رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طهاة موائد الرحمن بعد منعها: زعلانين على الثواب.. وربنا هيرزقنا

مائدة الرحمن
مائدة الرحمن

ظلت مائدة الرحمن هي واحدة من مراسم ونفحات شهر رمضان المبارك التي يتجلى بها مظاهر الإيمان والإنسانية والمسارعة إلى الثواب من عند الله بهذا الشهر المبارك، وكما مثلت هذه الموائد ملاذًا للفقراء والمساكين وغير القادرين وكذا من لم يسعفه الطريق للإفطار بمنزله للحصول على وجبة إفطار رزقها بهم الله وحده بعد عناء الصيام طوال اليوم، فمثلت تلك الموائد بابًا للرزق أيضًا للعاملين بها من الطهاة لذين وجدوا السعادة في طهي الطعام للصائمين وإفطارهم للحصول على ثواب الآخرة، بالإضافة إلى ثوابهم في الدنيا من مقابل مادي بسيط يكفيهم إلى عيد الفطر فيأتي بمثابة "العيدية" لهم ولأسرهم.

ومع انتشار فيروس "كورونا" واتخاذ الدولة للأساليب الاحترازية لعدم الإصابة به، من منع لتجمعات وخلافه وبالتالي منع موائد الرحمن، كان لهذا أثر في نفوس جميع المصريين كما كان أثره في هؤلاء الطهاة الذين ينتظرون تلك الموائد من العام إلى العام، فهي فرصتهم للرزق الموسمي بهذا الشهر الكريم.. تواصلت "الدستور" مع عدد من طهاة موائد الرحمن الذين تأثروا بغيابها هذا العام عقب انتشار فيروس "كورونا" المستجد..

الشيف محمد أحمد:"مش زعلان على الفلوس.. أنا زعلان على الثواب"

"مش زعلان على الفلوس أنا زعلان على الثواب"، يقولها الشيف سيد محمد أحمد 62 عامًا، والذي اعتاد لمدة 10 سنوات على المشاركة بأعمال موائد الرحمن في شهر رمضان المعظم موضحًا أنه فقد لذة الشعور بالثواب نظير مشاركته في إفطار عددًا كبيرًا من الصائمين خلال شهر رمضان المبارك بهذا العام، موضحًا أنه كان يعمل بتلك الموائد مستمتعًا بطهيه الطعام للفقراء والمحتاجين والكثير من أصحاب المهن الحرفية" الشقيانين" الذين في الغالب هم مغتربين، ولا يستطيعون الإفطار بمنازلهم نظرًا لظروف أعمالهم.

يقول كنت أحب شعوري وأنا بخدم أهل المنطقة وكل محتاج في هذا الشهر الفضيل، كنت أنتظر دعوة صادقة من لسان صائم شرفت بإفطاره، مؤكدًا أنه كان يشارك بمائدة الرحمن كل عام في إفطار ما لا يقل عن 500 فردًا، وكان يتولد لديه شعور رائع بالسعادة والرضا والتقرب من الله عندما يفعل هذا، وتلك هي المشاعر التي حزن على افتقادها هذا العام، والتي رآها خسارته الحقيقية أكثر من العائد المادي الذي كان يحصل عليه جراء مشاركته بتلك الموائد، موضحًا أنه بالطبع تأثر بإلغاء موائد الرحمن ماديًا، ولكن على الرغم من ذلك فإن خسارة الطقس الروحاني الذي كانت تضيفه مشاركته بتلك الموائد هي الخسارة الأكبر في نفسه، واختتم حديثه قائلًا: "أنا متأكد إن ربنا حايزيح الغمة دي ويبعد عنا الوباء ده قريب، وترجع أيامنا الحلوة تاني".

السبع محمد السبع: "كنت باستنى فلوسها علشان أجيب لولادي اللي عايزينه"

رغم تجاوزه للستين من عمره كانت موائد الرحمن هي مصدر الدخل الوحيد الموسمي للحاج السبع محمد السبع 67 عامًا، من كفر الشيخ، فهو يعتبرها باب الشهر الفضيل الواسع للرزق والذي به يعوض أيامًا صعبة شهدها هو وأولاده طوال العام لضيق ذات اليد يصيبهم أغلب أيام العام، فيقول "توفيت زوجتي منذ 5 أعوام وأعيش أنا وأولادي الاثنين "وائل وأحمد" خريجي دبلومات التجارة والصنايع، وأحاول مساعدتهما حتى لا أكون عبئًا ماديًا عليهم، فكل منهما يحاول ادخار نفقاته استعدادًا لتكاليف الزواج".

ويوضح السبع أنه كان يحصل على عائد مادي لا بأس به نظير مشاركته بالعمل في موائد الرحمن خاصة بالعشر الأواخر من الشهر، والتي كان يعتكف فيها عدد كبير من المواطنين داخل المسجد، فكان العائد من 1300 جنيهًا إلى 1500 جنيهًا، مشيرًا إلى أنه كان عقب حصوله على هذا المبلغ يعود به إلى أبنائه لشراء ما يحتاجونه من ملابس لعيد الفطر واحتياجات، ويؤكد أن سعادته تتمثل في أن يرى الفرحة بعيونهم في هذه اللحظات، فكانت تمنحه هذه اللحظات شعورًا بسعادة ودفء لمشاعر الأبوة، بالإضافة إلى أن عمله بتلك الموائد كان يشعره أنه مازال يستطيع العمل، والإنفاق على أبنائه بل وإدخال السرور عليهم.

وبالإضافة إلى هذا يصف الحاج السبع شعوره أثناء عمله كل عام بموائد الرحمن وإفطاره للصائمين ثم إفطاره هو يقول"كنت أجد سعادة لا توصف أثناء إفطاري للصائمين"، مؤكدًا أنه لم يفطر لعدة سنوات بمنزله بل كان يفطر مع المواطنين بمائدة الرحمن بعد التأكد أن كل منهم أفطر.

أما عن الحال هذا العام يقول "السنة دي مفيش حاجة من الحاجات دي حاتحصل، وربنا معانا هو الرزاق"، موضحًا أن انتشار فيروس كورونا وما تبعه من إلغاء على لجميع التجمعات، ومنها موائد الرحمن، تسبب بالطبع في حزن كبير من جميع من اعتاد المشاركة بها، وكذلك حزن الكثير ممن كان يستفيد من هذه الموائد من فقراء ومساكين، والذين كانوا يجدون تلك الموائد إحدى نفحات الشهر المبارك التي يمن الله بها عليهم وأحد أبواب رزقه.

وعلى الرغم من هذا يوضح السبع أنه يؤيد قرارات الدولة بعدم التجمع تجنبًا للإصابة بفيروس "كورونا" كامل التأييد مؤكدًا أنه من الأفضل أن نستغنى هذا العام عن موائد الرحمن أفضل من أن نستغنى عن أرواح وأرواح لمواطنين كثر من أبنائنا وأهلنا بسبب هذا الفيروس.

الشيف أسامة السيوفي: "لم نتأثر وبنوصل الأكل دليفري"

على العكس من هذا أكد الشيف أسامة السيوفي 52 عامًا، أنه يعمل بأحد الجمعيات الخيرية الشهيرة مقابل أجر يحصل عليه، ولم يتأثر وضعه بعد أزمة "كورونا" على الإطلاق سوى أن تغير طريقة العمل فبعد أن كان يطهو الطعام ويجهزه للصائمين للإفطار على مائدة الرحمن، أصبح يعد هو وزملاؤه وجبات ساخنة، وتوصيلها إلى الفقراء والمساكين، وتوزيعها عليهم وهم بأماكنهم دون تجمعات على الإطلاق مؤكدًا أن تلك الطريقة هي الأنسب في ظل الظروف التي نعيشها، وذلك من أجل الحفاظ على صحة الجميع، حتى تنتهي هذه الأزمة.

الحاج عبد الله: "كانت فاتحة خير علينا"

أما الحاج عبد الله أحمد 62 عامًا من منطقة العصافرة بمدينة الإسكندرية ولديه ثلاثة من الأبناء، وهو واحد من الذين ينتظرون شهر رمضان كل عام بفارغ الصبر لينالوا قسطًا من رزقه بالعمل بموائد الرحمن، التي كانت تضمن لهم توفير دخل ربما لم يستطيعوا توفيره بأيام العام الأخرى، فكانت تمثل لهم كما قال "فاتحة خير" عليه وعلى غيره، مؤكدًا أنه طول العام "على باب الله"، ليست له وظيفة محددة فهو يعمل أي عمل يدر عليه مايكفيه قوت يومه هو وأولاده فقط يقول" ممكن أوصل لحد طلب أو أروح مشوار"، موضحًا أنه يعمل بشهر رمضان كل عام بموائد مسجد سيدي المرسي أبو العباس الذي يتهافت عليه الكثير من فقراء ومساكين وأصحاب أعمال شاقة لم يتمكنوا من إفطارهم بمنازلهم، لتناول الإفطار على موائده.

ويوضح أن إلغاء موائد الرحمن هذا العام تسبب له بأزمة كبيرة" مش عارف حاعمل إيه" فلا يوجد إلى الآن أي طلبات للمشاركة في طهي طعام استعدادًا لتوزيعه على الصائمين في رمضان، ويوضح أنه على استعداد للعمل بأيٍ من الأعمال التي ممكن أن تعوض له خسارته بموائد الرحمن، "ياريت لو اشتغل بأي شغلانة حتى ولو بربع الأجر علشان أصرف على أولادي في الشهر ده"، يقولها الحاج عبد الله، مع تأكيده على أن قرار منع موائد الرحمن على الرغم من تسببه في غلق باب للرزق له ولغيره بهذا الشهر الكريم، إلا أنه بالطبع هو القرار الصائب بهذه الأوقات "لازم كلنا نستحمل علشان نعدي من أزمة الفيروس دي".

الشيف عبد المقصود: "كله يهون علشان نخلص من الفيروس"

كذلك أكد الشيف عبد المقصود شكر 50 عامًا، والذي يعمل شيفًا بأحد الشركات بمحافظة كفر الشيخ، أنه اعتاد أن يحصل على إجازة كل عام من شركته للعمل بموائد الرحمن بعدد من المساجد في محافظته كفر الشيخ مؤكدًا أنه لاينكر أن إلغاء موائد الرحمن هذا العام قد أثر عليه، وعلى أسرته بالغ الأثر خاصة أنه كان يعمل بخمس موائد رحمن تقريبًا كل عام، مما كان يدر عليه مبلغًا لابأس به يستطيع من خلاله الإنفاق على أبنائه وأسرته وشراء مستلزمات عيد الفطر المبارك لهم، موضحًا أن عمله بموائد الرحمن كان يشعره بجو من الروحانيات لا يوصف.

كما أشار عباد المقصود أنه كان يكون صداقات مع بعض الصائمين الذين اعتادوا على الذهاب إلى الموائد التي كان يعمل بها، والذين كانوا يثنون على طهيه للطعام مما كان يشعره بالبهجة، موضحًا أن الأمر اختلف تمامًا هذا العام فقد افتقد هذه الأجواء الرمضانية جميعها، والتي مثلت يها موائد الرحمن العرس الذي يتسابق فيه محبي الرحمن لخدمة ضيوفه.

ويشير عبد المقصود إلى أن كل هذا يهون أمام صحة المصريين، حيث إذا رأى حاليًا أي مائدة رحمن مقامة سيقوم هو بنفسه بالإبلاغ الفوري عنها، نظرًا لأننا جميعًا في حاجة إلى تنفيذ جميع تعليمات الدولة والالتزا م بها لعبور تلك الأزمة التي تمر بها البلاد بسبب انتشار فيروس"كورونا".

الحاج علي: "ربنا هيررزقنا"

أما الحاج علي أحمد 60 عامًا من البحيرة، يقول "أعمل طوال العام بشواء السمك واسترزق من هذه المهنة القليل الذي بالكاد يكفيني أنا وأسرتي، وانتظر رمضان كل عام للمشاركة في موائد الرحمن، حيث أحصل من خلال المشاركة على بعض الأموال التي تعينني وكذلك دعو ات أهل منطقتي التي أتبرك بها".

ويتابع: "الوضع هذا العام اختلف تمامًا بعد إلغاء تلك الموائد، فلا مصدر ثابت للرزق في شهر رمضان هذا العام، إلا أنني أتفاءل بأن الله لن يتركنا، وسيرزقنا أضعاف أضعاف ما كنا نحلم به"،ويواصل: المصريون جميعًا لابد أن يتكاتفوا للمرور من هذه الأزمة التي يمر بها العالم، ونتصدى لتجنب الإصابة بوباء الكورونا اللعين.


أول من أقام مائدة فى شهر رمضان هو الخليفة العزيز بالله الفاطمى

يذكر أنه بحسب كتاب "دليل الأوائل" للدكتور إبراهيم مرزوق، فإن أول من أقام مائدة فى شهر رمضان هو الخليفة العزيز بالله الفاطمى، وأقامها ليفطر منها أهل جامع عمرو بن العاص، وفى زمن الخليفة العزيز بالله كان يخرج من مطبخ القصر على مدار شهر رمضان 1100 قدر يوميا، تحتوى ألوانا مختلفة من الطعام لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين عند الإفطار، وحملت مائدة الرحمن فى البداية اسم "دار الفطرة"، وبحسب كتاب "ابن تغرى بردى - مؤرخ مصر فى العصر المملوكى - جزء - 4 سلسلة أعلام المؤرخين" للدكتور محمد حسين شمس الدين، على لسان تقى الدين المقريزى، فإن دار الفطرة كانت خارج القصر قبالة باب الديلم ومشهد الحسين، ومحلها اليوم الدور الواقعة بالقرب من جامع الحسين اتجاه بوابة الباب الأخضر.

الإحصائيات: موائد الرحمن كانت توفر 100 مليون وجبة خلال الشهر

ومن الجدير بالذكر أن أحدث الإحصائيات تشير إلى أن موائد الرحمن على امتداد مصر كانت تضخ نحو 100 مليون وجبة خلال الشهر، ولا يقل المتوسط العام للمستفيدين عن 90 مليون مفطر طوال رمضان.

وأن المتوسط الأدنى لتكلفة إطعام الفرد نحو خمسة عشر جنيها فى أقل مستويات تلك الموائد وأكثرها تواضعا، تقفز إلى أكثر من 100 جنيه في بعض النماذج الفاخرة، وهناك تفاوت بين نوعيات الأطعمة وكمياتها ودرجات الخدمة التى تتدرج من عوام المتطوعين إلى الطابع الفندقى والطهاة المحترفين.

بين مليارين وخمسة مليارات جنيه.. تكلفة موائد الرحمن

وعن التقديرات للتكُلفة الإجمالية لتلك الموائد السنوية الضخمة، فإنها تتراوح بين مليارين وخمسة مليارات جنيه، أي ما لا يقل عن ثلاثة مليارات جنيه وفق المتوسط الحسابي للقيمتين التقديريتين.

وبحسب معلومات أوردتها محافظة القاهرة عبر البوابة الإلكترونية للحكومة، وهي منسوبة إلى دراسات وإحصاءات أعدتها جامعة الأزهر، فإن مصر تشهد خلال شهر رمضان نحو 40 ألف مائدة تُطعم 3 ملايين صائم في المتوسط، بمتوسط تكلفة يومية بين 75 و170 مليون جنيه وفق التقديرات وأسعار السوق، منها 20 ألفًا في العاصمة يزورها نحو مليون شخص بنفقات يومية تتجاوز مليار جنيه.