محمد علي إبراهيم: الحجر المنزلي ساعدني في إنجاز «اسمي سرطان» (حوار)
في فترة الحجر المنزلي، عكف المبدعون على القراءة والكتابة، وكثير منهم أنجزوا أعمالهم الإبداعية العالقة، ورغم أن هناك من ينتظرون غير عابئين للدفع بها للنشر، لأسباب متباينة، ومن هؤلاء الروائي محمد علي إبراهيم الذي انتهى من رواية بعنوان "اسمي سرطان".
وقال خلال حواره لـ"الدستور" إن عدم حماسه لنشرها الآن يعود بالأساس إلى "البحث عن تجربة نشر محترمة لكل الأطراف؛ القارئ والناشر والمبدع"، كما تحدث عن تحولات الكتابة لديه من الشعر للقصة فالرواية، وكذلك عن اهتماماته في الفترة الحالية.. وإلى نص الحوار:
- لك ديوانان متميزان رغم ذلك ابتعدت عن الشعر واتجهت للكتابة القصصية.. لماذا؟
بالفعل صدر لي ديوانان؛ "صحاب"، و"مواويل الثرى"، وأعتبرهما تجربتان اكتملتا، لكن الشعر لا يمثل تجربتي الإبداعية، وإذا أردنا الحديث عن كتابة ابتعدت عنها فهي القصة القصيرة، ولي أكثر من مجموعة "تأريخ لا يروق لكم"، و"طعم البوسة"، والمتتالية القصصية "أنت حر ما دمتَ عبدي"، وقد اتجهت للرواية منذ كتبت رواية "الجدار الأخير"، ثم كانت روايات "الولد كوريا"، و"أعلمها اللمس" وأخيرًا "حجر بيت خلَّاف" التي حازت على جائزة جمال الغيطاني للرواية العام قبل الماضي.
- هل ارتبط تحولك من كتابة القصة إلى كتابة الرواية بسوق النشر ومسابقات الجوائز؟
الأمر متعلق بحبي لـ"السرد" منذ البداية، فبعد كتابة المتتالية القصصية "أنت حر ما دمتَ عبدي" شعرت أنه يجب عليّ البحث عن شكل آخر للسرد، أما بعد فوز روايتي "حجر بيت خلاف" بجائزة جمال الغيطاني، فقد ناوشني هاجس التوقف عن الكتابة؛ حيث كنت قلقًا من الرواية التي سأكتبها بعدها خاصة بعد الاهتمام النقدي بها؛ فقد حظت بتناول نقدي متتنوع لنقاد ومبدعين حقيقيين، وهو ما أنقذني من هواجسي، بل ودفعني ما صاحبها من نجاحات إلى التفكير أكثر بشأن الرواية التي تليها، فأسوأ ما يمكن أن يواجه المبدع هو أن تفوز روايته بجائزة كبيرة، لأن هذا الفوز سيلازمك بهالة من الترقب، ولكن هذا بالطبع لا ينفي سعادتك بجائزة كبيرة من هيئة تحكيم محترمة.
- وهل جاءت الرواية التي تلتها على مستوى طموحك؟
الحقيقة لا أستطيع أن أقرر، فقد انتهيت من كتابتها في شهر يناير 2019، لكني حتى الآن أقوم بمراجعتها وإعادة قراءتها، وهي تحمل عنوان "روح"، وأستبعد فكرة نشرها في الوقت الحالي، ربما لأنني أخاف منها أو ربما لأنني وقعت في غرامها، فظلت "محبوسة في جهاز اللاب توب"، وبعدها شرعت في كتابة رواية بعنوان "اسمي سرطان" وقد انتهيت من كتابتها منذ أسابيع قليلة.
- "اسمي سرطان" فهل للرواية علاقة مباشرة بمرض السرطان؟
مرض السرطان بالطبع موجود كمرض عضوي داخل الرواية؛ حيث يحضر في الثلث الأخير؛ إذ تتعرض (ليلى) للإصابة بسرطان الثدي، لكن حضوره أبعد من ذلك، لأن (تاليا)؛ وهي خلية سرطانية حاضرة بقوة منذ الصفحة الأولى، وهي من ستتولى القيام بمهام الراوي العليم، غير أن الرواية مهمومة برصد سرطانات أخرى قد تكون أكثر قسوة من "تاليا"، فلدينا سرطانات متعددة: "العادات والتقاليد البالية والتعصب، والتطرف الديني، والحروب".
- ما الذي يميزها عن رواياتك السابقة؟
كانت تجربة كتابتها مؤلمة وشاقة؛ أخذت مني وقتًا كبيرًا في المذاكرة والتقصي، وتتنقل أحداثها بين صعيد مصر وأقصى شمال أوروبا، حيث تتزوج ليلى محمد حسن من فرانسوا إيرل رينييه بمباركة أبيها الشيخ الأزهري، بعد قصة حب ثم تسافر إلى أيسلندا، كما أن الملمح الرئيسي فيها هو تعدد أصوات الرواة.
- وما الذي يجعلك تؤجل نشرها؟
لم أستقر بعد على دار نشر محددة، ربما تكون دار نشر عربية، كما قد تكون فرصة للتعاون لأول مرة مع دار نشر مصرية عريقة ولها اسمها المحترم؛ لقد اكتفيت من تجارب النشر الحمقاء، لدي قناعة محددة بأنه إذا لم تكن هناك تجربة نشر محترمة لكل الأطراف فلا داعي وقتها للنشر.
- ماذا عن قراءاتك الآن؛ خصوصا بعد تجمد نشاط مجموعة "المناقشة"؟
أنا قارئ مزاجه صعب في القراءة، كما أن تجربتنا مع "مجموعة المناقشة" وقراءتنا للكثير من الروايات جعلت المزاج يتقبل الإبداع الروائي بحذر، أنا سعيد بعوالم محمد الفخراني الروائية، وأحمد الملواني يسرد بسلاسة ملفتة، ويظل مصطفى الشيمي روائيًا تستطيع الرهان عليه بأريحية كبيرة، وهناك صوت قصصي تعرفت عليه منذ فترة قليلة من قنا من صعيد مصر اسمه أحمد أبو دياب، قاص مبدع يجب الالتفات إلى تجربته على قلتها لكنها ملفتة، كما أنتظر مطالعة الإصدار الورقي لمجموعة عمرو القيصر الفائزة بإحدى الجوائز العربية مؤخرًا، وكذلك مجموعة القاص والناقد أحمد حلمي المنتظر صدورها خلال أسابيع.
- وما الذي أدهشك على هامش قراءاتك في فترة الحجر المنزلي؟
جوانب متعددة، منها مثلا وأنا أقرأ رواية "صلاة تشرنوبل" للأوكرانية سفيتلانا أليكسييفيتش الحائزة على جائزة نوبل 2015، تذكرت تجارب عزت القمحاوي المتعددة في الكتابة عبر النوعية، فقلت متى سيقرأ الغرب تلك الكتابات بشكل حقيقي ليعرفوا أن هناك كاتبًا مختلفًا وحقيقيًا اسمه عزت القمحاوي؟.. أيضا قلت وأنا أستأنس بديوان "قعدة مونتاج" للشاعر مصطفى جوهر: كيف يغيب هذا الديوان عن نظر نقاد الشعر في مصر؛ وفي رأيي الشخصي يأتي "جوهر" في مقدمة شعراء العامية في مصر.
- يرى كثيرون أن الكتابة الإبداعية ستختلف كثيرا بعد جائحة "كورونا".. فما رأيك؟
أزمة "كورونا" ستلقي بظلالها على كل شيء ولفترة بعيدة، ومن المؤكد ستكون هناك كتابات إبداعية حقيقية ستقوم باستثمار "لحظة الكورونا" بشكل أو بأخر، وإن كنت أرى أن "كورونا" حرب عالمية بتكنيك مختلف؛ هي وجه جديد للحرب، لكن على مستوى الكتابة الإبداعية فالمسألة تحتاج الكثير من الوقت لاستيعاب المشهد وصياغته إبداعيا، وليس علينا سوى التأني لنحقق كتابات "تنضج على نار هادية".
- انشغل كثير من المبدعين بسؤال أو فكرة ما في فترة الحجر المنزلي.. فماذا عنك؟
هاجسي الدائم قضية الروح والخلود والزمن والحريات، وهناك الكثير بداخل رأسي، أتمنى بالطبع التعبير عنه وكتابته، لذا ينبغي عليَّ التصالح مع الزمن حتى أستطيع مواصلة الكتابة.