رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إهمال مصلى النساء.. غفلة أم تعمد؟


عندما كتبت عن فتح المساجد للصلاة مع غلق مصلى النساء، ورأيت أنه قرار جانبه الصواب، وأنه يعبر عن تمييز دينى ضد النساء، وبمجرد نشر المقال توالت التعليقات على صفحة الجريدة، التى كان معظمها تكرارًا لفكرة واحدة وهى: أن صلاة المرأة فى المسجد غير واجبة.. وأن صلاة المرأة فى بيتها خير لها، مما يدل على أن معظم القراء يكتفون بقراءة العناوين فقط، ويكتبون تعليقاتهم المكررة تحت اندفاع عاطفى، دون أى تريث أو تدبر، وأن معظم رواد صفحات التواصل الاجتماعى يعتبرون التعليقات فرض عين وليس فرض كفاية، فيكررون ما قد سبق قوله والتعبير عنه، يتساوى فى ذلك النساء والرجال، كما أن التعليقات لا تخلو من سوقية فى الخطاب تدل على أن المعلقين لا تعنيهم الصلاة أو عدمها، لكنه التواجد على نواصى وحارات الكلام والمشاركة بنصيب فى السرادق المقام.
وقد رفض عدد قليل من المعلقات عدم فتح مصلى النساء، فقالت سيدة: «مصلى السيدات مهم جدًا للسيدات اللى عملها بيتطلب سفر من محافظة لمركز أو مركز لمركز، بنصلى الفرض ونخرج علشان الصلوات ما تتراكمش على بعضها وتتقل، وفى نفس الوقت ليه يحرمنا ثواب الجماعة. أرجوكم افتحوا مساجد النساء».
وتساءلت سيدة ثانية: «أليس من حق النساء أن تحن قلوبهن للصلاة فى المسجد ولو على فترات؟ سبحان الله».
واستنكرت سيدة ثالثة: «ليه عايزين تمنعوا النساء من بركة الصلاة فى المسجد حتى لو نزلت مرة أو اتنين فى الأسبوع لتصلى.. لماذا تجعلوا بركة صلاة الجماعة حكرًا على الرجال دون غيرهم، أنا لما بنزل المسجد وأصلى هناك باكون فى قمة السعادة حتى لو مرة، إضافة إنه بيكون مكان للدروس للنساء وتحفيظ القرآن.. اتركوا مصلى النساء مفتوحًا ولا تمنعوا عنهن فرحة المسجد».
وقدم معظم التعليقات صورة قد يكون فيها جانب من الصواب عن أحوال مصلى النساء، مما يستدعى مناقشة مكونات هذه الصورة ومن المسئول عنها وكيف يمكن تصحيح ما بها من أخطاء؟ وقد تمثلت هذه الصورة فى أن النساء يتخذن من مصلى النساء مكانًا للترفيه والأحاديث فى الأمور الدنيوية من أحوال السوق والأسعار والأكلات.. وهذا شىء لا يعيب النساء أو مصلى النساء إذا التزمت المسلمة بضوابط الكلام التى حددها الإسلام، وهى البعد عن الغيبة والنميمة، وقد كان المسجد على عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ليس مكانًا للصلاة فقط، بل هو مكان لاجتماع المسلمين ومناقشة كل ما يخص شئونهم الدينية والدنيوية، ومن ثم فإن تبادل النساء الأخبار أو الآراء أو حتى كما يقول البعض «تظبيط جوازات» فهذه أمور لا تتعارض مع الإسلام، أما التحدث بصوت عال والغيبة والنميمة وإفشاء أسرار البيوت فهذه منهى عنها للنساء والرجال، سواء فى المسجد أو الجامعة أو العمل أو النادى أو حتى البيت.
وإذا كان بعض النساء يقمن بسلوك لا يتسق مع روح الإسلام، فالواجب التنبيه عليهن وشرح تعاليم الدين الحنيف لهن، فإن كن يفعلن ذلك عن جهل يتم محو أميتهن الدينية، أو عن غفلة فإن التذكرة تنفع المؤمنين. ولذا فإن حضورهن المسجد فيه اتصال مباشر مع علماء الدين، وفائدة تعود عليهن وعلى المجتمع.
أما عن اصطحاب النساء لأطفالهن فليس هذا مما يبيح منع النساء من الصلاة فى المسجد، إنها المسئولية التى لا يتحملها الرجال، والعبء الذى يضعونه على كاهل النساء دون مشاركة، وكأن الأطفال أبناء الأمهات فى كل مناحى الحياة وأبناء الآباء فى قيد الميلاد فقط، لماذا لا يصحب الأب بعض أطفاله للصلاة وتعويدهم على احترام قواعد المسجد، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يصلى وهو يحمل حفيدته أمامة بنت زينب بنت رسول الله، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها، وكذلك كان صغار الصحابة كأنس بن مالك وعبدالله بن الزبير وباقى أولاد الصحابة كانوا يدخلون المسجد ويقرهم النبى، صلى الله عليه وسلم، على دخولهم، بل إن النبى عليه السلام قطع خطبة له ونزل من على المنبر، بعدما رأى الحسن والحسين يتعثران فى مشيتهما فى المسجد، فحملهما وعاد وأكمل خطبته، وكان عليه السلام يسمع بكاء الصبى فى المسجد فيخفف الصلاة رحمة بأمه، فهذه كلها أمور تحتاج لرحمة وإنسانية، وإذا كانت هناك أم تصلى فى غير وقت الجماعة وبكى طفلها، ورعته امرأة من الحاضرات فتكون بذلك قد أعانت أختها على طاعة الله والتقرب له، أما النظرة الفوقية والاستهجان والاستنكاف، فهذا ليس من خُلق الإسلام فى شىء.
إن مصليات النساء تحتاج لتطوير فى الأرضيات والتهوية وتوفير المصاحف والكتب الدينية حتى لا تكون مجرد جزء ضيق مهمل من المسجد، وعدم توفر داعيات هو حجة على وزارة الأوقاف وليس سببًا يبيح لها منع فتح مصلى النساء، لأن العاملين بالأوقاف من الدعاة يمكنهم أن يقوموا بتنظيم دخول النساء ودخول الرجال. وهو أمر لا يحتاج جهدًا كبيرًا، خاصة فى المساجد التى لا توجد بها أضرحة.