الرسول في مصر «18»
محمد الباز يكتب: القصة الكاملة لـ«الخالدون مائة أعظمهم محمد»؟
يظل أنيس منصور- رغم مرور سنوات على رحيله- الكاتب الأكثر شهرة ولمعانًا وتوزيعًا فى تاريخ الكتابة المصرية، وقد لا يكون هذا لقيمة ما أنتجه من أفكار، بقدر ما كان لتفرده فى صياغة هذه الأفكار، وكذلك لتنوع اهتماماته. فمن الصعب أن تجد بابًا لم يطرقه أنيس بكتاب أو مقال أو تعليق فى حوار صحفى.
لم يحصل أنيس منصور على ما حصل عليه من فراغ، وأعتقد أنه صنع مجده لأنه كاتب محترف، ولأنه كذلك فإن هناك الكثير الذى يمكننا أن نأخذه عليه، ومن ذلك أنه كان يتقن صنعته للدرجة التى جعلته ينحرف عن الحقيقة سعيًا لحصد إعجاب قراء جدد.
لقد ظل أنيس منصور فى مرآة الإسلاميين كاتبًا منفلتًا، لا دين له ولا أخلاق عنده، حتى ظهر كتابه «الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم».
الظهور الأول لهذا الكتاب كان فى العام ١٩٧٨، وهو ليس من تأليف أنيس، بل مجرد ترجمة لكتاب العالم الفلكى الرياضى الأمريكى مايكل هارت «المائة.. تقويم لأعظم الناس أثرًا فى التاريخ».
حتمًا ستتوقف عند الفارق بين العنوانين، أنيس منصور يصيغ عنوانًا جديدًا للكتاب غير الذى وضعه مؤلفه، وكنا سنلتمس له العذر لو أنه سار على نهج العنوان وروحه ومعناه لكنه صاغه بطريقته، لكننا أمام معنيين مختلفين تمام الاختلاف.
فالعالم الأمريكى مايكل هارت عندما شرع فى تأليف كتابه كانت لديه فكرة محددة، فقد لاحظ أن من بين عشرات الألوف من ملايين البشر لم تذكر دوائر المعارف كلها سوى عشرين ألف شخص كان لهم أثر فى بلادهم، وفى البلاد الأخرى وفى التاريخ الإنسانى.
وقبل أن يحدد مائة شخصية كان لهم عظيم التأثير فى الإنسانية ليكونوا أبطال كتابه، استرجع ما قرأه عن الفيلسوف الفرنسى الكبير فولتير الذى كان يزور بريطانيا، ودارت أمامه مناقشة حول من هو الأعظم فى التاريخ، هل هو الإمبراطور الرومانى يوليوس قيصر أم القائد الإغريقى الإسكندر الأكبر، وهل هو القائد المغولى تيمور لنك، أم الزعيم البريطانى كرومويل؟
استمع فولتير من أحد الحاضرين أن أعظم الجميع هو العالم الرياضى البريطانى إسحاق نيوتن، ويومها رد على الجميع بأن نيوتن فعلًا أعظم لأنه يحكم عقولنا بالمنطق والصدق، وهؤلاء يستعبدون عقولنا بالعنف، ولذلك فهو يستحق عظيم الاحترام.
كانت أمام مايكل هارت مهمة شاقة، وهى وضع معايير محددة يختار على أساسها الشخصيات التى ستشكل عقد المائة الأكثر تأثيرًا، وبعد جهد توصل إليها.
أولًا: يجب أن تكون الشخصية حقيقية، فهناك شخصيات شهيرة وبعيدة الأثر، ولا أحد يعرف إن كانت قد عاشت أو لم تعش، مثل الحكيم الصينى لاوتس، لا أحد يعرف هل هو إنسان أم أسطورة، والشاعر الإغريقى هوميروس، لا أحد يعرف إن كان حقيقة، والشاعر الإغريقى أيسوب صاحب الأمثال والحكم، هو أيضًا لا نعرف إن كان قد عاش حقًا أم لا.
على هذا الأساس استبعد مايكل هارت الكثيرين ممن يملكون أسماء دون هويات معروفة من قائمة المؤثرين فى الإنسانية.
ثانيًا: أن تكون الشخصية معرفة وليست مجهلة، فالعالم يعيش على آثار الكثيرين من المجهولين دون أن يعرف أسماءهم، مثل أول من اكتشف النار، وأول من اخترع العجلات، وأول من اخترع الكتابة، لا بد أن هؤلاء كانوا عباقرة، وتركوا وراءهم آثارًا غيّرت البشرية كلها، لكن لا أحد يعرف لهم اسمًا.
وكان طبيعيًا أن يتم استبعاد هؤلاء أيضًا من قائمة مايكل هارت.
ثالثًا: لا بد أن تكون الشخصية عميقة الأثر، سواء كان هذا الأثر طيبًا أو خبيثًا.
هذا الأساس جعل من الطبيعى جدًا أن نجد فى قائمة مايكل هارت «هتلر»، لأنه عبقرية شريرة، ونجد عمر بن الخطاب لأنه عبقرية عملت من أجل الخير.
رابعًا: الأثر الذى يجب أن تتركه الشخصية لا بد أن يكون أثرًا عالميًا، إذ لا يكفى أن يكون لها أثر إقليمى.
لن تتعجب بالطبع عندما تجده وبناءً على هذا المعيار يستبعد كل الزعامات السياسية والدينية والمواهب العلمية التى لها أثر محلى فقط.
خامسًا: لا بد أن تكون الشخصية قد توفاها الله.
وهذا معيار فيه كثير من الحكمة، ولذلك فقد استبعد الأشخاص الأحياء مهما كانت آثارهم البالغة، فإن أحدًا لا يعرف بعد، كم تعيش آثارهم على بلادهم أو على الإنسانية، فالمستقبل غيب.
فكرة مايكل هارت واضحة إذن، وكما يقول هو عن فلسفته التى عمل بها: على أن أؤكد أن هذه لائحة لأكثر الناس تأثيرًا فى التاريخ وليست لائحة للعظماء، مثلًا يوجد مكان فى لائحتى لرجل مؤثر بدرجة كبيرة وشرير دون قلب مثل ستالين، ولا يوجد مكان للقديسة الأم كابرينى.
كل ما أراده الكاتب الأمريكى ضيعه أنيس منصور بعنوانه الأول «الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم».. وكانت طبعة الكتاب الأولى قد صدرت عن المكتب المصرى الحديث، ثم فى العنوان الذى استقر عليه بعد ذلك للكتاب وكان أكثر فداحة وهو «محمد صلى الله عليه وسلم أعظم الخالدين» والعنوان من طبعة «نهضة مصر».
كان أنيس منصور يعرف جيدًا ما يريده مايكل هارت، يقول هو عن ذلك فى تقديمه للكتاب: لا أدعى أننى أضفت شيئًا إلى هذا الكتاب، وإنما حذفت بعض العبارات وبعض المصطلحات العلمية الصعبة دون إخلال بما أراده المؤلف.
لا يستقيم ما يقوله أنيس هنا مع ما قاله فى الفقرة التالية مباشرة، فهو يؤكد: هذا كتاب عن كتاب، أو من كتاب، لم أرفع عينى عنه، وإن كنت لم ألتزم بحرفية كل ما جاء فيه.
مَن نصدق هنا، أنيس الذى يقر بأنه لم يخل بما أراده المؤلف؟
أم أنيس الذى يؤكد أنه لم يلتزم بحرفية كل ما جاء فى الكتاب؟
سأصدق أنيس منصور فى الحالتين، لأننى ببساطة أتعامل معه هنا ليس على أنه مفكر، ولكن على أنه صانع كتب، لديه بضاعة يريد أن يروج لها لدى جمهوره، ولذلك لا بد أن يتحايل على هذا الجمهور.
من بين ما قاله أنيس فى تقديمه للكتاب: ليس هذ الكتاب إلا واحدًا من عشرات الكتب التى صدرت أخيرًا فى العالم الغربى المسيحى عن عظمة المسلمين والإسلام، صحيح أن المؤلف الأمريكى لم يقلّب طويلًا فى التاريخ الإسلامى أو الفكر العربى، وإلا لوجد عطاء فى كل فروع المعرفة، ففضل العرب والمسلمين على الحضارة الغربية معروف له ولغيره من العلماء الجادين المخلصين، ومن المؤكد أن الرجل مخلص وصادق فى حكمه على الكثيرين من عظماء التاريخ.
وحتى يجعل أنيس لما يذهب إليه حيثية يقول: وكان المؤلف يستحق الكثير من حفاوة الدول الإسلامية، ولكنه لم يلق امتنانًا من أحد.
كان أنيس منصور يعرف جيدًا لماذا لم ينل مايكل هارت أى إشادة بما فعله فى كتابه، وتحديدًا عندما جعل النبى محمد على رأس قائمة المؤثرين فى الإنسانية- لم يتحدث عن العظماء ولا الخالدين-، فالمؤلف الأمريكى لم يتعامل مع الرسول، صلى الله عليه وسلم، على أنه نبى مرسل من السماء، ولكنه تعامل معه كشخصية فذة من شخصيات التاريخ، طبق عليه المعايير التى وضعها لكل الشخصيات الواردة فى الكتاب، وهو ما جعل الكثيرين يصدون عنه، وأعتقد أن العناوين التى وضعها أنيس لكتابه أو تلك التى وضعها الناشرون له، لم تكن إلا محاولة لتسويق بضاعة مغضوب عليها.
فعليًا وعندما تقرأ ما كتبه مايكل هارت عن النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، فى كتابه ستجده ليس أكثر من معلومات سطحية جدًا عن تاريخ الرسول، لا تثير الإعجاب، فلا هو بالباحث فى حياة النبى، ولا هو بالمدرك لأبعاد الرسالة التى جاء بها.
أغلب الظن أن أنيس منصور فُتن بما قاله مايكل هارت من أنه: «اخترت محمدًا فى أول هذه القائمة، ولا بد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق فى ذلك، ولكن محمدًا هو الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى نجح نجاحًا مطلقًا على المستويين الدينى والدنيوى، فهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائدًا سياسيًا وعسكريًا ودينيًا، وبعد ١٣ قرنًا من وفاته فإن أثر محمد لا يزال قويًا متجددًا».
وقد يكون فُتن أيضًا بما قرأه عند مايكل هارت الذى قال: ربما بدا شيئًا غريبًا حقًا أن يكون محمد فى رأس هذه القائمة رغم أن عدد المسيحيين ضعف عدد المسلمين، وربما بدا غريبًا أن يكون محمد هو رقم واحد فى هذا القائمة، بينما عيسى هو رقم ٣ وموسى رقم ١٦.
بدد مايكل هارت نفسه الأمر الذى اعتبره غريبًا.
ينقل عنه أنيس: لذلك أسباب، من بينها أن محمدًا قد كان دوره أخطر وأعظم فى نشر الإسلام وتدعيمه وإرساء قواعد شريعته أكثر مما كان لعيسى فى الديانة المسيحية، وعلى الرغم من أن عيسى هو المسئول عن مبادئ الأخلاق فى المسيحية، فإن القديس بولس هو الذى أرسى أصول الشريعة المسيحية، وهو أيضًا المسئول عن كتابة الكثير مما جاء فى كتب العهد الجديد، أما محمد فهو المسئول الأول والأوحد عن إرساء قواعد الإسلام وأصول الشريعة والسلوك الاجتماعى والأخلاقى وأصول المعاملات بين الناس فى حياتهم الدينية والدنيوية، كما أن القرآن قد نزل عليه وحده، وفى القرآن وجد المسلمون كل ما يحتاجون إليه فى دنياهم وآخرتهم.
المنطق الذى عمل به مايكل هارت كان منطقًا علميًا مجردًا، لا مكان فيه للعاطفة ولا الانحياز انطلاقًا من أرض عقائدية، وإلا لجعل النبى موسى، عليه السلام، هو رقم واحد بفعل يهوديته، لكنه لم يفعل ذلك، وهو فى الغالب ما لم يقدره أنيس منصور أو يفهمه على وجهه الصحيح، فتعامل مع الكتاب على أنه وسيلة يمكن أن يغازل بها جمهور المسلمين فى كل مكان.
فكثير من الصياغات التى وردت فى الكتاب الذى من المفروض أنه ترجمة لكتاب أمريكى، لم يكن دقيقًا، ولا يمكننا أن نعترف بأن بها الروح التى كتب بها مايكل هارت كتابه، وقد يكون هذا ما دفع أنيس إلى أن يخترع حكاية أن هذا كتاب عن كتاب، أو كتاب من كتاب، فلو أنه أراد أن يفعل ذلك، ومن باب الأمانة العلمية، فكان عليه أن ينشر نص الكتاب مترجمًا كما كتبه صاحبه، وكتب هو مقدمة خاصة يقول فيها ما يراه، أو وضع هوامش على الكتاب يسجل من خلالها ما يعتقده صحيحًا.
لم يفعل أنيس منصور شيئًا من ذلك، بل كان غريبًا منه أن يخفى اسم مؤلف الكتاب الأمريكى تمامًا. ففى كل طبعات الكتاب اكتفى أنيس بوضع اسمه وحده على الغلاف الخارجى وفى الصفحات الداخلية، وهو ما يعنى أنه صادر الكتاب لنفسه، وكأنه من تأليفه فكرة ومعلومات وصياغة، ولا أدرى كيف قبلها أنيس منصور على نفسه، وكيف تهاون الناشرون مع هذا الأمر؟
ما يهمنى هنا هو: هل كان أنيس منصور أمينًا فيما نقله من كتاب مايكل هارت؟
الإجابة ليست من عندى، ولكنها من الباحث مصطفى صالح السعيد، وهو باحث لغويات، قام بدراسة مفصلة لكتابى أنيس ومايكل هارت، وهى الدراسة التى يمكنك أن تجدها منشورة فى عدد مجلة الدراسات اللغوية والأدبية عدد نوفمبر ٢٠١٢.
يقول مصطفى السعيد عن دراسته إنها تقابلية تحليلية تبين أهمية الأمانة فى الترجمة، وذلك بدراسة ترجمة أنيس منصور للفصل الأول من كتاب مايكل هارت «المائة: تقييم لأكثر مائة شخصية تأثيرًا فى التاريخ» الخاص بالرسول محمد «صلى الله عليه وسلم».
قابل الباحث نص أنيس منصور فى كتابه «الخالدون مائة أعظمهم محمد رسول الله» الذى زعم أنه نقل ما قاله مايكل هارت دون تحريف، بما نشره أنيس بالفعل فى النسخة العربية من الكتاب.
وهو ما يطرح عدة أسئلة هى:
ما الرسالة التى سعى مايكل هارت إلى توصيلها للناس فى الفصل الأول من كتابه المائة؟
هل نقل أنيس منصور مضمون كلام المؤلف الأصلى نقلًا أمينًا صادقًا؟
أيجب ترجمة مضمون النص الإنجليزى كما هو، أم تم تحويره ليتطابق مع عقيدة القارئ المسلم؟
ما تأثير هذه الترجمة غير الصادقة على المجتمع؟
ولأن لكل سؤال إجابة، فقد تحدث الباحث بما لديه.
فبالنسبة له أخل أنيس بمضمون النص الأصلى إخلالًا واضحًا، بتحريفه النص الأصلى، إذ أورده كأنه نص منقول عن كاتب إسلامى ملتزم يؤمن بالله ورسوله، ونتج عن ذلك تضليل المجتمع الإسلامى، إذ أشاد بصدق مايكل هارت وإنصافه وموضوعيته، رغم تشويهه الحقائق.
من المهم أن نظل قليلًا مع ما كتبه مايكل هارت، وما كتبه أنيس منصور، لنعرف حجم الجريمة التى ارتكبها.
لقد أورد الباحث نصوصًا من النص الإنجليزى الأصلى وقارنها بنصوص أنيس منصور، مبينًا الفروق فى المعانى والزيادات التى طرأت فى نص أنيس، وتمت مقابلة النصوص التى أغفلها أو حرّفها أنيس فى الفصل الأول من الكتاب الخاص بالنبى محمد، صلى الله عليه وسلم، فى كتاب المائة.
المقارنات التى وثقها الباحث مصطفى السعيد فى دراسته كثيرة، لكننى سأكتفى هنا بمثال واحد فقط، لأنه يمس جوهر ما اعتمد عليه أنيس منصور فى فكرة كتابه التى صدرها للناس.
كتب مايكل هارت: «My choice of Muhammad to lead the list of the world s most influential persons may surprisr some readers and may be questioned by others، but he was the only man in history who was supremely successful on both religious and secular levels».
ونقل أنيس منصور: لقد اخترت محمدًا «صلى الله عليه وسلم» فى أول القائمة، ولا بد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق فى ذلك، ولكن محمدًا، عليه الصلاة والسلام، هو الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الدينى والدنيوى.
يقول الباحث: نلاحظ هنا التحريف الذى أدخله أنيس منصور فى النص العربى باستخدامه عبارة، لا بد، فمن أين جاء بهذه العبارة مع أن النص الإنجليزى يخلو من أى كلمة توحى بهذا المعنى، إن كلمة may تفيد الاحتمال، وأفضل ترجمة لها هنا «قد» أو «ربما»، أما كلمة «كثيرون» فلا تساوى some ولا تصلح ترجمة لها، لأن some معناها واحد أو أكثر، وليس «كثيرون»، وتستعمل هذه الكلمة مع الجمع، لكن دون تحديد العدد.
ويخلص الباحث إلى أن أنيس منصور حرّف المعنى تحريفًا كبيرًا، فشتان بين «قد يدهش بعض القراء»، و«ولا بد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق فى ذلك»، والذى يثير الدهشة كما يقول الباحث هو قول أنيس منصور: ومعهم حق فى ذلك، فمن أين جاء بهذه العبارة، وما المقصود منها؟ ولماذا معهم حق، حسب زعمه؟ أما عبارة «عليه السلام» فهى ليست موجودة فى النص الأصلى، وإدخال هذه العبارة فى الترجمة يوحى للقارئ بأن مايكل هارت المؤلف الأصلى، قد قالها، فالقارئ يقرأ نصًا منقولًا أو مترجمًا، فيفترض أن كل ما فى النص هو من المؤلف الأصلى. إذن من الواضح أن المعنى الذى أورده أنيس منصور مغاير للمعنى الذى قصده الكاتب الأصلى، الذى لم يقل إن المندهشين كثيرون، ولم يجزم باندهاشهم أيضًا، والمعنى الذى أورده أنيس سلبى جدًا.
أعتقد أن هذه جريمة من الصعب أن نتهاون معها أو فيها، خاصة أننا أمام كاتب كبير من المفروض أنه يعرف قيمة ما يكتبه.
لكن الجريمة الأكبر كانت فى خداعنا جميعًا بما فعله أنيس منصور، وما حاول التأكيد عليه فى كتابه ويخص النبى، صلى الله عليه وسلم، فقد كان مثله مثل الدعاة السطحيين الذين يذهبون إلى الغرب ليحصلوا منه على شهادات تؤكد عظمة النبى محمد.
لم يلتفت أنيس إلى أن ما قدمه مايكل هارت كان بحثًا علميًا خاضعًا لمعايير، لم يلتفت فيه إلى حقيقة من كتب عنهم، وتخيل أنه يضع الأنبياء والمصلحين والفلاسفة والمفكرين إلى جوار القتلة والسفاحين والديكتاتوريين فى التاريخ.
ولم يلتفت أيضًا إلى أن مايكل هارت ورغم أنه يعلن يهوديته بوضوح، إلا أنه كان ملحدًا، يعرف المقربون منه ذلك عنه، وعليه فهو يدخل إلى هذه الشخصيات برؤية مادية بحتة، لا علاقة لها بأصحاب الرسالات، فهو ينكرها من الأصل.
لم يكن أنيس أمينًا مع قرائه الحقيقيين، أغلب الظن أنه ذهب ليبحث عن قراء جدد فى مساحات لا تتقاطع معه على الأرض بالفعل، لكن هؤلاء وبعد أن عرفوا أنهم وقعوا فى فخ أنيس، لم يتحدثوا، لأن الفخ طاب لهم فيما يبدو.
فعليًا لا يحتاج النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، لشهادات من أحد أن رسالته كانت حقًا، ولو كنا نريد أن نثبت مثل هذه الشهادات فى حقه، فلا أقل من أن تكون شهادات حقيقية، وليس شهادة نلوى ذراعها وعنق صاحبها لنحقق الهدف الذى نريده.