رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العنصرية البيضاء


انتفضت عدة مدن أمريكية بمظاهرات واسعة، احتجاجًا على وفاة أمريكى من أصول إفريقية أثناء اعتقاله، حيث لقى جورج فلويد- البالغ من العمر ٤٦ عامًا- مصرعه بعد القبض عليه أمام أحد المحال التجارية فى مدينة مينيابوليس فى ولاية مينيسوتا.
وأظهرت لقطات لعملية القبض التى تمت فى يوم ٢٥ مايو رجل شرطة أبيض يدعى ديريك تشوفين يضغط بركبته على عنق فلويد المثبت إلى الأرض. ويواجه تشوفين البالغ من العمر ٤٤ عامًا تهمة القتل، ومما لا شك فيه أن المتهم سيُعاقب على جريمته دون هوادة.
وبينما كان ضابطان يقيدان حركة فلويد المكبل اليدين، ضغط الضابط تشوفين بركبته على عنق فلويد الذى صاح أكثر من مرة: «لا أستطيع التنفس، لا تقتلنى».
ولمدة ثمانى دقائق و٤٦ ثانية ظل الضابط تشوفين ضاغطًا بركبته على عنق فلويد، ودون الدخول فى تفاصيل القصة وإن كان فلويد متهمًا بتزوير ورقة نقدية من فئة ٢٠ دولارًا أم لا، فهذا مكانه القضاء الأمريكى.. أما القتل بهذا الشكل العنصرى فهو الذى يستدعى وقفة.
تم تعريف العنصرية حسب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى على أنها أى تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومى أو الاثنين، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة للاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، فى الميدان السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى أو الثقافى أو فى أى ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.
والعنصرية اسم مؤنث مصدرها العنصر، أى الأصل والحسب، والعنصرية فى اللغة هى مذهب يفرِّق بين الأجناس والشعوب حسب أصولها وألوانها ويُرتِّب على هذه التفرقة حقوقًا ومزايا، مهما تعددت التعريفات ومهما كان نوع أو شكل التمييز أو الأسس المبنية عليها، نجد من التعريف أن التمييز يكون على أسس وأحكام مسبقة، ويشير إلى ممارسات يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من الناس بشكل مختلف ويتم تبرير هذه المعاملة باللجوء الى التعميمات المبنية على الصورة النمطية، ويمكن القول إنها مجموعة من السلوكيات صادرة عن أشخاص أو جماعة لاعتقادهم أنهم أفضل ويتفوقون على غيرهم، لأى سبب يفيد التفريق والتمييز، لتحقيق أهدافهم ومطالبهم على حساب غيرهم، فيتعدون على حقوق الآخر، وهذا يعارض مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص بين البشر.
وفى حقيقة الأمر إن التفرقة العنصرية لا تنبع من البشرة بل من العقل البشرى، وبالتالى فإن الحل للتمييز العنصرى والنفور من الآخر وسائر مظاهر عدم المساواة ينبغى، أولًا وقبل كل شىء، أن يعالج الأوهام العقلية التى أفرزت مفاهيم زائفة، على مر آلاف السنين، عن تفوق جنس على آخر من الأجناس البشرية. ففى جذور هذا التعصب العرقى تقبع الفكرة الخاطئة بأن الجنس البشرى مكون من حيث الأساس من أجناس منفصلة وطبقات متعددة، وأن هذه الجماعات البشرية المختلفة تتمتع بكفاءات عقلية وأخلاقية وبدنية متفاوتة تستوجب أنماطًا مختلفة من التعامل.
والحقيقة أنه لا يوجد سوى جنس بشرى واحد، مهما تعددت الألوان والأديان والأعراق والجنسيات، فنحن شعب واحد يسكن كوكبًا واحدًا.. نحن أسرة بشرية مرتبطة بمصير مشترك ومرهونة بأن «تكون كنفس واحدة».
إن الاعتراف بهذه الحقيقة هو الترياق الأمثل لمرض العنصرية والخوف من الآخر ولسائر مظاهر التفرقة، فمتى يَعى العنصريون فى كل مكان هذه الحقيقة؟