رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رأفت الهجان الألمانى!



العالم يتغير و«ألمانيا العالقة بين ترامب وبوتين والقومية المتنامية فى أوروبا والتهديد الإرهابى، تكافح من أجل العثور على مكان جديد على رقعة الشطرنج». وما بين التنصيص، ليس كلامنا، ننقله عن كاتب السيناريو، مارتن راوهاوس، الذى وقع عليه الاختيار لكتابة أول مسلسل مخابراتى ألمانى. ومن هنا جاء العنوان، عنوان المقال، على سبيل التهكم ليس أكثر!.
الخبر، الذى تداولته صحف عربية وأجنبية، نقلًا عن وكالة الأنباء الفرنسية أو الألمانية، قال إنه لأول مرة فى ألمانيا، يتم إعداد مسلسل تليفزيونى من هذا النوع، بعد الإنتاجات الناجحة لهذا النوع من المسلسلات، ومن أبرزها: «لو بورو دى ليجاند» فى فرنسا، و«هوملاند» و«٢٤» الأمريكيان. غير أن هناك أسباب كثيرة تجعلنا نتوقع مسلسلًا خياليًا، لا علاقة له بالواقع: واقع عمل جهاز المخابرات الألمانية الخارجية، الذى يعمل معظم جواسيسه، أو عملاؤه، البالغ عددهم نحو ٦٥٠٠، على مستوى العالم، فى ظل نظام سرى صارم، ويستخدمون أسماء وهمية.
شركة الإنتاج «أريانا كرامبيه» أشارت فى بيان أصدرته، الجمعة، إلى عدم وجود أى مسلسل، حتى الآن، يتناول كواليس جهاز المخابرات الخارجية الألمانية «بى إن دى». وبدا واضحًا أنها تضع نصب عينيها المسلسل الفرنسى «لو بورو دى ليجاند». وحتى يكون مسلسلها بالمستوى نفسه، قام كاتب السيناريو، كما قالت الشركة، بإجراء «ساعات من المقابلات» مع أشخاص يعملون فى جهاز المخابرات. والمسلسل الفرنسى Le Bureau des légendes، أو مكتب الأساطير، الذى كتبه وأخرجه إريك روشان، وتم عرض الموسم «الجزء» الأول منه فى أبريل ٢٠١٥، وانتهى عرض موسمه الخامس فى مايو الماضى.
من بين أبرز منجزات مارتن راوهاوس، كتابته سيناريو فيلم «ميونيخ ٧٢ - محاولة الاغتيال»، الذى أخرجه درور زهافى، سنة ٢٠١٢، عن اختطاف منظمة «أيلول الأسود» الفلسطينية لرياضيين إسرائيليين خلال دورة الألعاب الأوليمبية التى استضافتها مدينة ميونخ الألمانية فى سبتمبر ١٩٧٢، وهى العملية التى انتهت بمقتل ١١ إسرائيليًا و٥ فلسطينيين، وشرطى ألمانى، بعد محاولة فاشلة أو كارثية لتحرير المخطوفين. وما زالت الاتهامات بالتقصير تطارد، إلى اليوم، مانفريد شرايبر، رئيس شرطة ميونخ وقتها، حتى وفاته عام ٢٠١٥، وكان يشغل أيضًا منصب المفوض الوطنى فى اللجنة الأمنية الخاصة بالأوليمبياد.
المسلسل الجديد، بحسب « راوهاوس»، سيتناول آخر المستجدات والتغييرات على كل الأصعدة. غير أن هذا الكلام لا يمكن التعويل عليه، لأن جهاز المخابرات الخارجية الألمانية يحيط أنشطته بسياج من السرية، لدرجة أنه لم يسمح حتى لرئيسه السابق، جيرهارد شيندلر، بنشر مذكراته. حتى ولو صدر قرار المنع عن ديوان المستشارية الألمانية التابع لها الجهاز.
شيندلر ترأس الجهاز سنة ٢٠١١ وتم إعفاؤه سنة ٢٠١٦، على غير رغبته. وأواخر أغسطس ٢٠١٨، تقدم بطلب لديوان المستشارية، يرجو فيه مراجعة مسودة مذكراته. وأواخر ديسمبر الماضى تم رفض نشر الكتاب بسبب وجود مخالفات محتملة تتعلق بمبدأ السرية، استنادًا للقانون الذى ينظم عمل موظفى الدولة، وما يتضمنه هذا القانون من واجبات التكتم الوظيفى. ورفض شيندلر التعليق على القرار لوسائل الإعلام. ومع ذلك، قال برونو كال، رئيس الجهاز الحالى، فى ٥ نوفمبر الماضى، لوكالة الأنباء الألمانية «د. ب. أ»، إنه يولى اهتمامًا أكبر من ذى قبل بالشفافية «إلى حد معين بالطبع».
لم يعد سرًا أن الولايات المتحدة تقود حربًا ناعمة على كل دول العالم عبر برامج تجسس، كتلك التى كشفها إدوارد سنودن، الموظف السابق فى وكالة الأمن القومى الأمريكى «NSA»، حين قام، سنة ٢٠١٥، بتسريب وثائق عن قيام تلك الوكالة، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية «CIA» بالتجسس والتنصت على اتصالات ملايين المواطنين، ليس فقط داخل الولايات المتحدة، ولكن أيضًا داخل دول أوروبية وأمريكية جنوبية، وطبعًا داخل منطقة الشرق الأوسط، وكذا قامت بالتجسس على اتصالات غالبية «إن لم يكن كل» زعماء دول العالم. ولا يعنينا من ذلك كله، غير أن تلك الوثائق كشفت عن قيام الولايات المتحدة بالتجسس على المستشارة الألمانية شخصيًا.
الغريب، هو أن تلك الوثائق كشفت، أيضًا، عن قيام المخابرات الألمانية بتسريب ملايين البيانات الشخصية لمواطنين ألمان وأوروبيين بشكل غير قانونى، للوكالة الأمريكية، ووقتها، فتحت لجنة تقصى حقائق فى البرلمان الألمانى «البوندستاج» تحقيقًا بشأن التعاون مع وكالة الأمن القومى الأمريكية، وقامت بالاستماع إلى عاملين فى جهاز المخابرات الألمانية باعتبارهم شهودًا. ومع أن ميركل نفسها كانت ضحية، وتم التنصت على تليفونها الشخصى، إلا أنها دافعت عن هذا «التعاون الوثيق»، باعتباره «ضروريًا فى الوقت الراهن». والأكثر من ذلك هو أنها تعمدت حجب معلومات مهمة، عن البرلمان، مراعاة للولايات المتحدة!.
تأسيسًا على كل ما سبق، نتوقع فشل رأفت الهجان الألمانى، الذى سيراعى، قطعًا، العلاقات مع الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، و... و... وصولًا إلى تركيا وقطر، وطوب الأرض.