رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفيروس الأخطر


لا يختلف اثنان على أن فيروس كورونا فيروس خطير سبب هلعا وفزعا ورعبا في كل بقاع الأرض ولكن الفيروس الأخطر من كورونا هو فيروس الأصولية الدينية التي ينتج عنها العنف والإرهاب وإراقة الدماء .
فماحدث يوم الخميس الماضي من اعتداء إرهابي غاشم على عدد من الجنود المصريين ببئر العبد _ دون اعتبار لشهر الصوم_ مماسفر عن استشهاد عشرة أشخاص وإصابة أخرين, يُعد جريمة نكراء في حق الإنسانية, وعمل إرهابي دنئ, وهنا لابد أن نسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية بعيداً عن تزييف الواقع لأنّ الشعوب التي تفشل في تشخيص أمراضها بشجاعة، تموت عادةً نتيجة تناول الدواء الخطأ, فالطبيب الأمين في عمله لا يقبل على نفسه أن يخدع مريضه المصاب بالسرطان ويقول له أنك مصاب بالأنفلونزا, وتكمن المشكلة الرئيسة التي تدفع هؤلاء السفاحين لارتكاب جرائمهم في الأصولية الدينية التي تتبنى تفسير النصوص الدينية بحرفيتها منزوعة من سياقها التاريخي والحضاري, والأصوليون الدينيون يقومون بالتفسير دون اعتبار لأي علوم ومعارف إنسانية, وبتجاهل واضح لكل تقدم حضاري, وبتجاوز سافر لجميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان, ومن ثم يترتب على ذلك الترويج لبعض الأفكار التراثية البالية التي عفا عليها الزمن منذ زمن والتي تتطلب عقولاً ناقدة لدحضها ورفضها والتعامل معها في ظل سياقها التاريخي والحضاري, أما وأن يتم استدعاء مثل هذه الأفكار والأفعال الهدامة اليوم وبتجاهل واضح ومتعمد لكل تقدم أحرزته الإنسانية على مدار القرون الماضية, فهذا تدمير للحضارة الإنسانية, ومن ثم فإن مكافحة الإرهاب تستلزم مواجهة أمنية ومواجهة فكرية, كما أن محاربة الإرهاب تتطلب قصفاً فكرياً يتزامن مع القصف الجوي, واحتياجنا في المرحلة الحالية لمثقفين أكفاء لايقل أهمية عن احتياجنا لجنود بواسل.
ولا سبيل للقضاء على الأصولية الدينية سوى بإحياء تراث ابن رشد ذلك التراث الذي دفناه في شرقنا فتخلفنا بينما أحياه الغرب فتقدم, ومن المؤسف أنه منذ أن سقط منهج ابن رشد, سقط العقل العربى، واستسلم للنقل والتقليد والطغيان, وتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية حول العالم يقتل ويذبح ويحرق لأنه محكوم بأفكار الأصوليين الدينيين وبفقه ابن تيمية الذي عاش في القرن الثالث عشر والذي كفر ابن رشد بسبب قوله بإعمال العقل في النص الديني، وهؤلاء القتلة والإرهابيون قد تجمدوا عند القرن الثالث عشر عندما اكتفوا بابن تيمية المكفر لابن رشد، ففكر ابن تيمة القائل: "بأن تأويل النص الديني بحسب فهم ابن رشد هو بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"، هو الأساس الذي قامت عليه الحركة الوهابية في القرن الثامن عشر، وجماعة الاخوان المسلمين في القرن العشرين، ومن هنا فلاحل ولا ملاذ إلا في إحياء التراث العقلاني الذي دعا إليه ابن رشد حيث أنه هو الحل في مواجهة الأصولية الدينية التي رسخ لها ابن تيمية.
إذا مشكلة الإرهاب الرئيسية تكمن في الأصولية الدينية
والعلاج الرئيسي يكمن في تأويل النصوص الدينية وإعمال العقل فيها
فهل من مجيب قبل أن يقضي علينا الفيروس الأخطر ؟!!