رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما بين الحظر والإباحة


تتجه كل المؤشرات إلى أن هناك توجهًا من أجهزة الدولة للتعايش مع فيروس كورونا اعتبارًا من شهر يونيو المقبل وهو توجه فرضه العديد من المعطيات لعل من أهمها عدم الالتزام الحقيقى من المواطنين بتعليمات الحظر التى فرضتها الدولة خلال الشهرين الماضيين.. الأمر الذى أدى إلى زيادة أعداد المصابين بهذا الفيروس بشكل مضطرد ومتسارع.. من ناحية أخرى فإن هناك العديد من رجال الأعمال والصناعة والقطاع الخاص يفكرون جديًا فى تقليص العاملين لديهم أو تقليل رواتبهم....ناهيك عن ذلك العبء الكبير الذى تتحمله جميع أجهزة الدولة الاقتصادية والتنفيذية والأمنية.. كل هذا بالإضافة الى عدم وجود مؤشرات حقيقية توضح نهاية انتشار هذا الفيروس أو الحد منه بالشكل الذى يسمح بأن تعود الحياة إلى طبيعتها.
ومن الواضح أن هذا التوجه لن يكون مقصورًا على الدولة المصرية فقط، بل سوف يشمل معظم الدول التى تعرضت لتلك الهجمة الشرسة لفيروس "كورونا المستجد" وأن هذا التعايش قد يمتد لفترة زمنية قد لا تكون قصيرة ومن الطبيعى عدم تحمل اقتصاديات تلك الدول، أيًا ما كانت قدرتها على تحمل التكاليف أو مواجهة نزيف الخسائر المتتالية جراء الأزمة الاقتصادية الناجمة عن هذا الوباء والتى تعدت حدود تلك الأزمة التى تعرض لها الاقتصاد العالمى فى 2008 والتى امتدت من الولايات المتحدة الأمريكية إلى القارة الأوروبية،  حيث إن الأزمة الحالية قد تعدت الحدود وشملت اقتصاديات العالم كله تقريباً وفى توقيت متزامن.
مما لاشك فيه أن هذا التوجه الذى تدرسه الدولة حالياً لا بد أن يكون مصاحبًا له العديد من الضوابط الحازمة والإجراءات الاحترازية اللازمة لمحاصرة انتشار الفيروس، خاصة أنه مع مرور الأيام بدأنا نرى ذلك الاستخفاف وتلك الاستهانة بالإجراءات التى أعلنت عنها الدولة فى بداية مشوار المواجهة، وبدأت الفورة تخف ومساحات التعقيم تتضاءل واستخدام المطهرات يقل.. بل إنه مع بداية شهر رمضان المبارك وجدنا أن التجمعات الشبابية تتزايد فى فترات ما قبل الإفطار وما بعده.. كذلك لم تتوقف الزيارات العائلية ولقاءات الإفطار الجماعية خلال الأيام الحالية.
وهنا أيضًا يجب ألا نتجاهل تلك الحملات المسعورة لجماعة الإخوان الإرهابية والتى تسعى لتحقيق مكاسب سياسية من وراء تلك الأزمة، حيث قامت بدفع الشباب إلى القيام بمسيرات ومظاهرات اعتراضية على الإجراءات الحكومية مستغلين فى ذلك الأيديولوجية الدينية للمواطن المصرى البسيط الذى استشعر أن الدولة ترفض السماح له بممارسة حقوق العبادة خلال هذا الشهر الكريم، عندما قامت بإغلاق المساجد تحسبًا من انتشار المرض ويبدو أن تلك المحاولات لن تتوقف، حيث اعتادت تلك الجماعة أن تحقق نجاحاتها على كوارث الشعوب وتصيد الأخطاء لإظهار اخفاقات الحكومة فى مواجهة أزمة كورونا.
من هذا المنطلق فقد أصبح أمام الدولة طريقان لا ثالث لهما فى تلك المواجهة.. الطريق الأول هو تشديد إجراءات الحظر، بحيث يصبح حظرًا كليًا، وهو الأمر الذى بات من الصعب تنفيذه حاليًا بعد تلك المساحة الزمنية الاضافية التى منحتها الدولة للمواطنين حتى الساعة التاسعة مساءً واعتيادهم على ممارسة حياة شبه طبيعية اعتبارًا من بداية شهر رمضان...الطريق الثانى وهو الأقرب للتنفيذ هو عودة الحياة إلى طبيعتها مع وضع قواعد وضوابط وإجراءات احترازية معتبرة للحد من انتشار المرض.. بيد أن هذا الطريق سوف يلزم المواطن أيضًا بقيود معينة وقبول بالالتزامات التى سوف تفرضها الدولة عليه من قواعد وإجراءات وأن يخضع لاشتراطات الوقاية التى سوف يتم وضعها لدخول المؤسسات والهيئات والمصالح الخدمية والحكومية التى تتعامل مع الجمهور.. وأن هذا أيضًا يتطلب أن توفر الدولة لهم الأدوات اللازمة للحماية والمتابعة والإجراءات التى سوف تتخذ فى حال ما إذا ثبت أن هناك حالة أو أكثر قد تعرضت للإصابة بالفيروس فى إحدى تلك الجهات.
إن هذه الخطوات تتطلب حسابات دقيقة للغاية وإعدادات وتجهيزات كاملة ووافية، فمثل هذه الخطوات لا تتحمل المجازفة.. وها نحن فى الانتظار.
وتحيا مصر.....