30 يونيو.. الثورة البيضاء
نعم كنّا نعيش تحت وطأة احتلال يسعى إلى تغيير هوية الشعب المصرى، ولكننا فى 30 يونيو 2013 أسقطنا احتلال الإخوان مصر، وحينها كشفت تلك الجماعة الشيطانية عن الوجه القبيح لها أمام العالم، ورغم أن جماعة الإخوان الإرهابية انتهت سياسيًا واجتماعيًا فى مصر، إلا أنها لا تزال حاضنة كل تنظيمات العنف والإرهاب حول العالم.
فجميع التنظيمات المسلحة التى تعمل فى مصر، سواء حسم أو أنصار بيت المقدس أو غيرهما، هى أذرع الجناح المسلح لجماعة الإخوان الإرهابية، وتلقت التدريب فى ليبيا والسودان بتمويل من قطر على يد عناصر من حماس والحرس الثورى الإيرانى، بل إن الأحداث التى مرت علينا كشفت عن أن تنظيم القاعدة ومعه تنظيم داعش ما هما إلا من الفروع المسلحة لتلك الجماعة، وللأسف وقعنا تحت احتلال تلك الجماعة، ولم نتحرر من ذلك الاحتلال إلا بتضامن قوى الشعب مع الجيش المصرى العظيم، فكانت ثورة يونيو العظيمة التى مر عليها سبع سنوات، حينها خرج ما يزيد على 36 مليون مصرى فى مظاهرات عارمة اجتاحت شوارع القاهرة والمحافظات، مطالبين بإسقاط حكم مرشد الجماعة الإرهابية، فقد بات واضحًا للشعب كله محاولات تلك الجماعة الرامية إلى «أخونة الدولة»، وتقسيم مصر وتحويلها إلى مركز لدعم الإرهاب فى المنطقة.
مر الآن سبع سنوات على أحد الأيام الرائعة فى تاريخنا الحديث حينما قامت ثورة يونيو، جاء يوم الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ ليسقط مشروع الإخوان المتعلق بالاستيلاء على حكم مصر أبد الآبدين، جاء يوم الثلاثين ليسقط الإخوان، ولأول مرة فى تاريخ مصر يخرج كل الشعب وكل قواه الناعمة إلى الشارع، خرج قضاة مصر من محاكمهم وناديهم ليقفوا فى الشارع مع إخوانهم من المصريين، كنت تجدهم فى ميدان التحرير وعند قصر الاتحادية، تنطلق الحناجر بالهتافات، وتنطلق القلوب بالنبضات، القضاة مع الشعب، والشعب مع القضاة، والكل فى واحد رقم صحيح.
يعود القضاة إلى محراب العدالة، يحملون أعباءً تنوء الجبال بحملها، يعودون للعدل وقد أرضوا ربهم وضمائرهم، فقد كانوا منتدبين من الله سبحانه وتعالى فى قضية من أخطر القضايا، هى قضية الوطن، هذا هو الواقع الذى حدث ولا يستطيع أحد أن ينكره، ولا يستطيع جاحد أن يرفضه، فقد كنا معهم وكانوا معنا جميعًا، وكان حكمهم هو «حكمت المحكمة بنهاية حكم الإخوان، وبداية حقيقية للشعب المصرى يحصل بها على مكانته بين الأمم»، رفعت الجلسة.
ومع القضاة يخرج المثقفون والأدباء، حيث تكون انطلاقتهم من اعتصامهم فى وزارة الثقافة بالزمالك، ليتحركوا ويحركوا الشعب كله، ليكتبوا معًا أعظم رواية فى تاريخ الثورات، وأعظم قصيدة فى حب مصر، ويخرج المحامون وهم يرتدون ثوب المحاماة الأسود فى منظومة دفاع عن الشعب المصرى تقارب فى عظمتها ما فعلوه إبان ثورة ١٩١٩، وكان ما قام به الصحفيون والإعلاميون مضرب الأمثال، رغم التهديد والوعيد ولكنهم كانوا يدبجون المقالات العظمى فى حب مصر، خرج الجميع، مسلمين وأقباطًا، سياسيين وحزبيين من اليمين إلى اليسار، بعدما رأى الجميع أن الإخوان لا يعرفون الوطن، وبعد أن أدرك الكل أن وطنهم هو تنظيمهم، أما مصر فليست فى بالهم.
وجاءت اللحظة التى سحب فيها الشعب من ممثلهم فى الرئاسة المدعو محمد مرسى شرعيته وطرده من القصر شر طردة، وقتئذ لم يكن أمام الجيش المصرى الوطنى حتى النخاع إلا أن يسعى لتنفيذ إرادة الشعب، قال له الشعب بلسان الحال لا المقال: «أنت يا جيشنا ملك للشعب وملك للمشروع الوطنى المصرى، ويجب أن تنفذ إرادة الشعب، وقد أراد الشعب أن يطرد هذا الرجل من منصبه الذى أعطاه إياه، وأنت القوة الصلبة الوحيدة التى تستطيع أن تضع إرادتنا موضع التنفيذ، وإن لم تفعل ستراق الدماء وسنقتحم القصر وسنشتبك مع عصابة هذا الرجل وسنفنيها عن آخرها، اعلم أيها الجيش أن البديل إذا لم تقم بتنفيذ إرادتنا هو الدم».
فنظر الجيش قبل ثورة يونيو إلى الحال الذى تمر به البلاد فكتب بيانًا للشعب بكل أطيافه، وطلب من المعزول أن ينظر إلى طلبات الشعب، وأن يتوافق معه حتى لا تمر البلاد بحالة انفلات، وفى البيان تم إمهال كل الأطياف أسبوعًا للتوافق، ولكن المعزول لم يهتم، فخرجت الملايين الجامحة تهتف «الشعب خلاص أسقط النظام» فإذا بالمعزول يخرج ليخطب فينا خطابًا هشًا مثله، سطحيًا مثله، وكان الشعب قد كفر به وبوعوده، فهو لم يَعد وعدًا واحدًا ثم وفى به، ولم يتحدث حديثًا واحدًا وصدق فيه، ولم يحفظ مقدرات البلاد، ثم جعل نفقات قصره تزيد أضعافًا على النفقات التى كان مبارك ينفقها على القصر، وكأن مبارك كان ينفق على أسرته، فى حين أن مرسى كان ينفق على أسرته وجماعته وأهله وعشيرته، لذلك لم يثق الشعب فيه وفى وعوده، ولم يوافق أى إنسان فى رأسه ذرة من عقل أن يجلس معه، وهل نجلس مع كذاب مخادع خائن؟
بالنسبة للعقلاء حين يتم طرد موظف درجة ثالثة بسبب أخطاء ارتكبها، فإنه يقوم بالاعتراف بخطئه والاعتذار عنه، بالنسبة للمكابرين فإنهم يدعون أنهم لم يقعوا فى خطأ قط، وأنهم تعرضوا لظلم، بالنسبة للأغبياء فإنهم سيقولون هناك مؤامرة كونية ضدنا، بالنسبة للمجانين سيقولون: من الذى قال إنه تم طردنا من وظيفتنا!، نحن ما زلنا نشغل عملنا لأن لنا شرعية تعيين، وبالنسبة للخائنين فإنهم يسارعون إلى الاستقواء بقوى خارجية، وبالنسبة للخائنين المجرمين فإنهم يستقوون بالخارج ويطلبون معاقبة من طردهم.
فعل الإخوان كل ما سلف، فجمعوا الغباء مع الجنون مع الإجرام مع الخيانة، وزادوا على ذلك بأن قالوا: إن ما حدث فى مصر هو انقلاب عسكرى، يا صلاة النبى أحسن! انقلاب عسكرى يا مرسى؟! انقلاب عسكرى يا بديع؟! هل تعرفون معنى الانقلاب العسكرى؟ إنهم يعرفون ولكنهم يكابرون، ولكن لماذا ادعى الإخوان ذلك وهم يعرفون أنهم كاذبون أفاقون مخادعون؟ ادعوا ذلك حتى يثيروا الغرب وأمريكا على الشعب المصرى، ادعوا ذلك لسلب الشرعية من الشعب وتسليمها للأمريكان، ادعوا ذلك أملًا منهم فى العودة لحكم شعب يكرههم ويمقت أيامهم وأفعالهم وأشخاصهم الكئيبة الفظة الغليظة، لا يهمهم أن يقبلهم الشعب، ولكن الذى يهمهم هو أن يقبلهم ساداتهم، ولأنهم يعرفون أن الشعب لن يثق فيهم مرة أخرى، فإنهم يبحثون عمّن يفرضهم على الشعب، والآن يزعمون أن كتلة يونيو الصلبة قد تفككت فى السنوات الأخيرة، ولكنهم لا يعرفون أن كتلة يونيو لا يمكن أن تتفكك لأنها الشعب، الذى صنع يونيو هو الشعب، والذى سهر على حمايته هو الجيش، والتى ساندته وآزرته هى الشرطة، هذه هى كتلة يونيو الصلبة، فهل أحد يستطيع أن يزعم أن الشعب والجيش والشرطة قد تفككوا وأصبح كل واحد منهم فى مسار يختلف عن مسار الآخرين؟!
نعم هناك طائفة من المثقفين أصبحت الآن تسير فى اتجاهات أخرى، ولكن هؤلاء هم أنفسهم الذين خدعهم الإخوان فوقفوا معهم وبايعوا محمد مرسى فى فندق الفيرمونت، هؤلاء هم أنفسهم الذين كانوا يتحالفون مع الإخوان، فيدخلون البرلمان بصفقة معهم، هؤلاء هم أنفسهم الذين كانوا يذهبون لمقر مكتب الإرشاد فيصلون خلف مرشدهم، هؤلاء هم أنفسهم الذين وقفوا مع ثورة يونيو ثم انتظروا المكافأة بالتعيين فى أى مناصب عليا أو سفلى، ولكنهم لم يحصلوا على الوظيفة التى كانوا يتمنونها، هؤلاء هم من ابتعدوا عن كتلة يونيو الصلبة، هم لم يكونوا معها إلا طمعًا فى نتائجها، والآن هم مع من يدفع أكثر، فهل يمكن أن نعتبر هروبهم من كتلتنا الصلبة تفكيكًا لها؟! أنا أراه تأكيدًا لصلابة كتلة يونيو، وأرى أنها تخلصت ممن كانوا يسعون إلى ركوبها، وثورة يونيو حرة لا يمكن أن يركبها أحد، واذهبوا أنتم وابحثوا عن خيبتكم الثقيلة عندما سمحتم للإخوان بركوب ثورة يناير، أما يونيو البعيدة عن هؤلاء فقد كانت ثورة شعب، وشعب مصر كان هو شعب الثورة، ولأنها كانت ثورة الشعب المصرى لذلك كانت هى الثورة الوحيدة عبر التاريخ التى لم ترق فيها دماء، لذلك يمكن أن نطلق عليها «الثورة البيضاء».