رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

علاج جديد للفشل السياسي!



أكبر تجربة عالمية على أدوية متاحة.. اختراق علمي كبير.. سلاح جديد في المعركة ضد فيروس كورونا المستجد.. تطور كبير في المعركة ضد الفيروس القاتل.. إنجاز علمي بريطاني رائع.. وبمبالغات أخرى، وقعت وسائل إعلام دولية ومحلية، عديدة، في الفخ الذي نصبته الحكومة البريطانية، عبر آلتها الدعائية، لمجرد أن باحثين بريطانيين اكتشفوا أن عقار «ديكساميثازون»، يقلل، بنسبة بسيطة، معدل الوفيات بين مصابي الفيروس القاتل.

طبقًا لما ذكرته وكالة «رويترز»، فإن باحثين في جامعة أكسفورد البريطانية اختبروا هذا العقار على أكثر من ألفي مصاب بالفيروس، يعانون من أعراض خطيرة. وأظهرت النتائج الأولية انخفاض معدّلات الوفاة بين غير القادرين على التنفّس إلا عبر أجهزة التنفس الصناعي بنسبة 35%، بينما انخفضت نسبة من يحصلون على الأكسيجين بمعدل 20%. أو بصيغة أخرى، قيل إن الجرعات اليومية من «ديكساميثازون» نجحت في إنقاذ واحد من كل ثمانية يستخدمون أجهزة التنفس، وواحد من كل 25 يحتاجون إلى الأكسجين.

النتائج، كما ترى، متواضعة، بالإضافة إلى أنها غير مؤكدة. لكن بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، حاول استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية، ولصرف الانتباه عن فشل حكومته في مواجهة الوباء. ولا نجد تفسيرًا غير ذلك لقوله إنه «فخور بأن علماء بريطانيين بدعم وتمويل من الحكومة البريطانية توصلوا لعلاج ثبتت فعاليته في مواجهة فيروس كورونا». والشيء نفسه، فعله إدوارد أرجار، وزير الدولة للصحة، الذي أرجع الفضل إلى «هيئة الخدمات الصحية الوطنية الممولة من الحكومة»، ووصف تقليل معدل الوفيات «بنسبة تتراوح بين السدس والثلث» بأنه «خطوة كبيرة إلى الأمام نتيجة دعمنا للعلم وتفضيله على أي شيء آخر».

على الخط، دخلت «منظّمة الصحّة العالمية»، لأسباب يمكن استنتاجها، أو كعادتها في «الهبد»، أشادت بما زعمت أنه «اختراق علمي»، وأصدرت بيانًا وجّه فيه مديرها العام التهنئة لـ«الحكومة البريطانية وجامعة أوكسفورد والمستشفيات العديدة والمرضى الكثيرين في المملكة المتحدة، الذين ساهموا في هذا الاختراق العلمي المنقذ للأرواح». ومع أن «ديكساميثازون» لا يحقق نتائج إلا مع الحالات الصعبة أو الخطيرة، إلا أن وسائل إعلام، بريطانية وأمريكية، عقدت مقارنة عجيبة بينه وبين «ريمديسفير»، الدواء الذي بدأ إنتاجه واستخدامه في الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان ومصر، بزعم أنه لا توجد أدلة تظهر دور الأخير في خفض معدل الوفيات!.

بعد تلك المبالغات، وبعد كل هذا «الهبد»، عرفنا من الدكتور حسام حسني، رئيس اللجنة العليا لمكافحة كورونا بوزارة الصحة، أن الوزارة وضعت «ديكساميثازون» ضمن بروتوكول علاج المصابين بالفيروس منذ شهر تقريبًا، لكنه شدّد على خطورة استخدامه دون إشراف طبي. وبمنتهى البساطة، قال الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية، إن هذا الدواء، ككل مركبات الكورتيزون، يُستخدم في علاج أمراض كثيرة، بحذر شديد لأن أضراره قد تزيد على فوائده. وأشار أيضًا إلى أنه، والكورتيزون بصفة عامة، موجود ضمن بروتوكول وزارة الصحة، لعلاج بعض الحالات، موضحًا أنه لا يعالج كورونا المستجد، أو غيره من الفيروسات، لكنه يحسن أداء الرئتين ويقلل من الاحتقان وضيق الشعب الهوائية.
الأهم من كل ما سبق، هو أن «هيئة الدواء المصرية» قالت في بيان أصدرته الثلاثاء، إن «ديكساميثازون» معروف بأضراره الجانبية العديدة، وأن استخدامه بدون إشراف طبي قد يؤدي إلى مخاطر كثيرة منها تثبيط المناعة وتورم الوجه والأطراف وتغير الرؤية وألم وضعف العضلات وبطء التئام الجروح ونزيف المعدة ونوبات صرع وارتفاع السكر في الدم وارتفاع ضغط الدم وفشل القلب. وناشدت الهيئة المواطنين بعدم تناول أي علاج دون الرجوع إلى مقدمي الخدمات الصحية. كما طالبت كل وسائل الإعلام بضرورة تحري الدقة فيما يتم نشره والرجوع إليها للاستفسار والتأكد من المعلومات الخاصة بالمستحضرات والمستلزمات الطبية المعتمدة والمسجلة بجمهورية مصر العربية حفاظًا على صحة المواطنين.

الآثار الجانبية للعقار أشار إليها، أيضًا، «المعهد البريطاني الوطني للصحة وجودة الرعاية»، وقال إن من بينها الشعور بالقلق والضعف الإدراكي والإحساس بعدم التوازن والإعياء واحتباس السوائل والصداع وارتفاع ضغط الدم وتغيّر المزاج والغثيان وهشاشة العظام وآلام في المعدة وزيادة الوزن واضطرابات في النوم. كما أشار إلى أعراض جانبية أقل شيوعًا، مثل زيادة الشهية ومشاكل في الرؤية والقلب والدوار. وطبقًا لإرشادات المعهد، فإن الجرعات العالية من هذا العقار قد تتسبب في الأرق، المزاج السيئ، واضطرابات سلوكية كالرغبة في الانتحار.

تأسيسيًا على ذلك، وعلى سوابق أخرى شبيهة نرى أن الإعلان عن مثل هذه الاكتشافات أو الاستنتاجات، والمبالغة في تسويقها، إعلاميًا أو دعائيًا، لأهداف سياسية أو اقتصادية أو لأي أهداف أخرى، يتسبب عادة في أضرار بالغة، تبذل الجهات المعنية بصحة البشر، حقيقةً وليس ادعاءً، جهودًا كبيرة للتقليل منها، لكنها لا تنجح غالبًا.