رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وَنس الوِحدة.. أول مطعم لضيف واحد في العالم بسبب كورونا (فيديو)

وَنس الوِحدة
وَنس الوِحدة

الهروب عن هذا العالم وضجيجه واقتناص فرصة للابتعاد عن البشر أصبحت فكرة تراود الكثير منا يوميًا، لاسيما مع الشخص الذي يجد نفسه مهمومًا بتفاصيل الحياة وأحداثها التي لا تتوقف بل تزداد وتيرتها سرعةً وتعقيدًا يومًا بعد يوم، إذ بات أمر العزلة عن الجميع والبحث عن مكان سحيق لا يعلمه أحد مرغوب لدى الكثير، من أجل إعطاء النفس هدنة من صخب هذه الحياة.

ومع بدايات العام الجاري تجلت سخرية القدر، إذ تحولت الرغبة في اعتزال الناس إلى أمرًا إجباريًا يحتم على الجميع تطبيق التباعد الاجتماعي، ولكن بشكل إلزامي مجرد من أية رفاهية أو حرية، وذلك تنفيذًا لقرارات سيادية من قبل الحكومات، من أجل الحفاظ على حياة الشعوب نظرًا لتفشي جائحة "كوفيد 19" في بلدان العالم.
على بعد آلاف الأميال من مصر وتحديدًا في دولة السويد، قرر رجل وزوجته يعيشان في وسط غرب السويد بمقاطعة فارملاند، ألا يقفا مكتوفي الأيدي بعد تطبيق الحظر الشامل، الأمر الذي أدى إلى توقف عملهم نتيجة تعطيل كافة الأعمال والوظائف جراء تفشي الوباء المستجد.

فكرا الزوجين راسموس بيرسون وليندا كارلسون، بإيجابية في كيفية التغلب على هذه الظروف بأقل الإمكانيات، وبالفعل لم تكلفهم كثيرًا فكرة عمل مطعم بحديقة منزلهم في قرية "رانسياتر"، يستقبلان فيه كل يوم ضيف واحد فقط تطبيقًا للتباعد الجسدي، مستغلين بذلك قريتهم التي تقع سط الغابات وتتميز بالهدوء والوسع والطبيعة.

صورة تبدو وكأنها مرسومة للوهلة الأولى، تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي لترابيزة واحدة فقط تحيط بها الأنهار والأشجار من كل اتجاه، ولكن مرفق مع الصورة تعريف بأنها مطعم لأسرة سويدية، تتبعت "الدستور" تلك الصورة فيما استغرقت مهمة الوصول لأصحاب المطعم نحو أسابيع، لاسيما وأن أصحاب المطعم يعيشون في قرية صغيرة وسط الغابات تقع بدولة السويد.

يروي راسموس بيرسون، صاحب مطعم الترابيزة الواحدة، لـ "الدستور"، أن أبوي زوجته ليندا كارلسون قد قررا قضاء إحدى العطلات الأسبوعية معهما في قريتهما الصغيرة التي لم يسكنها سوى ألفي شخص تقريبًا، وحينها كان قد بدأ فيروس كورونا في التفشي، ورفض راسموس وزوجته أن يتركا أبويها يرحلا وطلبا منهما البقاء إلى أن تستقر الأوضاع.

"كانا يفضلان الجلوس في حديقة منزلنا كثيرًا".. يقولها راسموس عن أبوي زوجته أثناء زيارتهما، إذ كان يعد لهما الطعام والشراب، ويرسلا إليهما في الحديقة بواسطة "بوكس" مربوط بحبل يصل بين مطبخ المنزل والحديقة أي مكان جلوس أبوي ليندا؛ حرصًا على تطبيق التباعد الجسدي بين أفراد الأسرة، ومن هنا جاءت فكرة لتنفيذ مطعم آمن في ظل هذه الظروف لشخص واحد فقط.

"إذا كنت فقدت عزيز عليك، أو فقدت عملك، أو حتى فقدت عقلك.. فمرحبًا بك هنا لقضاء يومًا كاملًا في هذا "البراح" تستعيد فيه قواك ثانيةً".. هذا هو شعار المطعم بحسب راسموس، الذي يؤمن بأن أصعب مهمة يمكن أن يخوضها الإنسان هي البحث عن مكان بعيد لا يوجد فيه أحد، وما إن وجدت المكان المناسب تنتقل الصعوبة إلى قرار تنفيذ تلك المهمة وقضاء بعض الوقت وحدك وبمفردك.

أوضح راسموس أن مشروعه الصغير هو وزوجته حقق نجاحًا غير مسبوقًا، ولم يتوقعا إطلاقًا كل هذا الانتشار، حتى أنه قد تم حجز شهر الصيف كاملًا بعد إطلاق المطعم بأسبوعين فقط، مشيرًا إلى أن تأكيد حجز المطعم يتم من خلال التواصل مع الضيف عن طريق الانترنت.

"الحرية هي شعار مطعمنا أنا وزوجتي ليندا، لذا لم نطلب من أي ضيف بمطعمنا مقابل مادي لقضاء بعض الوقت وتناول الطعام، وإنما نترك له الحرية الكاملة في تقدير ذلك وترك ما يريده من مال؛ لأننا بالأساس لم يكن هدفنا المال كنا نحاول التخفيف عن البعض في ظل هذه الظروف التي يمر بها العالم، كما أنه لا يمكن يتحقق ربحًا ماديًا بواسطة مطعم من ترابيزة واحدة".

راسموس هو طباخ ماهر ومحترف إذ تعلم الطبخ منذ نحو 7 أو 8 سنوات في مدرسة متخصصة في طهي الطعام بمدينة جوتنبرج، ثاني أكبر مدن السويد، وتعلم أكلات المطبخ السويدي، كذا تعلم أصول إعداد الطعام الأسباني بعدما اشتغل بإحدى الأماكن في مدينة برشلونة بأسبانيا، ولكن تعتبر المرة الأولى له في تأسيس مطعم خاص به يحاول أن يقدم فيه "توليفة" من الأكلات التي لها ذكرى جميلة معه على مر حياته.


بحسب راسموس فإن فكرة المطعم مستوحاه نتيجة وباء "كوفيد 19"، لذا أهم ما يكترث له هو إجراءات الوقاية التي تتضمن تطهير أدوات الطعام قبل وبعد استخدامها من قبل الضيف، أما عن الطعام فهو معظمه من مزرعتهم الخاصة وأيضًا يتم غسيله جيدًا، معلقًا: "لا يوجد طاقم عمل لدينا، فأنا أقوم بإعداد الوجبات الثلاثة بمفردي، ومن ثم توصيلها للضيف عن طريق شباك المطبخ بواسطة الصندوق المعلق بالحبل، ويخدم الضيف نفسه بنفسه إلى أن يقرر المغادرة، ويترك لنا الأطباق في نفس الصندوق ومن ثم نسحبه لأعلى إلى المطبخ".

"طفلتنا آلبا ذات الأربعة أعوام هي الداعم الأكبر لنا" بحسب حديث راسموس وزوجته ليندا، اللذان لم يتخيلا مدى صعوبة إدارة مطعم حتى ولو كان يخدمان شخص واحد فقط، لاسيما في مثل هذا الوقت الحرج التي تمر به البلاد؛ مرجعًأ أسبابه أنه لولا الوباء لكان هناك أصدقاء وأقارب كثر له ولزوجته يقدموا لهما كامل الدعم والعون، ولكن تخفف "آلبا" من وطأة الشعور بضغط الظروف والعمل عليهما.

ضيوف المطعم: تجربة فريدة.. تحفز على التفكير بحرية كاملة بعيدًا عن أي ضغوط
وصف إريك هيلكفيست، تجاوز الخمسين من عمره، اليوم الذي قضاه في مطعم الفرد الواحد، بأنه أفضل لحظات حياته، مؤكدًا أن كل شئ كان جيدًا على الإطلاق، إذ أن الجو العام هناك يبعث في نفسك راحة واستقرار لا مثيل له.

يدعم "إريك"، أي شخص يفكر في الذهاب إلى مطعم الفرد الواحد؛ للاستمتاع بالطبيعة والنسيم الذي يداعب وجهك، أثناء تناول الوجبات الخفيفة التي يقدمها الشيف راسموس دون مقابل.

آنا آسبليند، من قاطني مدينة مالمو وهي ثالث أكبر مدينة بالسويد، تقول أنها حظيت بفرصة قضاء يومًا لدى مطعم راسموس وليندا، موضحة أنها كانت تجربة فريدة ومميزة أن تقطع مسافة طويلة، فقط من أجل أن تنعزل بضعة ساعات تقضيها وحدها.

أشارت آنا، إلى أن قرية رانسياتر التي يقع فيها المطعم، تتميز بالطبيعة الهادئة التي تجبرك على إطلاق العنان لنفسك وخيالك، بما يحفز العقل ويشجع الشخص على إعادة ترتيب أولوياته وأشياءه مرة أخرى بكامل إرادته الشخصية.