رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوباء التركى ضرب لبنان


تسعة ملايين دولار أمريكى، ضبطتها السلطات اللبنانية، منذ أيام، مع أتراك فى مطار بيروت، كان من المفترض أن يتسلمها سوريون. و«لا ندرى هل هذه الأموال للتلاعب بالدولار، أم لتغذية تحركات عنيفة»، بحسب محمد فهمى، وزير الداخلية اللبنانى، الذى أشار، أيضًا، إلى رصد «تعليمات تصل من تركيا عبر تطبيق «واتساب» لبعض أطراف الحراك الشعبى».
تحت عنوان «تركيا أخطر من الوباء»، أوضحنا، فى ٨ أبريل الماضى، أن أردوغان أكثر خطورة من «كورونا المستجد»، على الأتراك، قبل غيرهم. وأشرنا إلى أن الأزمة المزدوجة، الاقتصادية والصحية، التى تعانى منها تركيا أخرجت أسوأ ما فيها، وجعلتها تضيف عددًا جديدًا من الجرائم إلى سجلها الحافل، محليًا ودوليًا. وعليه، لم يكن غريبًا أن يرفع المتظاهرون الليبيون ضد الاحتلال التركى، الأحد الماضى، لافتات عليها عبارة «أردوغان أخطر من كورونا». وبقدر ما أسعدنا ذلك، ساءنا أن يتفشى هذا الوباء، الوباء التركى الأردوغانى، فى لبنان الشقيق.
الملايين التسعة وصلت إلى بيروت، على دفعتين، عبر طائرتين خاصتين قادمتين من تركيا. ولأن السلطات التركية تمنع إخراج الأموال النقدية، والعملة الصعبة تحديدًا، من أراضيها، وفى ظل تضارب المعلومات، وتضارب أقوال الأتراك والسوريين، الذين احتجزتهم السلطات اللبنانية، صدرت توجيهات غسان عويدات، النائب العام التمييزى، للأجهزة الأمنية بالتوسع فى التحقيقات، لمعرفة مصدر تلك الأموال و«وجهة استعمالها فى الداخل اللبنانى».
طبيعى ألا يفلت لبنان من الوباء التركى، أو من مخطط أردوغان التوسعى، الذى تفشى فى العديد من الدول العربية والإفريقية، من سوريا والعراق واليمن إلى الصومال وجيبوتى وصولًا إلى ليبيا وتونس، مستغلًا حدوث أى اضطرابات أو احتجاجات، لإيجاد موطئ قدم يحقق لتركيا طموحاتها الاستغلالية والاستيطانية. خاصة بعد أن صار لبنان شريكًا فى غاز شرق المتوسط. ومعروف أنه حيثما ظهر الغاز سال لعاب، أو «ريالة» الرئيس التركى، الذى صار معروفًا لدى كثيرين باسم «أردوغاز»، بعد أن خلع عليه زميلنا محمد المعتصم، هذا اللقب.
الأزمة المالية اللبنانية بلغت، منذ منتصف العام الماضى، مستوى غير مسبوق بسبب تباطؤ تدفقات رءوس الأموال وارتفاع التضخم مع تراجع قيمة الليرة واندلاع الاحتجاجات، التى أشعلتها الأزمة، فتكررت معضلة «البيضة والفرخة»: أيهما أنجبت الأخرى؟!. واللافت، هو أن الاحتجاجات عادت مجددًا، وجدّد المحتجون المطالب الاجتماعية والسياسية ونددوا بالأزمة الاقتصادية، إضافة إلى اتهامهم أصحاب البنوك ومكاتب الصرافة وحاكم مصرف لبنان بـ«إذلال الناس ورفع سعر الدولار لتحقيق أرباح غير مشروعة».
على خط الاحتجاجات، التى قلنا سابقًا إنها مشروعة، دخلت تركيا. وفى ٦ يونيو الماضى، ألقت وحدات الجيش اللبنانى القبض على ٤ أشخاص: سورى، فلسطينى وسودانيين، لقيامهم بأعمال شغب. ووقتها، حذرت تقارير لبنانية من تحركات تركية مشبوهة. كما قامت الأجهزة الأمنية، خلال الأسبوعين الماضيين، بإلقاء القبض على أكثر من عشرين شاركوا فى أعمال شغب، وسط بيروت، وذكرت مصادر متابعة للتحقيقات أن عددًا منهم اعترفوا بتلقى أموال من شخصيات لبنانية مقيمة فى إسطنبول. وهنا، تكون الإشارة مهمة إلى أن موقع «عربى برس» ذكر، فى نوفمبر ٢٠١٨، أن هناك شبكات خيرية، تعليمية، ودينية، فى لبنان، تديرها تركيا وتمولها قطر.
الموقع اللبنانى أوضح أن إحدى تلك الشبكات تضم ٨٠٠ شيخ سنى، ينتشرون فى كل أنحاء لبنان، ويقومون منذ سنة ٢٠١٠ بدعم تنظيمات قاعدية. وبحسب ما نشره الموقع، فإن تلك الشبكات تعمل بشكل قانونى باعتبارها جمعيات ومنظمات لبنانية، مع أن المنتمين إليها، والعاملين فيها وعليها، يحصلون على رواتبهم من الدوحة ويديرهم فريق تابع للمخابرات التركية، يشرف عليه ياسين أقطاى، مستشار الرئيس التركى.
تأسيسًا على ذلك، صارت ذكرى «المجازر الأرمينية» محل جدل، فى لبنان. وصار للعثمانيين عبيد يصفون أنفسهم بـ«تجمع الجمعيات اللبنانية التركية»، وصلت عبادتهم حد التشكيك فى وطنية زميلنا «نيشان» وطالبوا القضاء اللبنانى، «بالتحرك ومحاسبة هذا الشخص»، لمجرد أنه انتقد الرئيس التركى، الشهر الماضى، فى برنامجه على شاشة قناة «الجديد». بل إنهم هاجموا الرئيس اللبنانى ميشال عون، نفسه، حين قال «إن إرهاب الدولة الذى مارسه العثمانيون على اللبنانيين، أودى بمئات الآلاف من الضحايا»، خلال احتفاله بالذكرى المئوية لتأسيس بلاده.
غير عبيد الأتراك، العثمانيين، هناك أيضًا تيارات وأحزاب تتخذها دول أخرى مطايا، لبسط نفوذها، أو فرض سيطرتها على البلد الشقيق. وليس بعيدًا أن تكون تركيا قد عقدت صفقة مع إيران، بمباركة الولايات المتحدة وإسرائيل، لاقتسام مناطق النفوذ فى لبنان، سوريا، العراق، واليمن. ما يفرض على كل الدول العربية، الموجودة هى الأخرى ضمن المخطط، أن تتكاتف لمنع ثنائى أو رباعى الشر، من العبث بمصائر الدول الأربع، ولتحرير ليبيا، الصومال، جيبوتى، وقطر، من الاحتلال التركى، الإيرانى، الأمريكى، أو الإسرائيلى.