رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة عن الإخوان وصنم الإعلام فى الكعبة التركية



قامت هيئة الإذاعة والتليفزيون السودانية، بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، بتعيين السيد ماهر أبوالجوخ مفوضًا ماليًا وإداريًا لشركة «الأندلس» المالكة لقناة «طيبة» الفضائية، بعد أن قامت «لجنة إزالة التمكين» بالحجز على الشركة واستردادها، كى تجرى إدارتها بمعرفة الهيئة الرسمية السودانية. وقد قامت الأخيرة بإيقاف إشارة البث الرسمية لقناة «طيبة» بقرار رسمى، حيث ظلت القناة الفضائية لسنوات، من خلال ارتباطها بباقة قنوات «إفريقيا» التى تبث عبر منصة الأندلس، تتولى نشر الفكر الإخوانى المتطرف بعدة لغات إفريقية فى بلدان القارة المختلفة.
«لجنة إزالة التمكين» نشأت بموجب قانون تفكيك النظام السودانى السابق، الصادر عام ٢٠١٩ ليعطى اللجنة، باعتبارها جهة مستقلة، تفويضًا واسعًا وصلاحيات كبيرة لتفكيك بنية أعمدة الفساد التى أقامها النظام السابق، عبر نهب موارد الدولة السودانية بطريقة ممنهجة مستخدمًا التمكين والقوانين المفصلة، لمصلحة رموزه ومؤسساته. هذا حسب نص ديباجة القانون الذى وضع اللجنة باعتبارها لجنة سيادية تعمل فى إطار استكمال أهداف الثورة وصولًا للمشروع الوطنى الذى تسعى السلطة الانتقالية لتحقيقه.
فى الأيام الأخيرة من العام ٢٠١٩، أصدر السيد «فيصل محمد صالح» وزير الثقافة والإعلام القرار رقم ٧ لسنة ٢٠١٩م، يقضى بإيقاف منصة بث شركة «الأندلس» للإنتاج الإعلامى الفضائى، حيث قامت من خلال قناة طيبة ببث أكثر من عشر قنوات غير مرخص لها من السلطات السودانية. ترأس مجلس إدارة شركة «الأندلس» المدعو «يوسف عبدالحى» الذى يعد واحدًا من أبرز القيادات الإخوانية فى السودان، ويضم مجلس إدارة الشركة كلًا من شقيق الرئيس السودانى المخلوع «على حسن البشير» وخاله «الطيب مصطفى»، وتولى «ماهر سالم» الإخوانى الفلسطينى الجنسية منصب مدير عام الشركة. وقد تأسست تلك الشركة فى الأصل ببعض من الإجراءات المشبوهة فى عام ٢٠١٣، لكن حينها لم يكن لأحد من داخل الدولة القدرة على الإفصاح عما يجرى، خاصة مع علم الجميع بشخصيات مجلس إدارتها لصيق الصلة بالرئيس شخصيًا، فقد قامت الشركة بإدخال منصة كاملة للبث الإذاعى والتليفزيونى إلى البلاد رغم حظر هذا الأمر بموجب القانون السودانى، الذى يحصر حق استيراد وتشغيل منصات البث على الهيئة القومية للبث الإذاعى والتليفزيونى الحكومية.
منذ هذا التاريخ حددت الشركة قناة «طيبة» لتكون الذراع الإعلامية الإخوانية لداخل السودان، وأطلقت بعدها مباشرة حزمة أخرى ضمت قنوات «إفريقيا ١، وإفريقيا ٢، وإفريقيا ٣، وإفريقيا ٤»، هذه القنوات خصصت للبث فى بعض الدول الإفريقية منها ليبيا ونيجيريا وإثيوبيا، واستخدمت فيها اللغات المحلية بجوار العربية مثل الأمهرية والهوسا. باقى قنوات المنصة ضمت قناة التصالح وأخرى تسمى درر، وقناة بلال وقناة التفوق وفضائية الجامعة المفتوحة، كما ضمت أيضًا قناة تبث فى سوريا تتبنى أفكارًا داعشية صريحة.
هذه المنصة العملاقة حظيت بدعم قطرى مباشر، بدأ بإعطاء شركة «الأندلس» حقًًا مجانيًا للبث عبر القمر الفضائى «سهيل سات»، كما جرى من قبل الجانب القطرى تأسيس مقر فاخر للشركة فى حى «كافورى» الراقى بشمال الخرطوم. وظلت جماعة الإخوان بالسودان تروج لتلك المنصة باعتبارها من جهود الدعوة الإسلامية التى اكتسب من خلالها «يوسف عبدالحى» القيادى الإخوانى شهرة واسعة داخل صفوف الجماعة.
وقد ظل عبدالحى لشهور يواجه مجموعة من البلاغات بعد إسقاط عمر البشير وبدء التعامل من خلال «لجنة إزالة التمكين»، فى تفكيك قبضة التنظيم على مقاليد ومفاصل الحكم والنفوذ بالسودان. بدأت تلك الملاحقات ببلاغ حررته منظمة «زيرو فساد» غير الحكومية بتهمة الثراء غير المشروع، فى وقائع تتعلق بحصول شركة «الأندلس» على إعفاءات جمركية وضريبية منذ تأسيسها وطوال سنوات عمل الشركة. كما قامت هيئة «محامى دارفور» بمقاضاته بسبب أدوار لعبها أثناء الحراك الشعبى، عدت مخططًا متكاملًا لإثارة الفوضى الشاملة وإحداث البلبلة والفتنة الجنائية بالبلاد. حاول التنظيم أن يوفر ليوسف عبدالحى درعًا شعبية لحمايته، فقام فى أكتوبر من العام الماضى بحشد آلاف من أنصار الإخوان وفلول النظام السابق، ليقوموا فى ساحة مسجد «خاتم المرسلين» بضاحية «جبرة» جنوب الخرطوم، بمبايعة عبدالحى ليكون «أميرًا للمسلمين» فى مشهد أقرب للممارسات الداعشية الشهيرة!
انتبه النظام الانتقالى سريعًا إلى أن الإخوان، من خلال يوسف عبدالحى، يخططون لحشد جماعات الهوس الدينى والتطرف والتكفير، لتعبئة أنصارهم نحو اتجاهات مزعزعة لاستقرار الدولة، لذلك تعاملت الحكومة بجدية مع هذا الملف بعد أن تبين لها أن مشهد مسجد «خاتم المرسلين» مخطط إخوانى منظم، ولم يكن فى أى صورة منه مجرد تصرف عفوى عابر.
وفور تأكد جماعة الإخوان من أن النظام الجديد جاد فى ملاحقة العناصر والكوادر التى على شاكلة يوسف عبدالحى، حتى سارعت بتهريبه من السودان هو ومدير عام شركة «الأندلس» الفلسطينى ماهر سالم، إلى تركيا حيث يمكنها توفير الحماية لهما بعد أن بدأت مؤسسات النظام فى جمع الأدلة، حول الأنشطة التى انخرط فيها كلاهما ومرتبطة بتلقى أموال من جهات خارجية، وتوظيفها فى أنشطة تهدد الاستقرار الإقليمى وتدعم الأعمال الإرهابية. وفى سياق دعم النظام التركى للمشروع الإخوانى الدولى وما يرتبط به من منظمات التطرف، والأهم بالنسبة للنظام التركى الآن هو المواقع الإعلامية والمنصات التى تخدم على مدار الساعة هذا المشروع، بغض النظر عن مكانه أو جنسيته لذلك فهو جاهز فى كل وقت لفتح أبوابه لمثل هذا العناصر، حيث لا تختلف القصة ولا وقائعها كثيرًا عن العناصر المصرية التى تم توفير «الملاذ الآمن» لها بداخل تركيا عقب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
لم يمض كثير من الوقت بعد نجاح «عملية الهروب» للقيادات الإخوانية التابعة لشركة «الأندلس» وآخرين، حتى قامت السلطات التركية بإعادة الحياة إلى منصة البث الفضائى للشركة، على ذات القمر القطرى «سهيل سات» بعد الحصول على إشارة بث جديدة من داخل تركيا. عادت قناة «طيبة» لممارسة عملها الموجه إلى الداخل السودانى، فى صورة طبق الأصل من القنوات الموجهة إلى داخل مصر، لتبدأ قيادات تلك الأخيرة والعاملون فيها يشعرون بكثير من الغيرة بعد أن تسربت الأخبار عن مدى اقتراب قيادات شركة «الأندلس» من دائرة الرئيس أردوغان الشخصية، وبسبب حجم المبالغ المالية التى بدأت تتدفق عليهم بصورة أثارت شهية الأرامل القدامى، القابعين على ذات الأرض وفى داخل نفس الحظيرة، حيث بدا لهم أن هناك قادمين جددًا قد يزيحونهم إلى الخلف، خاصة وهؤلاء الجدد لا يتحرجون مطلقًا من الظهور بوجوههم الداعشية.