكب التى تحتل مركزًا مهمًا فى حياة كثيرين من خليقته البشرية، وكأننا نعيش عصر البداوة حين كان التنجيم أشبه بالصناعة، له رواده وسوقه الرائجة الواسعة، فكان هناك من يقرأ الكف، ومن يعرف ما فى فنجان القهوة أو الشاى بعد أن يشرب ما فى تلك الكأس، فيفحص ما تبقى منه يقرأه القارئ لمن تجرعه، حتى صارت قراءة الكف والفنجان وتفسير الرؤى والأحلام مدارس لها معلموها ويسعى إليها طالبوها سواء بالكف أو بالفنجان أو عشرات السبل والوسائل الأخرى، وحتى أصبحت تجارة ضخمة تُقدّر مدخولاتها بعشرات المليارات من العملات الدولية تدخل جيوب دجالين وسحرة ومنجمين، حتى إن الفلكيين العلماء غير المشعوذين هم أول من نقضوا الطالع الذى يربطونه بالنجوم.
أما عن حقيقة الكواكب فهى ذات حركة فى غاية الانتظام، والتناغم الأشبه بالسلم الموسيقى، شديدة الدقة حتى يمكن تحديد وقت كسوف الشمس أو خسوف القمر بدرجة متناهية من الدقة، وماذا سيكون وضعهما من كسوف أو خسوف بعد عدة قرون فى المستقبل بالثانية أو ببعض منها فى برمجة دقيقة واعية ومذهلة.
وعليه فإننا إذا دققنا جيدًا فى هذا الأمر سنصل إلى نتيجة مؤكدة، وهى أنه ليس من الحكمة أن نسمح لقراءات الطالع أن تتحكم فى الإنسان، فتقيد حريته على حسب ما تبين النجوم، أو كما يريد الدجالون، فلا برج جدى ولا سرطان، ولا أسد أو ميزان، ولا جوزاء أو عذراء، فحتى لو بلغت النجوم ما بلغت فلا ندعها تكون للإنسان عثرة، وإن كان للنجوم بريقها فهو بنور خالقها الذى وضعها فى الأفق بهجة للإنسان ناظرها، وليس لقراءة مستقبل غير مؤكد، والحكمة الربانية تعلمنا أن المسلك الأوحد الصحيح هو التطلع إلى الخالق الأعظم الذى وهب خليقته من البشر عقلًا يفكر وعينًا تبصر وإرادة تفعل، وقدرة على الاختيار يضعها فى حدود القوانين المرعية، ونعمة المعطى الخالق الأزلى الأبدى، فثقتنا فى خالق لا يغفل أو ينام، بل هو ساهر يدير الكون فى حكمة تفوق العقول وبها ترتوى النفوس.