رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السادات وحافظ الأسد [3]


تمَ هذا الاتفاقِ بعدَ وقفِ إطلاقِ النارِ بينَ مصرَ وإسرائيلَ كختامٍ لحربِ أكتوبرَ 1973، وكانَ مهندسُ هذا الاتفاقِ، وزيرُ الخارجيةِ الأمريكي هنري كيسنجرْ، بعدُ زياراتهِ المكوكيةِ بينَ أسوان، حيثُ يقيمُ الساداتْ في فترةِ الشتاءِ، وتلَ أبيبَ، حيثُ الحكومةُ الإسرائيليةُ، وهيَ المفاوضاتُ التي شهدتْ بكاءً الجمسي، وقصتهُ كما يرويها وزيرُ الخارجيةِ وقتئذٍ إسماعيلْ فهمي في مذكراتهِ " التفاوضَ منْ أجلِ السلامِ في الشرقِ الأوسطِ "، حيث يقول: "جلسنا في محادثاتٍ حادةٍ وسريةٍ لمدةِ ساعتينِ، وأبلغَ كيسنجرْ الحاضرينَ ببنودِ الاتفاقِ الذي توصلَ إليهِ معَ الساداتْ حولَ مسائلَ عسكريةٍ، وكانَ الساداتْ قدْ وافقَ فجأةِ على قصرِ الوجودِ العسكريِ المصريِ على الجانبِ الشرقيِ للقناةِ على 7 آلافِ رجلٍ و30 دبابةٍ، وبهذا أدهشَ الجميعَ بمنْ فيهمْ كيسنجرْ والإسرائيليون. يقول الجمسي : «في الواقعِ كانَ كيسنجرْ يقولُ طوالَ الوقتِ إنَ الساداتْ لنْ يرضى فيما هوَ مرجحٌ بأقلَ منْ 250 دبابةٍ» ، ويؤكدَ : «انزعجَ الجمسي الذي لمْ يؤخذْ رأيهُ، وشعرَ بأنَ شرفهُ وشرفُ الجيشِ المصريِ تعرضا لإذلالٍ شديدٍ، فاغرورقتْ عيناهُ بالدموعِ، ونهضَ على الفورِ منْ مقعدهِ، وتراجعَ إلى ركنٍ قصيٍ في القاعةِ وبدأَ يبكي، وشاهدهُ الجميعُ وبدءوا يتململونَ، وتأثرتْ مشاعرُ الوفدِ المصريِ الذي كانَ يشعرُ بشعورِ الجمسي، وشحبَ لونُ كيسنجرْ وظلَ يدمدمْ قائلاً: ما الخطأُ الذي قلتهُ ؟، وعندما عادَ الجمسي إلى المائدةِ صامتًا كسيرًا بدأَ كيسنجرْ يغرقهُ بمديحٍ مسرفٍ".
في دمشقَ كانَ الغضبُ شديدا، وعبرَ عنهُ الأسدُ في اتصالهِ، وحسبً باتريك سيلٍ قالَ الأسد للسادات:
"إنَ ذلكَ يعني أنَ إسرائيلَ ستنقلُ إلى جبهتنا كلَ دبابةِ وكلَ مدفعِ لها في سيناء، فردٌ الساداتْ: لا تقلقُ سآتي لأراكِ غدا، فردٌ الأسدِ: أهلاً وسهلاً ، لكنْ يجبُ أنْ تدركَ خطورةُ توقيعِ مثلٍ هذهِ الاتفاقيةِ".
وفي 19 ينايرَ 1974، طارَ الساداتْ على رأسِ وفدٍ إلى دمشقَ، وحسبً باتريك سيلٍ أيضا: "جابههمْ الأسدُ بوجهٍ كالصخرِ، مقطب الجبينِ، ومعهُ وفدُ عبرِ طاولةٍ في غرفةِ المفاوضاتِ والمؤتمراتِ بالمطارِ، واستمرَ اللقاءُ تسعَ ساعاتٍ، وافتتحهُ الساداتْ بلهجةٍ منْ التحدي. . فسألَ: وماذا تعني بقولكَ إنني أدخلَ في اتفاقياتٍ ثنائيةٍ محضةٍ؟ ردُ الأسدِ: أعني أنَ مصرَ تتركُ المعركةُ، وتابعَ: إنَ القواتِ الإسرائيليةَ المواجهةَ لكمْ الآنِ ستنقلُ إلى الجولان.. ردُ الساداتْ: ولكنى ملتزمٍ بسوريا، وسأظلُ كذلكَ دائما". يضيفَ "سيل": «في بادئٍ الأمرِ دعا الأسدِ أعضاءَ الوفدِ السوريِ للكلامِ، وعندما جاءَ دورهُ بدأَ يشرحُ مفهومهُ للالتزامِ بلهجةٍ مليئةٍ بالعاطفةِ الجياشةِ، فقالَ: هناكَ بلدانٌ عديدةٌ ملتزمةٌ بسوريا، بمعنى أنها تدينُ العدوانَ والاحتلالَ الإسرائيليَ، وباتفاقيةِ فصلِ القواتِ ستصبحُ مصرُ مجردَ دولةٍ أخرى تقدم لسوريا التعاطفَ ولا شيءَ سواهُ، ومثلَ هذا الالتزامِ الفاترِ منْ مصرِ غيرِ مقبولٍ، فالجيشُ المصريُ يجبُ أنْ يبقى في الميدانِ ، فقدْ ألزمنا أنفسنا بخوضِ الحربِ معا ، وقاتلنا معا، فكيفَ تغيرتْ الأشياءُ الآنَ؟».
يواصلَ "سيل": "بعدٌ مناقشاتٍ طويلةٍ لكنها غيرُ حاسمةٍ، اقترحَ الساداتْ أنْ ينسحبَ الوفدانِ ويتركاهُ والأسد وحيدينَ..
واستمرتْ المشاحناتُ الكلاميةُ، وسألَ الأسدُ: هلْ كانَ صحيحا أنَ قناةَ السويسِ سيعادُ فتحها وأنَ إسرائيلَ سيسمحُ لها باستخدامها؟ ضحكَ الساداتْ، وقالَ لهُ: هلْ تصدقُ ما تقرأُ في الصحفِ؟ إنني أريدُ أنْ أخدعَ إسرائيلُ، إنني لا أنوي فتحُ القناةَ، "تمَ فتحها يومَ 5 يونيو 1975"، ويضيفَ "سيل": "عادَ الأسدِ إلى همهِ الأساسيِ فقالَ للساداتِ: إذا كنتُ تعتقدُ أنني أريدُ أنْ تبقى في الميدانِ لأنني خائفٌ منْ القتالِ وحدي فأنتَ مخطئٌ، فالموضوعُ ليسَ موضوعُ خوفٍ، بلْ إنَ المسألةَ هيَ أني لنْ أستطيعَ تبريرُ حركتكَ للرأي العامِ العربيِ، وهذا سيؤدي بالتأكيدِ لفقدانِ الثقةِ، لماذا أنتَ في عجلةٍ لتحقيقِ فصلِ القواتِ؟ ألا يمكنكَ أنْ تبقى نقطةُ مواجهةٍ واحدةٍ؟، ربما وحدةً واحدةً على الجبهةِ، إنَ هذا سيكونُ على الأقلِ إشارةً للإسرائيليينَ والعربِ بأنْ مصر في المعركة.