رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فضيحة جديدة لنيويورك تايمز


عادة ما تمر أكاذيب وفبركات جريدة «نيويورك تايمز»، دون ضجيج. لكن، هذه المرة، اتسع الرتق على الراتق، بعد أن قامت كل الأطراف بنفى ما تضمنه تقرير مفبرك، أو قتيل جديد أضافته الجريدة، التى توصف بأنها عريقة، إلى مشرحة لا ينقصها مزيد من القتلى.
فى سقطتها الجديدة، زعمت «نيويورك تايمز» أن روسيا قدمت مكافآت مالية لمقاتلين مرتبطين بحركة طالبان، لتشجيعهم على قتل جنود أمريكيين وغربيين فى أفغانستان. ونقلت الجريدة عن مسئولين لم تذكر أسماءهم، كالعادة، أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اطلع على هذه المعلومات وناقشها، أواخر مارس الماضى، مع مستشاريه للأمن القومى، الذين طرحوا عدة خيارات، بدأت بتقديم احتجاج دبلوماسى رسمى إلى روسيا، مرورًا بفرض عقوبات ضدها، ووصولًا إلى استهدافها بأعمال انتقامية. كما زعمت الجريدة أن الإدارة الأمريكية تشاركت هذه المعلومات مع بريطانيا، التى كان جنودها فى أفغانستان مستهدفين، أيضًا، ببرنامج المكافآت الروسى نفسه.
فور نشر التقرير، توالت التكذيبات تباعًا، من روسيا، حركة طالبان، والأهم من البيت الأبيض، الذى نفت كايلى ماكينانى، المتحدّثة باسمه، أن يكون الرئيس أو نائبه قد اطلعا على معلومات مخابراتية بهذا الشأن. موضحة أن «هذا لا يتعلق بصدقية المعلومات المخابراتية المزعومة، بل بعدم صحة ما ذكرته نيويورك تايمز بشأن اطلاع الرئيس ترامب على هذا الأمر».
بالتزامن، ذكرت السفارة الروسية فى واشنطن أن «هذه الاتهامات، التى لا أساس لها من الصحة ومجهولة المصدر» أدت إلى «تهديدات مباشرة لحياة موظفى السفارتين الروسيتين فى واشنطن ولندن». ودعت السفارة «نيويورك تايمز» إلى «التوقف عن تلفيق معلومات كاذبة». وطبقًا لما ذكره موقع «روسيا اليوم»، السبت الماضى، فقد طالبت السفارة السلطات الأمريكية برد مناسب على التهديدات التى تتلقاها بسبب تلك «الأنباء الكاذبة». ودعتها إلى «تنفيذ التزاماتها الدولية، بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية». وأرفقت السفارة نسخًا من منشورات تهديد، أطلقها بعض مستخدمى شبكة «تويتر» ضد موظفيها.
حركة طالبان نفت، هى الأخرى، هذه المعلومات، وقالت فى بيان إن ما وصفته بـ«جهاد الإمارة الإسلامية منذ تسعة عشر عامًا» ليس مدينًا لأى جهاز مخابرات أو دولة أجنبية. وأكدت أنها استخدمت أسلحة ومنشآت وأدوات كانت موجودة بالفعل فى أفغانستان، و«غنائم الحرب» التى تم الاستيلاء عليها بشكل متكرر من الخصوم. وأشارت إلى أنها أسقطت معظم الجنود الأمريكيين بـ«متفجرات محلية الصنع». ثم أكدت الحركة التزامها باتفاقها مع واشنطن.
فى هذا الاتفاق، الذى تم توقيعه، أواخر فبراير الماضى فى العاصمة القطرية الدوحة، تعهدت الولايات المتحدة بسحب قواتها، والقوات الأجنبية إجمالًا، من أفغانستان خلال ١٤ شهرًا. وأمس الأول، السبت، ذكرت شبكة «سى. إن. إن» أن الإدارة الأمريكية بصدد الانتهاء من إعداد خطة لسحب أكثر من ٤ آلاف من قواتها فى أفغانستان بحلول الخريف المقبل. ونقلت الشبكة عن مصدرين، لم تفصح عن هويتهما، أنه بمقتضى الخطة، سيتم خفض حجم القوات الأمريكية فى أفغانستان من ٨٦٠٠ إلى ٤٥٠٠. والمعلومة نفسها أكدتها وكالة «بلومبرج» التى ذكرت أن مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكى ناقش خطة الانسحاب مع حلفاء بلاده.
كان مبرر أو «تلكيكة» الغزو الأمريكى، قيام الحركة بتوفير ملاذ آمن لتنظيم القاعدة الذى تم اتهامه (وأعلن مسئوليته) عن هجمات الحادى عشر من سبتمبر. ومع أن القوات الأمريكية، بمشاركة القوات التى تحالفت معها، أطاحت بحكم طالبان، فى ٧ أكتوبر ٢٠٠١، إلا أن الحركة استمرت فى القتال. وظهرت تفسيرات وتبريرات عديدة لصمودها فى المعارك، كان أكثرها كوميدية اتهام روسيا بدعمهم. مع أن مقاتلى الحركة، وتنظيم القاعدة، اكتسبوا خبراتهم ومهاراتهم القتالية، أساسًا، خلال حربهم ضد روسيا، أو الاتحاد السوفيتى السابق. وهى الحرب التى قامت الولايات المتحدة، خلالها، بدعمهم وتدريبهم وتمويلهم، وكانت تصفهم بـ«المجاهدين الأفغان»!.
لولا تلك الخبرات، ولولا الدعم والتدريب والتمويل الأمريكى، ما استطاع هؤلاء الصمود أمام القوات السوفيتية، وما استطاعت حركة طالبان السيطرة على أفغانستان، قبل مرور سنتين على ظهورها. وبالتالى، كان من سخريات القدر ومساخره، أن نجد الجنرال جون نيكولسون، قائد القوات الأمريكية فى أفغانستان، يتهم روسيا، أواخر ٢٠١٦، بتسليح طالبان والقاعدة. غير أن جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكى، وقتها، شكك فى تلك الاتهامات أمام الكونجرس، وقال فى مايو ٢٠١٧، إنه لا توجد أدلة ذات قيمة عليها.
أخيرًا، ولأن غالبية التقارير التى تنشرها «نيويورك تايمز»، حقيقية كانت أم مفبركة، تكون عادة موجهة، أو مكتوبة بالأمر أو حسب الطلب، فإن عقلاء كثيرين، صاروا يقرأون تلك التقارير، ليعرفوا توجهات الجهة، أو الجهات، التى تأمر أو تطلب، وتستعمل محررى ومراسلى الجريدة من عينة ديكلان وولش، مدير مكتبها فى القاهرة، وديفيد كيركباتريك وغيرهما، مِن المستأجَرين، بفتح الجيم، أو المستعمَلين، بفتح الميم الثانية.