رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وإثيوبيا.. ومحاسن الصدف


فى مثل هذا اليوم، الأول من يوليو، سنة ١٩٩٣، كان ميليس زيناوى، رئيس الوزراء الإثيوبى الأسبق، يزور القاهرة، للمرة الأولى، وقام، مع الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، بتوقيع اتفاق إطارى للتعاون السياسى والاقتصادى بين البلدين، تعهد الطرفان، فى مادته الخامسة، بعدم القيام بأى نشاط يتعلق بمياه النيل، قد يؤدى إلى إحداث ضرر بمصالح الطرف الآخر.
استقلت إثيوبيا عن إيطاليا قبل قرن، تقريبًا، من توقيع هذا الاتفاق، ومع ذلك، قيل إن مصر تسعى إلى إرغامها على الالتزام باتفاقات تعود للحقبة الاستعمارية، وهى المزاعم التى رد عليها وزير خارجيتنا، سامح شكرى، أمس الأول الإثنين، فى كلمته التاريخية أمام مجلس الأمن، وأكد أن كافة الاتفاقات ذات الصلة بنهر النيل وقعتها إثيوبيا كدولة مستقلة، موضحًا أن الاتفاق الذى أبرمه الإمبراطور مِنِليك الثانى، بإرادة حرة سنة ١٩٠٢، يحول دون بناء إثيوبيا لمنشآت تؤثر على سريان المياه فى النيل الأزرق. وقبل أن يشير إلى اتفاق إعلان المبادئ، الذى وقعته مصر والسودان وإثيوبيا، سنة ٢٠١٥، أشار أيضًا إلى الاتفاق الإطارى الذى وقعه مبارك وزيناوى.
الثابت، هو أن هذا النوع من الاتفاقات، الاتفاقيات أو المعاهدات، يشكل قيدًا أو التزامًا على الدول، ولا يؤدى انتقال السيادة إلى التحلل منه، وبالإضافة إلى أن القانون الدولى يعترف بسريان المعاهدات وفقًا لقواعد قانون التوارث، فإن بنود اتفاق ١٩٠٢، أو حتى بروتوكول ١٨٩١، لم تأتِ بجديد يختلف عن القواعد العامة الحاكمة للأنهار الدولية، بل أكدت فحسب ما أقرته المبادئ المستقرة، كمبدأ الاعتراف بالحقوق المكتسبة، ومبدأ وجوب التعاون والتشاور والإخطار.
بغض النظر عن ذلك كله، فما يعنينا الآن، هو أن الاتفاق، الذى تم توقيعه فى مثل هذا اليوم، منذ ٢٧ سنة، كان بين دولتين مستقلتين، وبإرادتيهما الحرة، ويعنينا، أيضًا، أن هناك من خدعوك فقالوا إن هذا الاتفاق تم تجميده بعد محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا، سنة ١٩٩٥، بينما يقول الواقع إن مبارك وزيناوى عقدا جلسة مباحثات موسعة، فى ١٧ أبريل ٢٠٠٥، بمدينة شرم الشيخ، عكست تطورًا نوعيًا فى العلاقات بين البلدين، وقال سفير إثيوبيا لدى القاهرة إنها جرت فى جو ودى، وأتاحت الفرصة لتعزيز العلاقات القوية والممتدة، ولتطوير التنسيق بين الجانبين الذى بدأ، سنة ١٩٩٣، منذ الزيارة الأولى لرئيس الوزراء الإثيوبى إلى القاهرة.
جلسة المباحثات، انعقدت قبل يومين من انعقاد قمة الشراكة من أجل تنمية إفريقيا «النيباد»، ووقتها كان أحمد أبوالغيط وزيرًا للخارجية، وعقد اجتماعًا مع نظيره الإثيوبى سيوم مسفين، تم خلاله التوقيع على اتفاقيتى تعاون. ومع أن زيناوى كان قد نفى تصريحات، نسبتها إليه وسائل إعلام، عن وجود خلافات مع مصر بشأن ملف مياه النيل، إلا أن تلك التصريحات، كانت محل سؤال فى مؤتمر صحفى عقده الوزيران، وأجاب عنه أبوالغيط بقوله: «لقد تحدثت مع مسفين فى هذا الأمر وأكد لى أنه من مخلفات الماضى». وفورًا، أضاف مسفين: «بالفعل كان ذلك فى الماضى». غير أن الماضى بمخلفاته، قفز إلى الواجهة، فى ٢ أبريل ٢٠١١، واستغلت إثيوبيا حالة اختلال التوازن، التى كانت تعيشها مصر، وبدأت فى بناء سد النهضة.
«كنا نكره مبارك بشدة، ولكن فوجئنا بحالة من الكره والغضب الشديد له من قبل الإثيوبيين، وهو الأمر الذى دفعنى لسؤالهم لماذا تكرهون مبارك إلى هذا الحد؟ فكانت الإجابة أن مبارك كان يرفض بشدة فكرة إنشاء السد، فى الوقت الذى تعانى فيه إثيوبيا من انخفاض الدخل».
ليس هذا كلامى طبعًا، بل قاله الدكتور محمد أبوالغار لموقع «اليوم السابع»، فى ٤ يونيو ٢٠١٣، وأضاف إليه أن الإثيوبيين أكدوا له أن «مبارك كان يلاحق بلادهم بكل الطرق لمنع إقامة السد، ومعه عمر سليمان، حيث ذهبا لكل الدول، ومارسا ضغوطًا عالمية قوية». وما يثير الدهشة، الأسف، أو القرف، هو أن هذا الكلام حدث، أواخر أبريل ٢٠١١، حين كان «أبوالغار» يرأس حزبًا لا أتذكر اسمه، وزار أديس أبابا مع مجموعة اختارت لنفسها اسم «وفد الدبلوماسية الشعبية»، ومع ذلك، لم يعلن عنه إلا مع بدء العد التنازلى لزوال دولة الإخوان!.
محاسن الصدف، جعلت الذكرى السابعة والعشرين لاتفاق مبارك وزيناوى، تأتى بعد يوم واحد من احتفالنا بالذكرى السابعة لثورة ٣٠ يونيو، وبعد يومين من كلمة سامح شكرى التاريخية، أمام مجلس الأمن، التى أكد فيها، وأثبت بالأدلة القاطعة، أن مصر لا تطلب من إثيوبيا غير الالتزام باتفاقيات سارية وملزمة، وهو ما سيحدث، قطعًا، طوعًا أو كرها، لأن المخالب، أو الأنياب، التى فقدتها مصر فى ٢٠١١ نمت من جديد فى ٢٠١٣، وصارت فى ٢٠٢٠ أكثرة قوة وشراسة.