رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليبيا والأمن القومى المصرى


«إن تركيا لها حدود عاطفية وقلبية تتجاوز بكثير حدودها الحالية، منها مدن الموصل وكركوك والحسكة وحلب وحمص ومصراتة».. هذا ما قاله أردوغان فى إحدى خطبه منذ أيام. إنه حلم أردوغان وأطماعه التوسعية للمنطقة العربية، خاصة مناطق البترول فى العراق وسوريا وليبيا.
توغل أردوغان فى شمال سوريا واستولى على جزء من أراضيها لعمل منطقة آمنة حماية لنفسه من الأكراد وأيضًا من نفس المنطلق غزا شمال العراق بزعم حماية تركيا من حزب العمال الكردستانى، وطالب بعمل قواعد عسكرية فى العراق.
وفى إطار مخططاته لعودة الإمبراطورية العثمانية والخلافة الإسلامية بدأ منذ يناير الماضى فى إرسال مرتزقة مسلحين إلى ليبيا، معظمهم من سوريا، وذلك بموافقة الحكومة المنتهية مدتها، بل وعقد اتفاقية غير شرعية معها من أجل التنقيب عن البترول والغاز فى حقول النفط داخل ليبيا، بل وفى المياه الإقليمية فى البحر المتوسط، مهددًا بذلك الحقوق الاقتصادية فى المياه الإقليمية لدول اليونان وقبرص ومصر.
ومع اشتداد جائحة كورونا فى كل دول العالم وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية ومحاولات الحكومات مواجهتها صحيًا، ومع استمرار مصر فى مواجهة خطر العمليات الإرهابية المستمرة ضد أمن وأمان المصريين فى الداخل وعلى حدودنا فى سيناء الحبيبة، إذا بمزيد من المخاطر التى تهدد الأمن القومى لبلدنا على حدودنا الغربية مع دولة ليبيا والتى تمتد لـ١٢٠٠ كم بجانب قضية سد النهضة الإثيوبى، والذى يهدد الأمن المائى المصرى، وهى قضية حياة ووجود.
تصاعدت أطماع أردوغان مع صعود الإخوان لحكم مصر ٢٠١٢، وصعود حزب النهضة الإخوانى فى تونس، وبعد تحطم هذا الحلم بعد إسقاط حكم الإخوان على يد ملايين الشعب المصرى فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ بدأ أردوغان فى التخطيط لتحقيق حلمه باستقبال الإخوان على أرضه وحمايتهم وتمويلهم، وأيضًا تدريب عناصر متطرفة كمرتزقة من كل الدول وتسليحهم وإرسالهم للعراق وسوريا، والتوسع فى البقاء فى هذه الدول، ودخلت قطر لدعم المشروع التركى بتمويل هذه الجماعات، ووجدت تركيا ضالتها فى تحقيق حلمها وحل أزمتها الاقتصادية الطاحنة فى الداخل عن طريق تقاسم ثروات النفط والغاز مع الحكومة الليبية، بل وأيضًا تحقيق مصالحها فى التنقيب عن الغاز والبترول فى البحر المتوسط داخل حدود المياه الإقليمية لدول مصر وقبرص واليونان، وإذا بها، وفى مخالفة لكل المواثيق الدولية وبالمخالفة لقرارات الأمم المتحدة بحظر توريد السلاح لليبيا، إذا بها تبرم اتفاقية غير قانونية مع حكومة السراج الليبية «المتحالفة مع الإخوان والميليشيات الدينية المتطرفة والقبلية»، وبموجب هذه الاتفاقية أرسلت أسلحة ومعدات والآلاف من المرتزقة الذين دربتهم وسلحتهم ومولتهم، ومعظمهم من النازحين واللاجئين السوريين فى مخيمات الإيواء، أرسلتهم إلى ليبيا للزحف من غرب ليبيا إلى شرقها للاستيلاء على منابع النفط فى ليبيا، ولتهديد الأمن القومى المصرى تهديدًا مباشرًا بوصول العناصر الإرهابية إلى قلب مصر لعمل عمليات تخريبية داخل مصر، تستهدف شعبها ومؤسساتها، وللقيام بأعمال هجومية على الجيش المصرى لإضعافه وإنهاكه. وبدأت تركيا تلوح بإنشاء قاعدتين عسكريتين فى الوطية ومصراتة.
إن ما يقوم به الرئيس التركى المتغطرس من تهديد للأمن القومى المصرى يستدعى التصدى له من قبل الدولة المصرية بكل الوسائل وكل الخيارات، لأن ما يقوم به لا يهدد مصر فقط، ولكنه تهديد للأمن والسلم الدوليين على المستوى العربى والإقليمى والدولى، وأولها الدول المطلة على البحر المتوسط فى شمال إفريقيا ودول أوروبية مثل إيطاليا وفرنسا واليونان وقبرص، هذا بجانب مصالح الدول الكبرى وأطماعها فى ثروات ونفط الدول العربية.
ولخطورة هذه التهديدات طالب أمنيون أوروبيون بمواجهة التدخل السياسى والعسكرى التركى المستوحى من «العثمانيين الجدد» فى ليبيا، لمنع رجب طيب أردوغان من السيطرة على أصول الطاقة الرئيسية فى البلاد، كما حذروا من أنَّ تدخل تركيا يهدد أزمة هجرة جديدة من ليبيا من المرتزقة والإرهابيين إلى دول أوروبا.
ومع وصول المرتزقة والميليشيات المسلحة بالآلاف من تركيا للأرض الليبية وتهديد أمننا القومى المصرى كان لابد من خطاب قوى لردع تركيا من جانب مصر لإيقاف إطلاق النار فورًا مع بدء مفاوضات لحل سياسى لتسوية الأزمة الليبية من أجل الحفاظ على سيادة ليبيا وسلامة ووحدة أراضيها. وتم اجتماع طارئ للجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب، دعت إليه مصر، وأصدر عددًا من القرارات فى ٢٣ يونيو الماضى، منها الالتزام بوحدة وسيادة ليبيا وسلامة أراضيها ورفض أى تدخلات خارجية، مع الترحيب بالمبادرات الدولية، وجهود دول الجوار لوقف العمليات العسكرية واستئناف العملية السياسية، برعاية الأمم المتحدة. ولقد أكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط استنكار التدويل المتزايد للأزمة الليبية والتدخلات العسكرية الأجنبية فى الصراع والاستقدام المنهجى للمرتزقة والمقاتلين الأجانب للساحة الليبية، وأكد التمسك بسيادة واستقلال ليبيا والوقوف بقوة رفضًا لأى أصوات داخل البلاد أو خارجها تدعو إلى الانشقاق، أو لتقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ وإحداث شرخ دائم فى النسيج المجتمعى الليبى.
ولقد أكد رئيس مجلس النواب الليبى عقيلة صالح «السلطة الوحيدة المنتخبة والممثلة للشعب الليبى» أن الشعب الليبى بجميع مكوناته يؤيد الجهود المصرية المبذولة لوقف إطلاق النار فى ليبيا، وأنه سيطلب من الجيش المصرى التدخل لمساندة الجيش الليبى فى حال اقتضت الضرورة، وتجاوزت الميليشيات الإرهابية الخط الأحمر الذى حددته مصر، وهو اختراق الإرهابيين منطقة سرت والجفرة.
إن استقرار ليبيا ووحدة أراضيها استقرار وحفاظ على الأمن القومى المصرى.. حفظ الله مصر وشعبها.