رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسرار العيش باسم الله «الفتاح» فى الحياة


من أسماء الله الحسنى اسم «الفتاح»، وهو الذى يملك مفاتيح الأبواب لكل شىء، هو الذى يذلل كل صعب عسير، هو الذى يقود الإنسان إلى ما فيه الخير، ويدله إلى ما فيه نفعه وصلاحه، لا شىء يستعصى عليه، إن فتح فبرحمة منه، وإن منع فلحكمة يراها، سبحانه كل شىء لديه بقدر.
اسم الله «الفتاح» له ثلاثة معانٍ:
- الذى بإرادته وقدرته يفتح كل مغلق فيكشف الكرب، ويزيل الغمة، ويرفع البلاء، ويكشف العسر.. لو أُغلقت الأبواب فى وجهك، لو الناس قالت لك: ليست هناك فائدة، لو أظلمت الدنيا، وخنقتك دموعك اذهب لـ«الفتاح»، إن استقر هذا المعنى فى قلبك وعرفت الله بهذا المعنى إذن أنت أقوى إنسان فى الوجود، اذهب وتذلل وابكِ واسجد بين يديه سيفتح لك إن شاء الله بقدرته. «مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (فاطر: ٢).. إذا فتح لك الأبواب فمَن الذى يقدر أن يغلقها؟ لو فتح لك باب رحمة لحل مشكلتك، فلن تملك قوى الأرض مجتمعة إغلاق باب فتحه الله لك.
مَن يمر بمشاكل عائلية، وصلت العلاقة بينه وبين زوجته إلى طريق مغلق، ولم يعد أمامهما إلا الطلاق، أو مَن تشهد علاقته مع إخوته مشاكل وخلافات، أو يعانى من مشكلة مادية صعبة، اذهب لـ«الفتاح».. تذلل.. اسجد له.. قل له: «يا فتاح»، ستجد كل عسير مذللًا، سهلًا، يسيرًا، كلما صعب عليك أمر، ولا تملك مفاتيح الحل له، اذهب إلى الله، وستجد لديه مفاتيح كل شىء.
- «الفتاح» هو الذى يفتح لك أبواب النجاح والتوفيق فى بداية الأمور.. ستفتح شركة، ستتزوج، ستُقبل على أمر جديد مغلق بالنسبة لك، ولا تعرف بعد نهايته، وأنت بحاجة لدفعة إلى الأمام وتريد النجاح والتوفيق، ماذا تفعل؟ انظر للآية ماذا تقول «وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ...» (الأنعام: ٥٩)، أتعرف أنه لو قال لك: «ومفاتح الغيب عنده» إذن من الممكن أن تكون عنده وعند غيره، ولكن التقديم فى الآية للقصر لا يعلمها إلا هو.
- يفتح بين المتخاصمين بالحق.. «قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ» (سبأ: ٢٦)، «... رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ» (الأعراف: ٨٩)، عندما يشتد الصراع بينك وبين الناس وتُظلم، ويتم تشويه سمعتك وأنت برىء ويقال عليك: كذا وكذا وكذا، «الفتاح» يفصل بين المتخاصمين ويظهر الحق.. لو ظلمك أحدهم، لو كادوا لك، لو اتهموك، طالما على الحق لا تخف، لو قالوا فيك ما لم يحدث وصدّق الناس، فتوجه إلى «الفتاح» واسجد له.
أربع نقاط مهمة فى التعامل مع «الفتاح»:
- «الفتاح» يحبك أن تعمل بجد وبقوة حتى آخر لحظة؛ لأنك لا تعلم متى سيأتى الفتح، فيؤخر عليك الفتح ليختبر ثقتك به وإصرارك على العمل، تجد أُناسًا يدخلون رمضان يقولون: «بكينا ودعينا وعبدنا ولا نشعر بقلوبنا ولم نبكِ، نحن سيئون».. قد يؤخر الفتح لكى تظل مُصرًا وواثقًا أنه سيفتح لك لآخر لحظة.. قد يؤخر عنك الفتح؛ لتقف على الباب طويلًا، لتبقى بين يديه طويلًا، وربما تبكى فى آخر دقيقة قبل نهاية يوم ٣٠ رمضان.
حسان بن ثابت شاعر الرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول: ببابك لن أغادره ولن أسعى إلى غيرك.. سأنسج بالرضا ثوبى وأشرُف أننى عبدك.
- «الفتاح» يأتى بالفتح من حيث لا تدرى، وقد تظنه إغلاقًا وهو قمة الفتح، وهذا سيدنا يوسف سُجن ٩ سنين، وكان سِجْنه هذا قمة الفتح؛ لأنه لو لم يُسجن لما كان تعرف على ساقى الملك، الملك الذى شاهد الرؤيا، ولو كان خرج من السجن مبكرًا قبل رؤية الملك للرؤية هل كان سيكون عزيز مصر؟ لا بل لكان شخصًًا عاديًا فى المجتمع.. قد تكون حال الأمة الآن «فتح» ونحن لا نعلم. توجه المسلمون إلى مكة من أجل العمرة، فمُنِعوا من الدخول، فالنبى، صلى الله عليه وسلم، عرض الصلح، فاتفقوا على الصلح، لكن سيدنا عمر بن الخطاب كان يريد العمرة أو الحرب، وتنزل الآية «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا» (الفتح: ١) فيذهب سيدنا عمر إلى النبى ويقول: يا رسول الله أفتح هو؟ فقال: نعم يا عمر، فقال: يا رسول الله ألم تحدثنا أننا سنعتمر؟ قال: نعم يا عمر سنعتمر، فقال: فلم نعتمر يا رسول الله؟، قال: أحدثتكم أنه هذا العام يا عمر؟ فقال: لا، فقال: إذن هو فتح.. وكان ذلك فتحًا حقًا، فقد بلغ عدد المسلمين الذين أسلموا فى السنتين بعد صلح الحديبية مساويًا لأعداد المسلمين الذين أسلموا من بداية دعوة النبى وحتى صلح الحديبية.
- «الفتاح» يفتح بأهون الأشياء.. بكلمة، بدمعة، بآية، بلحظة.. تقرأ آية ١٠٠ مرة وفجأة تسمعها فيفتح عليك بمعنى ربما لم تفكر فيه من قبل فى حياتك، يُغيّر شكل حياتك.
- إذا فتح لا يفتح فتحًا عاديًا بل فتحًا مبينًا؛ لأنه لو فتح فتحًا عاديًا وأنت كنت متوقعًا أن يحدث هذا ستسأل أين الفتح، أنا كنت أتوقع هذا؟، إذا جاء الفتح يجب أن يكون فوق قدرتك على التخيل والتصور «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا» (الفتح: ١).
السيدة هاجر كانت تسعى بين الصفا والمروة وتبذل مجهودًا لآخر لحظة، ما هو أقصى فتح تتمناه؟ أن يشرب إسماعيل، ولكن يجىء الفتح وهو ليس عاديًا بل ممتدًا إلى يوم القيامة تقديرًا للجهد الذى بذلته.. فإلى يوم القيامة يشرب الناس من تحت أرجل ابنك يا هاجر.
«الفتاح» معك فى الدنيا وأيضًا بعد الموت: فى القبر حينما يسألك الملكين بشدة وأنت خائف ومؤمن وكنت على حق: مَن ربك؟.. ربى الله.. ما دينك؟.. ماذا تقول فى الرجل الذى بُعث فيك؟.. هو محمد، صلى الله عليه وسلم.. فينادى منادٍ من السماء: صدق عبدى فافرشوا له قبره من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة.. فيفتح لك باب إلى الجنة، فيظل العبد ينادى: يا رب أقم الساعة.. يا ربِ أقم الساعة.. يا رب أقم الساعة حتى ألقى أهلى وولدى فى الجنة.
اسم «الفتاح» يفتح لك منزلة اليقين فى الله فتبذل جهدك وتدعو وتنتظر الفتح من الله.. تخيل لو عشت بهذا الاسم.. كأنك تراه من كثرة تعلقك وإحساسك بهذا الاسم.. تعبد الله به كأنك تراه.. والذكر مع الفكر هما ركنا معرفة الله بحق.. فالطريق إلى الله محصور بين الذكر والفكر.. دور الذكر والفكر بناء أرشيف العقل الباطن عن الله بأسمائه الحسنى وصفاته.. الذكر تذوق لأسماء الله الحسنى، والفكر فهم وإحساس بأسماء الله الحسنى.. كلاهما يحدث تحلية وتخلية.. تبديلات وتحسينات فى نفسك.. أخلاقك. عن أبى هريرة، رضى الله عنه، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها فى درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «ذكر الله عز وجل».