لا تخضعوا لابتزاز الإخوان.. «3-3»
سعيد شعيب يكتب: القرآن يقدم الأدلة على أن الإسلام ليس دولة أو خلافة
يؤكد الشيخ الجليل على عبدالرازق فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم» أن ظواهر القرآن تؤيد القول بأن النبى لم يكن له شأن فى المُلك السياسى، وآياته متضافرة على أن عمله السماوى لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معانى السلطة:
- مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (النساء - ٨٠).
- وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (٦٦) لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (الأنعام ٦٧).
- اتَّبِعْ مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (١٠٧) الأنعام.
- وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) يونس.
- قل يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (١٠٨) يونس.
- رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (٥٤) الإسراء.
- أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (٤٣) الفرقان.
- إناِ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (٤١) الزمر.
- فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ (٤٨) الشورى.
- نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ (٤٥) ق.
- فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) الغاشية.
القرآن صريح فى أن يمنع كما ترى أن يكون النبى حفيظًا على الناس حتى يكونوا مؤمنين ولا وكيلًا ولا جبارًا ولا مسيطرًا وألا يكون له حق إكراه الناس حتى يكونوا مؤمنين، ومن لم يكن حفيظًا ولا مسيطرًا فليس بمَلك، ومن لوازم المُلك السيطرة العامة والجبروت، بسلطان غير محدود. قال الله: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا (٤٠) الأحزاب. القرآن صريح فى أن محمد لم يكن له من الحق على أمته غير حق الرسالة. قال الله:
- قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨) الأعراف.
- فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) هود.
- وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (٧) الرعد.
- قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَىّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠) الكهف.
- قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٤٩) الحج.
- إِن يُوحَىٰ إِلَىَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٧٠) ص.
- قُلْ إِنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَىّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠) الكهف.
إذن القرآن كان صريحًا فى أن النبى كان رسولًا خلت من قبله الرسل، ووظيفته البلاغ:
- فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٩٢ المائدة).
- مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (٩٩) المائدة.
- أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ (الأعراف - ١٨٤).
- أكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ (٢ – يونس).
- وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (٤٠ – الرعد).
- فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٣٥ – النحل).
- وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِى اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤- النحل).
- فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٨٢- النحل).
- وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٥٦- الفرقان).
- فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٨٢- النحل).
- فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (٩٧- مريم ).
- مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ (٢) إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ (٣- طه).
- قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ومَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٥٤- النور).
- وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ (٩٢- النمل).
- وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٨) العنكبوت.
- يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥- الأحزاب).
- وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢٨- سبأ).
- إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (٢٤- فاطر).
- وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٧- يس).
- قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥- ص).
- قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَىّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٩- الأحقاف).
- يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥- الأحزاب).
- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٢- التغابن ).
- قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٢٦- الملك).
- قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّى وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (٢٠) قُلْ إِنِّى لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١- الجن).
وينتقل الشيخ الأزهرى الجليل إلى حجة أخرى للإخوان وعموم الإسلاميين، وهى أن السنة النبوية «تمت كتابتها بعد حوالى مائة عام من وفاة سيدنا النبى»، تدعم فكرة الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية، فهل هذا صحيح؟
يرد عبدالرازق بالنفى، ويدعم رأيه بأحاديث تؤكد أن النبى لم يكن حاكمًا ولا ملكًا، إنما زعيم دينى فقط لا غير:
- أتى النَّبىَّ، صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، رجلٌ، فَكَلَّمَهُ، فجَعلَ ترعدُ فرائصُهُ، فقالَ لَهُ: هوِّن عليكَ، فإنِّى لستُ بملِكٍ، إنَّما أَنا ابنُ امرأةٍ تأكُلُ القَديدَ. الراوى: عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبومسعود وأخرجه ابن ماجة.
- عن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: جلس جبريل إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى السماء، فإذا ملَك ينزل، فقال له جبريل: هذا الملك ما نزل منذ خُلِق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلنى إليك ربك: أملِكًا أجعلك أمْ عبدًا رسولًا؟، قال له جبريل: تواضع لربك يا محمد، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: بل عبدًا رسولًا «أحمد».
- وكثيرًا ما كان يدعو ربه قائلًا: اللهم أحينى مسكينًَا، وأمتنى مسكينًَا، واحشرنى فى زمرة المساكين «الترمذى».
ويضيف الشيخ الأزهرى دليلًا آخر، وهو استحالة أن تصبح للعالم كله حكومة واحدة وسياسة مشتركة موحدة، فذلك مما يوشك أن يكون خارجًا عن الطبيعة البشرية، ولا تتعلق به إرادة الله:
- وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (هود- ١١٨).
- وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٢٥١- البقرة).
* قال النبى: أنتم أعلم بشئون دنياكم.. رواه مسلم.
ما تراه أحيانًا فى سيرة النبى فيبدو لك كأنه عمل حكومى، ومظهر للمُلك والدولة، فإنك إذا تأملت لم تجده كذلك، بل هو وسيلة.. لجأ إليها النبى لتثبيت للدين، وتأييدًا للدعوة وليس عجيبًا أن يكون الجهاد وسيلة من تلكم الوسائل... النبى لم يُغيّر النظام الإدارى والقضائى لأى قبيلة اعتنقت الإسلام ولا تدخل فى العلاقات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الوحدات، لم يُعين واليًا ولم يعزل واليًا ولا عيّن قاضيًا، بل ترك لهم كل الشئون.
كانت وحدة العرب فى عهد الرسول وحدة دينية وليست سياسية، وكانت زعامة الرسول زعامة دينية وليست مدنية، وكان خضوعهم له خضوع عقيدة وإيمان لا خضوع لسلطان، ورحل دون أن يسمى أحدًا ولم يشر طوال حياته إلى شىء يسمى «دولة إسلامية» أو «دولة عربية».. الشيعة يقولون إن النبى سمى عليًا.. فكيف يفعل ذلك إذا كان من مهام النبوة أن يؤسس دولة؟
وطبيعى إلى درجة البداهة أنه لا توجد زعامة دينية بعد النبى.. وكان من أثر ذلك ما كان من تنافس المهاجرين والأنصار وكبار الصحابة بعضهم مع بعض، حتى تمت البيعة لأبى بكر، فكان هو أول مَلك فى الإسلام.. وهى بيعة سياسية مَلكية عليها طوابع الدولة المحدثة، وأنها إنما قامت كما تقوم الحكومات على أساس القوة والسيف. وهى لا تخرج عن كونها دولة عربية، أيدت سلطان العرب وروجت مصالح العرب ومكنت لهم فى أقطار الأرض، فاستعمروا استعمارًا واستغلوا خيرها استغلالًا، شأن الأمم القوية التى تتمكن من الفتح والاستعمار.
أبوبكر ليس زعيمًا دينيًا، ولم نستطع أن نعرف على وجه أكيد من ذلك الذى اخترع لأبى بكر لقب خليفة رسول الله، ولكن عرفنا أن أبا بكر أجازه وارتضاه ورفض فقط أن يكون خليفة الله، لكن خليفة رسول الله. وقد استفاد من هذا اللقب، فقد حمل جماعة من العرب والمسلمين للانقياد له دينيًا كانقيادهم لرسول الله وأن يراعوا مقامه الملكى.. لذلك كان الخروج على أبى بكر خروجًا على الدين وارتدادًا عن الإسلام، وتسمية الحروب وقتها «حروب الردة»، ولم يكونوا جميعهم مرتدين، بل فيهم من بقى على إسلامه، لكنه رفض أن ينضم إلى وحدة أبى بكر لسبب ما، من غير أن يرى فى هذا حرجًا عليه، ولا غضاضة فى دينه.. وإن كان يجب محاربتهم فإنما هى السياسة والدفاع عن وحدة العرب. وقد وجدنا من رفض بيعة أبى بكر، كعلى بن أبى طالب وسعد بن عبادة والأنصار ولم يعاملوا معاملة المرتدين ولا قيل ذلك عنهم.
لقد كان نزاعًا غير دينى، كان نزاعًا مع دولة عربية قادتها من قريش، ومع ذلك تم قتل مالك بن نويرة وطبخ خالد بن الوليد رأسه. ويشهد عمر بن الخطاب أن مالك مسلم ويقول لأبى بكر إن خالدًا قتل مسلمًا فاقتله، ويرد أبوبكر معترفًا بإسلام مالك «ما كنت أقتله، فإنه تأول فأخطأ». لم يكن مالك سوى ثائر على أبى بكر رافضًا ولايته، رافضًا طاعته ولكنه مسلم.
هنا يؤكد الشيخ الجليل أنه كان من مصلحة السلاطين أن يروجوا للخطأ بأن أبا بكر خليفة رسول الله، حتى يتخذوا من الدين دروعًا تحمى عروشهم وتذود عنها ضد الخارجين عليهم. وما زالوا يفعلون حتى أفهموا الناس أن طاعتهم من طاعة الله، وعصيانهم من عصيان الله.
بل ما كان الخلفاء ليكتفوا بذلك ولا ليرضوا بما رضى أبوبكر.. بل جعلوا السلطان خليفة الله مباشرة فى أرضه وظله الممدود على عباده. تلك جناية الملوك واستبدادهم بالمسلمين، اضلوهم عن الهدى وحجبوا عنهم مسالك النور باسم الدين، وباسم الدين استبدوا بهم وأذلوهم وحرموا عليهم النظر فى علوم السياسة.
انتهى عرض الأفكار الأساسية فى كتاب الشيخ على عبدالرازق «الإسلام وأصول الحكم»، وهو عالم أزهرى مثل الذين حكموا عليه، ومثل الذين يسيطرون على الأزهر فى كل زمان، لا فرق بينهم، والأهم لا قداسة لأى منهم. فالإسلام كما أعتقد لا يقدس أشخاصًا، ولكن يقدس القيم العليا، إذا اتبعها فلان فأهلًا وسهلًا وإذا خالفها فنحن غير ملزمين بتقليد أفعاله السيئة، أى أن المعيار هو القيمة العليا للإسلام. أما تقديس الأشخاص مهما كانوا فهذا اختراع من أرادوا أن يحوّلوا الإسلام إلى دولة وخلافة وملك ومطامع وصراعات ودماء.
كما أن الإسلام ليست فيه مؤسسات دينية وليس فيه كهنوت، ومن ثم فالفيصل بين رأى هذا الأزهرى أو ذاك مهما كان منصبه أن يكون مقنعًا لك أم لا، أن يكون متوافقًا مع القيم التى لا خلاف عليها من الحرية والعدل وغيرها. فلا يوجد إنسان على وجه الأرض معه توكيل من الله جل علاه بالتحدث باسم الإسلام.
هذا يوصلنا إلى الفكرة الأساسية وهى أن الإسلام لم يكن دولة فى عهد الرسول، وما جرى بعد ذلك ما هو إلا صراع على الملك لا علاقة له بالدين من بعيد أو قريب. ولذلك علينا أن نرفع من على كاهل هذا الدين العظيم هذه الأوزار والمطامع التى شوهته وما زالت حتى يومنا هذا، وأن نواجه هؤلاء الإرهابيين المسلحين وغير المسلحين عندما يصرخون فى وجوهنا:
أنت «مسلم نص نص». رد عليه وقل له إن الإسلام لا يخول ولا يعطى لأى إنسان الحق فى أن يحكم على غيره. فالمسلم المؤمن بالقيم الكلية العظيمة لهذا الدين، هو الذى ينشغل بأن يقيم دولة الله فى قلبه، وليس على الأرض. ومن يستخدم الدين للحكم على غيره والتحكم فى غيره من الناس ليس «مسلمًا» ولا علاقة له بالإسلام. وبالتالى تقول له بقوة «أنت لا علاقة لك بالإسلام».
إذا صرخ فى وجهك إرهابى قائلًا: أين دولة الإسلام يا كفرة، أين الخلافة؟
رد بكل قوة: أنت خائن للبلد لأن ولاءك ليس لها ولكن لدولة فى خيالك. قل له بحسم: إن الإسلام لم يكن فى الماضى دولة أو خلافة، ولا يجب أن يكون فى المستقبل، وإن من يؤمن بذلك هو خطر على الإسلام والمسلمين وعلى الإنسانية. ونحن نرفضه بشكل قاطع.
وقل له بحسم: دولة الإسلام التى نتمناها، هى بلدى مصر، التى أحلم بأن تكون «علمانية حرة ديمقراطية»، لكى يتساوى فيها كل الناس فى الحقوق والواجبات كما أمرنا الله. هى الدولة التى تحمى حق مواطنيها فى أن يختاروا ما يشاءون من أديان وأفكار. هى الدولة التى ليس لها دين، هى الدولة التى تحمى حقك وحقى فى الحرية والعدل والرفاهية.. هذه هى الدولة العظيمة التى يجب على المسلم فى أى مكان أن يبنيها.