رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراما الكراهية


لم أر نظرات الحب الحقيقية إلا على عتبات المقابر والمستشفيات، نحن أناس لا نتذكر من نحبهم إلا في النهاية.

ولكن لم يتذكر أحد أبطال الكراهية في مسلسلاتنا المصرية كم يحبون مَن هم على أعتاب المقابر وإنما ازدادت كراهيتهم في لحظة وداعهم!

تستحضرني جملة ديستوفيسكي 1878 لم يصور هذا الكم من الكراهية التي استطاع محمد سامي 2020 في أن يضخ سمومها في قلوب مشاهديه نحو الأخوة حامد البرنس.

جملة انطلقت من حلقي في أثناء متابعتي لمسلسل "البرنس" خاصة في الحلقة الـ30 تلك الأشد إيلاما من بين الحلقات المؤذية للنفس المحتوية على أكثر المؤامرات الإجرامية التي يستطيع فعلها إنسان للعدو وليس ضد أخيه.

لا أنكر أن القصة الكلاسيكية المتعارف عليها على مر العصور من حيث الصراع بين الأشقاء استنادًا إلى أول جرائم التاريخ في قتل الأخ لأخيه غيرة منه واسترضاء للأب الكبير كي ينظر إليه بعين الاعتبار والاهتمام، تكررت القصة بأركانها منذ فجر التاريخ متمثلة في القصص القرآني من خلال يوسف ابن يعقوب وإخوته والتي تكررت بدورها في قصص السلطة على مر التاريخ.

من أشهر قصص الكراهية التي نشأت بين الأخوة كانت رواية الروسي الخالد تيودور ديستوفيسكي في رواية "الإخوة كرمازوف" والصراع الذي نشأ بين أخوة غير أشقاء وأصغرهم "أليكسي" أو "أليوشا" الأقرب إلى قلب الأب وهو راهب في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ويعد النقيض لإخوته الأكبر من ديمتري وإيفان.

ولكن توقفت عند هذه النقطة في المقارنة لأجد أن كل من "الإخوة كرمازوف" أقل قسوة من ما أتابعه على شاشة التلفزيون في مسلسل مصري يحمل تيمة الكراهية بين الإخوة والغيرة والأحقاد والصراع على الإرث التي تسبب فيها الوالد من الأساس عن طريق تفضيله أحدهم عن الآخرين.

في مسلسل "خيانة عهد"، كل المشاهدين تعاطفوا مع يسرا وانتظروا الانتقام العادل من جانبها لأخويها غير الشقيقين والتي كانت أسبابهما واهية لفعل كل ما تقدمت به أنفسهم في حق شقيقتهم، ربما المعالجة الدرامية المختلفة قامت بتمهيد جيد وتقديم لما هو آت من أحداث، حتى يتشبع المُتلقي بالأسباب الكافية لدعم "عهد" وإدانة إخوتها.

أو هو السيناريو المتمهل الذي ينتظر أن يلاقي أثر الضربة التي وجهها من قبل كي يخطط لصدمة جديدة تصيب المشاهدين، كتب السيناريو الكاتب أحمد عادل كتجربة أولى وسط تجارب الكبار المتمكنين من طريقة كيف تؤكل قلوب المشاهد واستدرار دموعه ولكنه نجح في تنفيذ فكرة التمهل والكتابة على "نار هادية" لا تحرق الأحداث ولا أنها تبطئ في النتائج.

قدم محمد رمضان –ولأول مرة- بطولة هادئة وممتلئة بالصبر بخلاف نظرية البطل الأوحد الذي تدور من حوله مجريات الكون، كان هذا أحد أهم الأسباب لمتابعة المسلسل المثير الممتلئة جوانبه بالمشاعر الإنسانية المتناقضة وأحيانا المتفقة على الشر وقليلا منها عن الخير وإن ندر بخلاف شخصية محمد جمعة الذي يمثل عنصر الخير في ملحمة "الإخوة كرامازوف" المصرية، إذ أدى جمعة الممثل الموهوب بالفطرة دور الأب لابنة لم ينجبها من حيث الحب والاهتمام الذي أحاطها به حتى طغى هذا الشعور على شخصيته الحقيقية وكأنه تلبس حبه لها في واقع الأمر.