رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جنازات وهمّية.. أموال شركات تأمين مصرية لأموات أحياء (تحقيق استقصائي)

جنازة
جنازة

في فبراير 2012 عقد "شحاتة" 31 عامًا في حينها، تأمينًا على حياته مع الشركة المصرية للتأمين التكافلي (حياة)، ببوليصة قدرها 500 ألف جنيه، يستردها ذووه بعد وفاته، ويدفعها على أقساط 7560 جنيهًا وبعد ستة أشهر عقد تأمينًا جديدًا على حياته بالمبلغ ذاته، وبعد أقل من عام تقدم ذووه بشهادة وفاته للحصول على مبلغ تأمين البوليصتين، ما أثار شكوك الشركة، فتقدمت ببلاغ إلى هيئة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة، حمل رقم ( ١١٠٣٨) لسنة ٢٠١٥، إداري قسم شرطة محرم بك في محافظة الإسكندرية، ضد الورثة، حسب وثائق التأمين ومؤتمر صحفي للشركة.

إلى جانب شهادة الوفاة، قدمت أسرة "شحاتة" تقريرًا طبيًا من الإدارة الصحية بقرية بني مزار بأسيوط ممهورة بختم وزارة الصحة، وبتوقيع مفتش الصحة، يفيد وفاته بجلطة في عضلة القلب أدت إلى هبوط حاد بالدورة الدموية، ولكن تحريات النيابة كشفت أن "شحاتة" ما زال على قيد الحياة، وأن الشركة تعرضت لعملية نصب مدبرة، جنى منها شحاتة وأسرته 107 آلاف و500 جنيه، القسط الأول من قيمة البوليصة، وذلك  حسب العضو المنتدب للشركة، هشام عبدالشكور، إذ قال في مؤتمر صحفي إن شحاتة شارك في تشكيل عصابي كبد الشركة خسائر وصلت لـ خمسة ملايين جنيه عبر أكثر من وفاة وهمية.

يرصد التحقيق وقائع وفيات وهمية من عام 2012  إلى عام 2020، استخدم فيها المتلاعبون تقارير طبية وشهادات وفاة مزورة؛ لجني ملايين الجنيهات من أموال شركات التأمين على الحياة، ويكشف التحقيق أيضًا طرق التلاعب بتلك الأوراق الرسمية عبر استغلال ثغرات في قانون الأحوال المدنية، للحصول على تعويضات، ما دفع شركات إعادة تأمين للانسحاب من السوق المصرية بعد تكبدها خسائر مالية، في ظل ضعف الرقابة من وزارتي الصحة والداخلية والهيئات الرقابية، وغياب الأدوات التكنولوجية الحديثة في الكشف عن جرائم الغش والسرقة.

المادة رقم (747) من القانون المدني المصري تعرف التأمين على الحياة بأنه: "عقد يلتزم المؤمِّن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمَّن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغًا من المال أو إيرادًا مرتبًا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبيّن بالعقد سواء إصابة أو وفاة، وذلك في نظير قسط أو أي دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمَّن له للمؤمّن، ولا يعطى المبلغ التأميني لبوليصة التأمين على الحياة إلا في حالة الوفاة". 
 التأمين نوعان، الأول: هو الاتفاق الفردي عبر بوليصة تأمين، يدفع المؤمن عليه قسطًا شهريًا، وتدفع الشركة له المبلغ التأميني في "العجز" ولذويه بعد الوفاة، على أن تُسلم أسرته شهادة الوفاة وإعلام الوراثة فقط، موضحًا اختلاف المبالغ التأمينية حسب نوع الوفاة، فيزيد في حالة "الوفاة الطبيعية" وتقل عنها في الحالة الجنائية. وأمّا النوع الثاني فهو التأمين الاجتماعي الذي تكفله الدولة لكل العاملين، وذلك حسب رئيس قسم التأمين بكلية التجارة جامعة القاهرة، سامي نجيب. 

الاستثمار والخسائر 

أمين عام الاتحاد المصري للتأمين، محمود سامي -هو اتحاد حكومي يضم شركات التأمين- يكشف إن نسبة الخسائر من الغش في التأمين على الحياة ارتفعت من 11% خلال عام 2017 إلى 18% خلال عام 2019، أي زيادة بنسبة 7% في مدة أقل من عامين، وقدر الخسائر أنها قد تصل إلى 50 مليون جنيه في آخر عامين، ولكن في الوقت نفسه وصف تلك الخسائر بـ"القليلة" مقارنة بحجم أقساط شركات التأمين.
رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية السابق، شريف سامي، أوضح أن أقساط التأمين التي يدفعها المؤمن عليهم دوريًا هي واحدة من أهم جهات تمويل الاستثمار في الدولة. وحسب نشرة معلوماتية صادرة عن الاتحاد المصرى للتأمين في 22 ديسمبر الأول 2017، يمثل الغش أحد أهم التحديات التي تؤثر على صناعة التأمين، وعبر 54% من شركات التأمين على الحياة أن الغش هو الخطر الأول عليها. 
 


في عام 2016 انسحبت الشركة المركزية المغربية لإعادة التأمين"SCR"، من السوق المصري وبعض الأسواق العربية، وأوضحت في 8 فبراير 2020 خلال تواصلنا معها عبر إيميل رسمي إن انسحابها من سوق التأمين المصري لارتفاع قيمة الأقساط المُسددة، وتعرض شركات التأمين على الحياة لغش تخطى المعدل الطبيعي.

شركات إعادة التأمين هي: شركات عالمية تتعاقد مع شركات التأمين المصرية، وتحصل على جزء من أقساط التأمين، في مقابل تحملها جزءًا من قيمة بوليصة التأمين بعد وفاة المؤمن عليه أو تعرضه لأي مخاطر تسمح بصرف قيمة التأمين. 
وقدرت الشركة المغربية خسائر شركات التأمين على البشر بـ 2.2 مليار دولار، وأرجعته إلى ضعف إمكانيات مواجهة طرق الغش، وعدم استخدام أحدث وسائل التكنولوجيا.
 



وتوجد فى مصر 287 شركة إعادة تأمين تعمل في السوق المصرية، حسب الموقع الرسمي للهيئة العامة للرقابة المالية.

رئيس قسم التأمين بكلية التجارة جامعة القاهرة، سامي نجيب، يشرح سبل الغش التأميني، إذ يحتاج المحتال إلى شهادة وفاة مزيفة ولكن موثقة وممهورة بأختام رسمية، لتقديمها لشركة التأمين حتى يجني قيمة البوليصة، ولذلك يلجأ إلى اتباع كافة خطوات إصدار الشهادة رسميًا، ولكن يحتاج في طريقه لذلك إلى تزييف بعض من الخطوات أو مستنداتها، وهو ما يكشفه هذا التحقيق.
مفتشو الصحة إهمال أم تواطؤ؟
وسط نحيب لا يتوقف، طلب "شلقامي"* 35 عامًا، من مفتش مكتب صحة بندر المنيا (1)، إصدار شهادة وفاة لزوجته "أمينة"*، وقدمه له تقريرًا طبيًا مزورًا بتاريخ 14 مايو 2018، من دون وثيقة إخطار المستشفى بالوفاة، وتعلل بأن المستشفى رفضت إعطاءه الإخطار، لوفاة زوجته أثناء جلسة سحب عينة "أورام أنسجة"، ولم تكن محجوزة لدى المستشفى. (وهذا من واقع أوراق القضية).
استجاب مفتش الصحة لاستجداء "شلقامي" وأصدر شهادة الوفاة وتصريح الدفن، من دون التأكد من المستشفى أو الإطلاع على إخطارها الرسمي.

يُخالف عدم تأكد مفتش الصحة من الوفاة المادة 40 من قانون الأحوال المدنية ولائحته التنفيذية، والتي تنص: "على موظف الجهة الصحية المختصة بتلقي تبليغات الوفاة أن يتحقق من شخصية المتوفي، واستيفاء البيانات التبليغ والمستندات المؤكدة لصحة الوفاة وبياناتها". 

رئيس مكتب صحة بندر المنيا (1)، هاني إسحق يقول إنه بمراجعة دفاتر الوفيات المدنية خلال العام وجد اسم السيدة وأوراق الوفاة، ولكن لم يجد إخطار التبليغ الذي يرسله مستشفى الجامعة إلى مكتب الصحة بعد كل وفاة.

تقدم إسحاق ببلاغ إلى النيابة العامة حمل رقم 10525 إداري بندر المنيا لسنة 2018، بعدما جاء الزوج إلى مكتب الصحة لإصدار وثيقة بأسباب الوفاة، ليقدمها إلى بنك ناصر الاجتماعي (حكومي) لتحصيل قيمة بوليصة التأمين بمبلغ 100 ألف جنيه لم تسدد أقساطها "أمينة" قبل الوفاة.

تحريات النيابة كشفت أن السيدة مازالت على قيد الحياة، ونقلت مسكنها من محافظة المنيا إلى منطقة الحوامدية بالجيزة، بعدما زيف الزوج تقريرًا طبيًا لمستشفى الجامعة، وساعده مفتش صحة في إصدار شهادة الوفاة من دون إخطار التبليغ. 

حُكم في القضية على الزوج بالسجن 20 عامًا غيابيًا والزوجة عشرة أعوام، بعدما تحصلا على ما يقرب من 250 ألف جنيه ما بين القرض وبوليصة التأمين ومكافأة نهاية الخدمة والمعاش الحكومي لعدة أشهر، وحكم على مفتش الصحة بثلاث سنوات، بحسب أحكام القضية ورواية هاني إسحاق. 

مكاتب الصحة -التابعة لإدارة الطب الوقائي في وزارة الصحة والسكان المصرية- الموزعة في جميع محافظات الجمهورية، هي المصدر الرئيس لقاعدة بيانات أكثر من 100 مليون مواطن مصري، وهي المسؤولة عن استخراج شهادات الميلاد والوفاة، وينظم عملها القانون 143 لسنة 1994.

يمر تزييف شهادة الوفاة عبر ثلاثة أشخاص هم: (المؤمن عليه، مفتش صحة، سمسار وسيط بينهم)، وفقًا للدكتور هاني إسحق، مفتش صحة بندر المنيا (1)، والرئيس السابق لإدارة العلاج الحر بالمحافظة.
ويقول إسحاق إن ثغرة في قانون الأحوال المدنية تسمح لمفتشي الصحة تسجيل الوفاة بالاعتماد على تقارير طبية من مستشفيات حكومية أو مستشفيات خاصة أو الطبيب الخاص، وهو ما يسمح بمزيد من التلاعب في قيد الوفيات.

ويشير إسحاق إلى أن تلك التقارير الطبية يسهل التلاعب بها وتزويرها، وفي حالات الوفاة المنزلية يجب على مفتش الصحة الكشف على الجثة والتأكد من الوفاة وأسبابها، ولكن هذا لا يحدث غالبًا، ويبرر إسحاق ذلك بأن مكتب الصحة يسجل ما بين 15 إلى 20 حالة وفاة يوميًا، سواء منزلية أو في مستشفى أو حادثة أو جنائية.

يؤيد ذلك حسن عارف، الذي عمل لسنوات كمفتش صحة في مكتب السيدة زينب قبل أن يحال للمعاش، ويقول في مقابلة معه: إن 85 % من مفتشي الصحة لا يوقعوا الكشف الطبي على المتوفى بأنفسهم للتأكد من سبب الوفاة وشخصية المتوفى: "بيحرروا تصريح الدفن والتقرير الطبيب من مكاتبهم".

ولكن ليس الإهمال وحده السبب في ذلك، إذ يتهم إسحاق "بعض مفتشي الصحة بالمشاركة في التلاعب والتدليس مقابل رشاوى مالية تتراوح ما بين 100 و500 جنيه، لإصدار شهادات وفاة من دون بلاغات أو إخطارات أو قيد في دفتر الوفيات المدنية"، في ظل غياب الرقابة الدورية والتفتيش من الجهات الحكومية المسؤولة.

ترأس إسحاق لجنة لفرز شهادات الوفاة في محافظة المنيا، كشفت أن 36 شهادة وفاة مزورة صدرت خلال عامي 2016 و2017.
في مارس 2020 وثق محضر الشرطة رقم (1195 لسنة 2020 م إداري السيدة زينب)، حديث "إسحاق"، إذ كشف أن موظفين في مكتب صحة السيدة زينب أصدروا تقريرًا طبيًا مزيفًا وتصريح دفن وشهادة وفاة وهمية لشخص اسمه "شاويش"، لتقاضي قيمة بوليصة تأمين بمبلغ 20 مليون جنيه، عقدها صاحب "الجنازة الوهمية" قبل إعلان وفاته بشهر واحد فقط، ومازالت التحقيقات جارية إلى الآن. 

بمواجهة رئيس الإدارة المركزية للطب الوقائي بوزارة الصحة والسكان، محمد عبد الفتاح، وهي الإدارة التي تراقب عمل مكاتب الصحة، لم ينف تورط بعض مفتشي الصحة في التلاعب بشهادات الوفاة: "هناك بالتأكيد ضعاف نفوس، وسيستمر التلاعب طالما العنصر البشري المتحكم في المنظومة". 
وأضاف عبد الفتاح أن خطة مكننة مكاتب الصحة بدأت في فبراير 2020، لتحويل كافة المعاملات من ورقية إلى إلكترونية للحد من التلاعب والفساد في تسجيل الوفيات والمواليد، مؤكدًا أن التحول الإلكتروني سيكشف محاولات التزييف والغش في الأوراق الرسمية في مكاتب الصحة.

وأعلنت وزارة الصحة في فبراير 2020 عن مكننة 4571 مكتب صحة بالجمهورية، لتسجيل المواليد والوفيات.


سماسرة التزوير
وفقًا للقضايا التي وثقها التحقيق، تعتمد آلية إصدار شهادة الوفاة الوهمية على سماسرة أو وسطاء هم حلقة الوصل بين مفتشي صحة وموظفين من قطاع الأحوال المدنية التابع لوزارة الداخلية، والمتحايلين على شركات التأمين، ويتقاضى مقابل تلك المهمة مبالغ مالية.
تواصلنا مع أحد الوسطاء "سمسار" يساعد في استخراج محررات رسمية مزورة، وخلال مكالمات تليفونية مسجلة طلبنا منه استخراج شهادة وفاة لشخص لا يزال على قيد الحياة لتقديمها لشركة تأمين، فكان رده أنه يستطيع توثيق شهادة وفاة بخاتم وزارة الصحة من أحد مكاتب الصحة، ولكنها لن تكون مسجلة على أجهزة السجل المدني، وسعر ذلك بمبلغ قدره 25 ألف جنيه.
 

طلبنا منها تسجيلها بالسجل المدني فقال: "سأحاول ذلك".

تحقيقات الدستور · محررة الدستور تتعاقد مع سمسار لاستخراج شهادة وفاة وهمية


ولكن الأسهل على الوسيط هو إصدار شهادة وفاة غير مسجلة في السجل المدني، ولكن مختومة بخاتم وزارة الصحة، يتحصل عليها من خلال "أحد أصدقائه"، على حد تعبيره، في أحد مكاتب الصحة، وأوصى السمسار بتقديمها للشركة على أن يُبرر عدم تسجيلها لبطء الإجراءات، ويؤكد في حديثه إنه في النهاية ستعتمد الشركة الشهادة بسبب خاتم وزارة الصحة الممهور عليها واعتمادها من مكتب الصحة.

المادة 226 من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 نصت على: "يعاقب المتلاعب في بيانات شهادات الميلاد والوفاة بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو غرامة لا تقل 500 جنيه ويعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على 500 جنيه، كل من زور فى إجراءات تتعلق بتحقيق الوفاة والوراثة.
المادة 222 من قانون العقوبات نصت على: "كل طبيب أو جراح أعطى بطريق المجاملة شهادة أو بيانًا أو تقريرًا مزورًا بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة مع علمه بتزوير ذلك يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تجاوز 500 جنيه، ولكن إذا كان هدفه من إعداد تقريرًا مزورًا الحصول على رشوة أو هدايا يعاقب بالمؤبد وغرامة لا تقل عن ألف جنيه". 
 

الوفاة طبيعية 
 

تنقسم حالات الوفاة إلى نوعين: "وفاة طبيعية" و"وفاة جنائية"، وتعد "الوفاة الطبيعية" سبيل عصابات الغش التأميني في إصدار شهادات الوفاة، إذ تصدر النيابة تقريرًا بكل وفاة جنائية، وترسل نسخة من تحقيقاتها لشركة التأمين، ولكن "الوفاة الطبيعية" يعتمد توثيق الحالات إلى مفتش الصحة وموظف السجل المدني، وهو ما دفع عددًا من الشركات إلى تخصيص وحدة وإدارات للبحث والتحقيق.
في العام 2013 وفي محافظة الشرقية تقدمت أسرة "عصام" إلى شركة مصر للتأمين -أقدم شركة تأمين على الحياة ومملوكة للدولة- بشهادة وفاة مرفق بها تقرير مفتش الصحة بـ "الوفاة طبيعية"، وطلبت استلام 5 ملايين جنيه قيمة بوليصة تأمين، لم يدفع عصام سوى 200 ألف جنيه من قيمة الأقساط، قبل أن يسافر إلى إيطاليا ومن هناك أُعلنت وفاته، حسبما يروي محمد عثمان مراقب بشركة مصر للتأمين. 

حصلت أسرة عصام على ثلاثة ملايين جنيه، كجزء أول من قيمة البوليصة لحين استكمال الأوراق، ولأن الوفاة "طبيعية" تطلب الأمر إرسال شهادة الوفاة بعد إصدارها إلى قسم التحريات المسئول في شركة التأمين عن التأكد من صحة الشهادة، ليكشف بعد البحث أن "عصام" مازال على قيد الحياة، وذلك حسب ما يروي عثمان.
في العام 2013 قاضت الشركة أسرة "عصام" أمام محكمة جنايات القاهرة المنعقدة في محكمة عابدين، بسبب التلاعب في الأوراق الرسمية، وفي عام 2015 حُكم في القضية التي تحمل رقم (1877- لسنة 2013 - إداري) بحبس "عصام" ست سنوات، حسب حديث عثمان.
عثمان يشير إلى أن إدارة التحريات بشركات التأمين تتكفل بالبحث حول صحة وفاة صاحب البوليصة من البداية حتى النهاية، في مسكنه وعمله، موضحا أن تعاون الداخلية يظهر فقط في حالة عدم صحة شهادة الوفاة، إذ تحال القضية للنيابة العامة للتحقيق، وهي بدورها تكلف المباحث الجنائية بالبحث والتحقيق.
وأضاف أن إدارة التحريات تحمل نفس مهام المباحث الجنائية، في الاستعلام عن المتوفي وصحة المستندات المقدمة، ويبدأ عملها حين ينتاب إدارة الشركة "الشك"، بسبب قصر المدة الزمنية بين التعاقد وإعلان الوفاة، إذ تبدأ التحريات للتأكد من شهادة الوفاة وتصريح الدفن، منوهة بأن الإدارة تجري أعمال الاستعلام من دون اللجوء لأي جهة رسمية إلا في حال ثبوت صحة الشك وعملية النصب. 
غير أن مصدرًا أمنيًا في قطاع الأحوال المدنية، رفض ذكر اسمه، قال إن إدارة التفتيش والمراقبة بقطاع الأحوال المدنية تشن جولات مفاجئة برفقة البحث الجنائي على فروع السجل المدني لضبط أي مخالفة، مضيفًا: "قضايا تزوير المحررات الرسمية خطأ أفراد وليست منظومة، والتزوير والرشوة لا يمكن السيطرة عليهما"، وأرجع ذلك إلى ضعف الرقابة.
وأضاف: "بعض الموظفين يزورون أختامًا، حتى تظهر في المحررات المزورة في صورة رسمية"، ونوه إلى أن وزارة الداخلية لديها خطة لتحويل 90% من التعاملات اليومية إلى إلكترونية، موضحًا أن النظام الإلكتروني يقلل من التزوير أو الاستخراج الوهمي للمستندات.

"القانون لا يحمي المغفلين"، بهذه الكلمات بدأ صبحي شحاتة، عضو إدارة العلاقات العامة والإعلام بالهيئة العامة للرقابة المالية حديثه- وهي هيئة تختص بالرقابة والإشراف على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية ومنها أنشطة التأمين- ونفى علاقة الهيئة بالنصب على شركات التأمين: "لا توجد جهة رقابية في العالم تستطيع التأكد من أن الوفاة حقيقية، ولا دور الهيئة التأكد من صحة الوثيقة أو صحة التعويض". 
وأوضح أن أحد أدوار هيئة الرقابة المالية حل النزاعات والشكاوى التعاقدية بين مستحقي مبالغ التأمين والشركات، إذ استقبلت الهيئة 600 شكوى في عامي 2016 و2017، الغالبية منها تتعلق بتأخر الشركات في صرف المبلغ التأميني، و90% منها تقريبًا قضت الهيئة فيها لصالح شركات التأمين. 
ويقول: "كل شركة بها إدارة استعلام جنائي وشئون قانونية ووحدة صرف هي من تُسأل في حال صرف تعويضات بغير حق، ونوه إلى ضرورة محاسبة العضو المنتدب ومجلس الإدارة أو اللجوء للقضاء وليس الرقابة المالية.

في المحصلة، ما زال نزيف خسائر شركات التأمين مستمر، مادامت النعوش الوهمية، والجنازات المزيفة تخرج نحو الشوارع يشيعها محررات ووثائق رسمية غير حقيقة، يجني بها المتلاعبون أموالًا طائلة من شركات التأمين على الحياة، ما سيؤدي إلى زيادة كلفة تأمين الحياة على المصريين.

 

لمشاهدة نسخة التحقيق بشكل ديجيتال (اضغط هنا)



تصوير: عمرو عبد الرحمن، فيديو: إيناس سعيد
أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة (أريج)