د. رامي عطا صديق
د. رامي عطا صديق يكتب: الأنبا موسى.. سفير المحبة
"25 مايو 1980م".. يوم مميز وعلامة فارقة في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في تاريخها الحديث والمعاصر، ففيه قام قداسة البابا شنوده الثالث (1971-2012م) برسامة نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقفًا عامًا للشباب، ليعلن بذلك ميلاد أسقفية الشباب التي تحتفل هذا العام بأربعين سنة على تأسيسها وأربعين سنة على رسامة أسقفها.
وأذكر هنا أن كثيرين كانوا يشكرون البابا شنوده الثالث على اهتمامه بخدمة الشباب، وكان البابا يرد من جانبه قائلًا: "كل ما عملته لكم هو أنني رسمت لكم الأنبا موسى أسقفًا".
يتمتع الأنبا موسى بمكانة خاصة ومتميزة في نفوس الكثيرين من المسيحيين وغيرهم، من الكبار والصغار، من داخل مصر وخارجها أيضًا، فهو نموذج لرجل الله الأمين الذي يجول في الأرض يصنع خيرًا وينشر أمنًا وسلامًا، تُعبر عنه بصدق تلك الآية التي قالها متي الإنجيلي عن السيد المسيح "قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفىء"، ففي كلماته ومقالاته، ومؤلفاته وعظاته، تستطيع أن تشعر بحضور الله والتلامس معه عن قرب، فهو كثيرًا ما يُدعم ويسند، يبارك ويشجع كل ما يبني الكنيسة وينهض بالوطن ويحقق السلام لكل العالم.
يتميز الأنبا موسى بصفات كثيرة، جميلة وطيبة، منها التواضع والبساطة، التسامح والحكمة، مُقدمًا محبة حقيقية للجميع دون تفرقة ودون تمييز، كما أنه يتصف بالنظام والتخطيط بعيدًا عن العشوائية والتشويش، حين تتصل به أو تقابله تشعر وكأنك أمام راهب حقيقي جاء من زمن بعيد، يعيش حياة "الشركة" والعمل الجماعي مع كل من يخدم تحت قيادته ويتطوع للعمل معه، وربما لا أبالغ إذا قلت إنني حين أقابل الأنبا موسى وأتحدث معه، كأنني قابلت السيد المسيح مُتجسدًا أمامي مرة ثانية، فهو بحق نور للعالم وملح للأرض، خميرة مقدسة ورائحة بخور زكية، عظة حية، وسفير أمين عن المسيح ورسالته السماوية.
يهتم نيافة الأنبا موسى بخدمة الشباب وافتقادهم، داخل مصر وخارجها، يعمل من أجل تثقيفهم والارتقاء بهم في مختلف المجالات، الكنسية والعامة، حيث الشخصية المتكاملة عقليًا وجسديًا ونفسيًا، روحيًا واجتماعيًا.
وهو يحثهم على الانتماء للوطن والإبداع في التفكير عند التعامل مع مختلف المشكلات والأزمات، فقد أسس خدمة المجموعات المتخصصة بأسقفية الشباب، ومنها: مجموعة الحياة الكنسية ومجموعة المشاركة الوطنية ومجموعة التنمية الثقافية ومجموعة التنمية الاقتصادية، وغيرها، وهي مجموعات متخصصة في قضاياها وموضوعاتها، يحاضر فيها متخصصون، من المسيحيين والمسلمين على السواء.
يتميز الأنبا موسى بأنه واعظ متميز، له حضور قوي، حيث يقدم عظاته بطريقة جذابة وشائقة، تجذب كثيرين لسماعه دون الشعور بفتور أو ملل من كلماته التي تحمل خبرات روحية عميقة وثقافة إنسانية واسعة.
يرى نيافة الأنبا موسى أن للإنسان مجموعة من دوائر الانتماء، الأسرة- الكنيسة- المجتمع الوطن- العالم الإنساني، وهو كثيرًا ما يحث الشباب على حب الوطن والانتماء إليه، وعضوية الأحزاب السياسية، والمشاركة في الانتخابات المختلفة دون توجيههم في اتجاه بعينه، ويطلب منهم أن ينشطوا في الجمعيات الأهلية ومؤسساتها، وغيرها من قنوات المشاركة في مجالات العمل العام، حيث يرفض بشكل قاطع انعزال الشباب القبطي عن المجال العام، ويحثهم على الحضور والاندماج مع غيرهم من شركاء الوطن، وهو دائمًا ما يردد مقولته الشهيرة "زامل الكل وصادق من يبنيك"، ويطالب الشباب "بالمرونة القوية" ومحبة الجميع على الرغم من أي اختلاف، وهكذا استطاع نيافة الأنبا موسى أن يخرج بشباب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى رحاب الوطن الواسع.
ويؤمن نيافة الأنبا موسى بثقافة الحوار، مع المختلفين في المذهب الديني داخل الدين الواحد، ومع المختلفين أيضًا في الدين، ومن ذلك أن نيافته يشجع الحوار المسكوني، كما أنه يرعى صالون المشاركة الوطنية الذي ينظم لقاءً شهريًا بمقر أسقفية الشباب بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ويحضره كثيرون من رموز الثقافة والفكر في الوطن، من مختلف التيارات والانتماءات الأيديولوجية، إيمانًا منه بوطن واحد ومصير مشترك.
لنيافة الأنبا موسى مواقف وطنية كثيرة، ومن ذلك تأييده لدور الشباب في ثورة 25 يناير 2011م، منذ الأيام الأولى لاندلاعها، وله مقالتان شهيرتان نشرهما في جريدتي (المصري اليوم) و(الشروق) هما: "تسونامي الشباب المصري" و"مصر تولد من جديد"، كما كان من مؤيدي ثورة 30 يونيو 2013م، انطلاقًا من إيمانه بضرورة حضور كافة تيارات المجتمع المصري في المشهد الوطني، ورفضه لاستئثار أحد التيارات بالعمل العام.
كان من الطبيعي أن يرتبط نيافة الأنبا موسى بعلاقة طيبة وصداقة قوية مع الكثير من رموز الوطن، من المثقفين والمفكرين، بالإضافة إلى الكثير من مسئولي الدولة، الذين يجلونه كثيرًا ويقدرون حكمته في مختلف المواقف، بعيدًا عن الاصطدام والعنف والتعصب أو التشدد.
يتميز الأنبا موسى بأنه محبوب من قطاعات كبيرة من الشباب، فهو يقدرهم ويشجعهم ويهتم بمستقبلهم، وأتذكر هنا أن قداسة البابا شنوده الثالث قال في أحد احتفالات أسقفية الشباب "كنيسة بلا شباب هي كنيسة بلا مستقبل"، وكان تعليق نيافة الأنبا موسى أن "شباب بلا كنيسة هم أيضًا شباب بلا مستقبل"، ويأتي ذلك من منطلق إيمانه بأن الشخصية المتكاملة تنجح في مختلف جوانبها وعلاقاتها: الروحية والاجتماعية والثقافية والنفسية والعقلية، مؤمنًا بما قاله الإنجيل عن السيد المسيح "وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس".
والواقع أن الاهتمام بالشباب هو اهتمام أصيل في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بدأه الآباء الأولون، ويواصله اليوم قداسة البابا تواضروس الثاني، الذي يهتم بالشباب وخدمتهم ورعايتهم باعتبارهم نواة الكنيسة ويمثلون كل المستقبل.
سيدي نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى.. كل عام ونيافتك في محبة وفرح وخير وسلام، طالبًا من الله أن يمنحك الصحة والعافية والمزيد من العمر ليستمر عطاؤك وتستمر خدمتك للكنيسة والوطن.. "فيتجدد مثل النسر شبابك".