رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا إله إلا الله.. مدخلك إلى معرفة الخالق



الله تجلت أسماؤه له ٩٩ اسمًا، هى أسماؤه الحسنى، التى تدل على صفاته، لكن اسمًا واحدًا منها هو «الله» يدل على كل أسمائه، فإذا قلت: «يا الله» فمعناه: يا رحيم- يا ودود- يا عظيم.. اسم الله «علم على ذات الله»، يشير إلى كل أسمائه، اسم يجمع صفات الله من جلال وكمال وجمال.
«لا إله إلا الله»، من الناحية اللغوية تتضمن النفى والإثبات معًا.. «لا إله» نفى.. و«إلا الله» إثبات.. فلو انتفى وجود إله يكون الكون والوجود كله عدمًا.. هذا هو معنى «لا إله».. أما معنى «إلا الله».. إثبات أن به كل الوجود.. فـ«لا إله إلا الله» معناها «لا وجود إلا بالله».. كله عدم إلا بالله.. كل الكون والموجودات وأنا وأنت عدم إلا بالله.
لو فهمت معنى: «لا إله إلا الله»، لأشرقت روحك بأنوار التسليم لله وحده، ولن تشعر بحلاوة الذكر، ولن تركز فيه إلا حين تفهم معنى ما تذكر الله به وتحسه.. عِش معنى «لا إله إلا الله» بكل وجدانك، استحضره فى قلبك، قبل أن ينطق به لسانك، حتى تستشعر عظمته.
جرّب أن تذكر ربنا ما لا يقل عن مائة مرة فى اليوم، قل من كل قلبك: لا إله إلا الله، عندما تسمع صوت المؤذن يصدح: لا إله إلا الله، عندما تقرأ قول الله تعالى: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، فإن الخالق سبحانه يطلب منك أن تعلم معناها.. أن تفهم معناها.. وأن تعيش معناها.
ماذا تعنى «لا إله إلا الله»؟
كل شىء دون الله عدم معتم مظلم.. صفر.. فلولا نور الله وتجليه على الكون لما كان الوجود، إن أعظم آية فى القرآن هى آية الكرسى «اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ» فهو الحى المطلق والكل فانٍ.. الأصل فى كل الوجود هو العدم.. أما القيوم فهو الذى قامت به السماوات والأرض.. كل ما سواه قائم به.. «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا».
«لا إله إلا الله».. هى تلك الحقيقة التى يجب أن نؤمن بها.. بأنه لا وجود إلا بالله.. وأن الكون كله عدم إلا بالله.. فالكون بكل ما فيه هو من تجليات الله.. كل الشىء فيه يهتف: لولا الله لما كنت أنا.. القمر، الشجر، النجوم، الخيال، الطيور، وهذا معنى الآية «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِى الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ، وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ».
أما الإنسان الغافل عن الله، فلن يلتفت إلى جمال الكون ولن يرى تجلى الله على الكون.. فالأكوان كلها بالله.. وإن لم تعش مع مكون الكون ستتوه فيه.. أما إذا عشت معه كان الكون معك.. فقد خلق الكون وسخره لك وخلقك أنت لتكون له وحده.
سبّح كل يوم «لا إله إلا الله».. فإنك لا ترى فى الكون جماله، لكن ترى فى الكون جمال تجليات الله عليه.. الناس تنطق إعجابًا بالقمر: «الله على جمال القمر»، لكنك أنت ستقول: «الله على من أبدع جمال القمر».. سبّح كل يوم «لا إله إلا الله».. فهمت الآية «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» معناها: وجّه نظرك فى أى اتجاه وسترى عظمة الله فى الأكوان.
قبل أن تسرح بعقلك فى صور الكون الكثيرة ركّز عقلك على الواحد الأحد.. هذا هو معنى «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» اذكر ربك كل يوم: «لا إله إلا الله».. وعش معنى لا وجود لنا، ولا للكون إلا بك يا الله.. لا إله إلا الله.
معنى «لا إله إلا الله».. لا وجود إلا بالله.. لا وجود لى ولك وللبشر وللسماوات والأرض والكون كله إلا بالله.. لولا تجلى الله على الكون لما أثمر زرع ولا تحرك هواء.. لا طار طائر ولا أبدع الإنسان ولا كان رحيق ورده ولا كانت السماوات والأرض.. لولا الله لما كانت قوانين الحياة.. الفيزياء والكيمياء كشفت لنا عن القوانين لكن من الذى قنن القوانين؟.. لا إله إلا الله.. الكون كله بالله.
الملحد دائمًا يحاول أن يريح نفسه، وهو يقول: «الطبيعة خلقت كل شىء»، وحين تسأله: ما الطبيعة؟، يجيبك: مجموعة القوانين التى تنظم الوجود، وعندما تسأله: من الذى قنن القوانين؟، يقول: أنا لا أرى إلا قوانين.. لا أؤمن إلا بما أرى.. تسأله: هل لهذه القوانين عينان؟ يجيبك: لا.. إذ كيف يكون هناك قانون ليس له عين؟.. كيف لقوانين عمياء تخلق بصيرًا.. كيف يعطى فقير المال؟.. فإن فاقد الشىء لا يعطيه. هو يعلم ذلك لكنه يغالط.. «يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا».. المسألة مسألة معرفة.. مسألة مكابرة، لأن المعرفة بالله مكلفة.. مسئولية وعبادات وحرام وحلال.. لكنه يريد ألا يتحمل مسئولية ذلك، فهو يريد أن يعيش بلا تكليف.
لا بد أن ترى الله فى كل شىء وبعد كل شىء ومع كل شىء وفى كل شىء، حتى ترى الوجود كله من تجليات الله فيه، كل النعم فى حياتك منه وحده.. كل علم وخبرة وذكاء وحكمة ومال ونجاح منه إليك، كل تدبير حدث لك فى حياتك.. كل جمال فى الكون منه وحده.. «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ» كله منه وإليه.
إذا ضاقت عليك الدنيا وأغلقت الناس فى وجهك الأبواب.. انس الناس وقل: المنع من الله لذنب أتوب منه أو لخير أفضل أسعى إليه.. احفظ هذه الفكرة «إن أُغلق باب فتحت عليك أبواب».. وتذكر حديث النبى، صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشىء لم ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشىء لم يضروك إلا بشىء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».
هناك قصة معروفة.. غزالة حامل.. وجدت أمامها أسدًا سيهجم عليها، وخلفها صياد يريد صيدها.. حولها نهر.. فكان قرارها عجيبًا.. جلست فى مكانها تؤدى واجبها.. جلست تلد.. منتهى التسليم لله لم تجر أو تهرب.. اعتمدت على مسبب الأسباب.. فيرى الصياد الأسد، فيصطاده بدلًا من الغزالة.. لتفرح هى بمولودها وبتسليمها لله.. يقول الله تعالى: «أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ».. سلّم نفسك لله تعش مرتاح البال.