رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اسم الله الصمد.. يا صمد من لا صمد له



على قِصر عدد آياتها، إلا أنها تعدل ثلث القرآن، فهى المكون الأساسى لعقيدة المسلم، يشهد فيها المؤمن بإفراد العبودية لله وحده، دون شريك أو ند له، سبحانه المتنزه عن الولد والصاحبة، هو الأول بلا ابتداء، ودائم بلا انتهاء.
سورة الإخلاص: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ»، منذ متى وأنت تقرأها وتصلى بها سريعًا؟! هل فى يوم من الأيام أحسست بالصمد؟ أتعرف معنى اسم الله الصمد؟.. الصمد هو الذى يُلجأ إليه عند الشدائد، لمَ؟ لأنه أحد.. لا أحد غيره ينصرك.. يحفظك.. يرزقك.. يعينك.. يؤيدك.. لذلك الجأ إليه سبحانه عند الشدائد، فهو الصمد.. الذى لا ملجأ للعباد غيره.
لذلك يقول النبى، صلى الله عليه وسلم، فى الدعاء: «يا صمد من لا صمد له.. يا سند من لا سند له».. ويقول عن هذه السورة: إنها تساوى ثلث القرآن، لأنك عرفت بها أن لا إله إلا الله، وعرفت أنه صمد، وبالتالى لن تلجأ لغيره، ولن تخاف من غيره، ولن تذل نفسك لأحد، هو الرزاق، هو المُعطى، هو الذى يُخرجك من المصائب، لأنه الصمد.
الصمد الذى يحتاج إليه كل أحد، المقصود لقضاء الحوائج كلها، الصمد الذى لا يحتاج إلى أحد ويحتاجه كل أحد، فمن الذى لا يحتاج إلى أحد؟، هل هناك من يعرف غنيًا لا يحتاج إلى أحد، حتى لو كان أغنى أهل الأرض، والله حاشاه أن يحتاج إلى أحد، فلا يحتاج إلى ملك، ولا يحتاج إلى نبى.. يحتاجه كل أحد، أما البشر فمهما بلغت مناصبهم ونفوذهم، فهم لا يستطيعون أن يلبوا مطالب كل البشر، ومساعدتهم للآخرين ترتبط بما يملكون، فإن ذهب عنهم، افتقدوا مصدر مساعدتهم للآخرين.
هناك معنى آخر للصمد.. تقول العرب: بيت مصمود إذا أكثر الناس اللجوء إليه فى حوائجهم.. المصمود: المقصود فى الحوائج كلها.. معنى كلمة الصمد.. مقصود الخلق كلهم.. الذى يلجأ له عند الشدائد.. صمدت له أى قصدته.. عمرو بن الجموح يقول فى غزوة بدر عن «أبى جهل»: فصمدت له، أى قصدته.
اسم الصمد.. مرتبط بقضاء الحوائج.. عندما تكون لك حاجة مهمة عاجلة أو خطيرة.. نادٍِ الله باسمه الصمد.. لذلك كان النبى يدعو: «يا ملجأ من لا ملجأ له.. يا سند من لا سند له.. يا صمد من لا صمد له. إليه يرجع الأمر كله».. أحيانًا تجد شركة أو مؤسسة.. رجلًا قويًا لا يستطيع موظف أن يبت فى قرار دون الرجوع إليه.. خيوط الموضوع كلها بيده، فما بالك به سبحانه.. إليه يرجع الأمر كله.. فهو المقصود لقضاء حوائج العباد كلها.
ما معنى السورة؟
يا عبادى أنا الصمد.. اقصدونى فى حوائجكم.. سبحانه هو الذى يعرض عليك.. تخيل.. يتنزل للسماء الدنيا فى الثلث الأخير من الليل، هذا فعل الصمد، هذا من آثار اسم الله الصمد: «يا عبادى كلكم جائع إلا من أطعمته.. كلكم عارٍ إلا من كسوته»، انظر إلى جسمك وقضاء حوائجك.
لماذا اسم الصمد فى سورة الإخلاص؟ حتى لا تلجأ لغيره.. هو الصمد وحده.. اذهب له وحده.. اجعله مقصودك وحده.. اجعله وجهتك وحده.. كيف تذل نفسك لغيره وهو الصمد.. كيف تلجأ له وعيناك على غيره وهو الصمد؟، اجعل مقصودك هو الله وحده.. البشر مجرد تخيلات، صور أمرك بالتعامل معها.. لكن قاضى الحوائج هو الصمد.. الأسباب كلها عاجزة.. الكون كله لا حيلة له إلا بالله.
الأنبياء كانوا أكثر من فهم لفظ الصمد، فلجأوا إليه سبحانه وتعالى فى كل عثراتهم، فنجوا جميعًا برحمته وقدرته.. هذا نبى الله إبراهيم، عليه السلام، حينما ألقى فى النار لجأ إلى الصمد الجبار، فنجاه منها، وتغيرت طبيعة النار من حرارة وحرق إلى برودة وسلام.
النبى فى الهجرة كان يدعو الله: «اللهم اكفنيهم بما شئت، وكيف شئت، إنك على ما تشاء قدير». وهذا نبى الله موسى، عليه السلام، حينما لحقه فرعون، لجأ إلى القوى الصمد فنجاه الله، وشق له البحر كالطود العظيم، وهيأ له أرضه ليمر إلى الجانب الآخر، ولا يلحقه فرعون وجنوده. وهكذا، كل من فرغ قلبه لله، ولجأ إلى الله، وسأل الصمد المتعال، أجاب دعاءه وأعطاه سؤله.
الله الصمد لم يعدك مكسور الخاطر، ييسر لك سبل النجاة من كل أزمة، ويهيأ لك من الأسباب ما تقضى به حوائج الناس، فلا تتأخر عن السعى فى مطالبهم، كما أنه لم يتأخر عنك.. «إن لله عبادًا اختصهم لقضاء حوائج الناس.. يفزع الناس إليهم لقضاء حوائجهم، أولئك الآمنون يوم القيامة»، وكررها ثلاث مرات.
أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو كربة تكشفها عنه أو تقضى عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، أو يمشى أحدكم فى حاجة أخيه.. والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه.. ومن سار فى قضاء حاجة أخيه حتى تتهيأ له ثبّت الله قدمه يوم القيامة يوم تزول الأقدام.
أكثِر من ذكر الله، فإن ذكره يوسع الصدر، وكلما اتسع الصدر، زادت قدرته على التحمل. ذكر الله يطمئن القلب.. يمنح الإنسان راحة نفسية عجيبة.. تجعله يعيش فى سلام داخلى مع كثرة الذكر «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّه أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»، لأنه يلغى كل التشويش فى الحياة. وكل عبادة من العبادات فى ديننا لها أثر على الإنسان، ولها أثر مختلف. فأثر الصلاة غير أثر الزكاة، وأثر الحج غير أثر الصلاة. فأكثر من ذكر الله، وستجد نفسك فى حالة مختلفة، راحة تسكن قلبك، وهدوء يسيطر على تفكيرك وعقلك.