رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السادات وحافظ الأسد [2]


وفي أوائلِ عامِ 1971 انتخبَ الأسدِ رئيسا للجمهوريةِ بأغلبيةٍ شعبيةٍ ساحقةٍ، وبدأَ العملُ لإصلاحِ الأوضاعِ السياسيةِ في سوريا وتوطيدِ سلطتهِ. ولكنْ كانَ يشعرُ أنهُ يتعرضُ للتهميشِ، فقامَ في عامِ 1972 بتوحيدِ الأحزابِ الرئيسيةِ في الجبهةِ الوطنيةِ التقدميةِ، كما تمَ وضعُ دستورٍ جديدٍ للبلادِ في مارسَ 1973. وتطلقَ السلطاتُ في سوريا على كلِ ما تحققهُ منْ إنجازاتٍ أوْ تبنيهِ منْ منشآتِ صفةِ منجزٍ منْ منجزاتِ الحركةِ التصحيحيةِ، فسدَ الفراتَ منْ منجزاتِ الحركةِ، وكذلكَ حربُ تشرينَ التحريريةِ، كما تحتفلُ سوريا كلَ عامٍ بذكرى الحركةِ التصحيحيةِ ويتمُ الإعلانُ بمناسبتها عنْ بعضِ المشاريعِ ووضحَ أحجارُ أساسِ مشاريعِ أخرى.
وهوَ نفسِ ما مرَ بالرئيسِ الساداتْ، فهوَ جاءَ إلى السلطةِ لأنهُ كانَ نائبا للرئيسِ جمالْ عبدِ الناصرْ، ولما ماتَ جمالْ عبدِ الناصرْ أصبحَ الساداتْ رئيسا للبلادِ، ولكنَ هذا لمْ يعجبْ أنصارُ عبدِ الناصرْ الذينَ كانوا يتطلعونَ للسلطةِ، فحاولوا تهميشَ الساداتْ. فقامَ في 15 مايو 1971 , بثورةٍ أسماها ثورةَ التصحيحِ، واعتقلَ كلُ المعارضينَ لهُ. وانفردَ بالحكمِ. وكانَ يحتفلُ كلُ عامٍ في 15 مايو بثورةِ التصحيحِ.
وبعدٌ أنْ بدأتْ الحربُ، وما حدثَ فيها منْ تقدمِ الجيشِ السوريِ، ثمَ تراجعهِ، وإعادةُ إسرائيلَ احتلالَ كلِ الجولان، وصارتْ مدافعها تهددُ دمشقُ، وحدوثَ الثغرةِ ومحاصرةِ الجيشِ الثاني. ومحاصرةُ الجيشِ المصريِ لقواتِ الثغرةِ الإسرائيليةِ، وتعقدَ الموقفَ العسكريَ، وهوَ ما سنوضحهُ في حديثنا عنْ حربِ أكتوبرَ فيما بعدٌ. كانَ لزاما على الساداتْ إنقاذُ جيشهِ، وهنا تدخلتْ الديبلوماسيةُ الأمريكيةُ ودفعتْ كيسنجرْ وزيرَ الخارجيةِ الأمريكيِ، لمحاولةِ التدخلِ لوضعِ بذورِ السلامِ في المنطقةِ التي لمْ تهدأْ منذُ معاركَ 1948.
وكانَ وزيرُ الخارجيةِ الأمريكيِ قد طلب توقيعُ اتفاقيةٍ لفصلِ القواتِ بالاتفاق مع السادات، وتكليفَ اللواءِ الجمسي برئاسةِ وفدِ التفاوضِ العسكريِ معَ العسكريينَ الإسرائيليينَ ، حيثُ تمَ الاتفاقُ على وجودِ 250 دبابةٍ في سيناءَ ، وفي الجولةِ التاليةِ رفضَ الإسرائيليونَ الاتفاقَ ، حيثُ لمْ توافقْ عليهِ حكومتهمْ ، وتعقدَ الموقفَ ، وتدخلَ الساداتْ وهنري كيسنجرْ ، وتمَ الاتفاقُ على بقاءِ 30 دبابةٍ فقطْ ، وهوَ الأمرُ الذي لمْ يعجبْ اللواءُ الجمسي ، وقيلَ إنهُ بكى ، وهيَ القصةُ التي يروجها خصومُ الساداتْ للتدليلِ على تفريطِ الساداتْ .
وهيَ أيضا نفس القصةُ التي اتخذها الرئيسْ حافظْ الأسدْ، ذريعةٌ للاعتقادِ بأنَ الساداتْ باعَ القضيةَ. وعقدَ سلاما منفردا، في حينْ أنهُ كانَ اتفاقا لفصلِ القواتِ للخروجِ منْ الوضعِ العسكريِ المصريِ بالغٍ التعقيدِ.
الحقيقةُ أنَ الجمسي الذي قيلَ أنهُ بكى, هوَ منْ وافقَ على اقتراحَ الرئيسْ الساداتْ أنْ يتفادى نقص الدباباتُ في سيناء, بأنَ زادَ منْ عددِ الصواريخِ المضادةِ للدباباتِ ، واختارَ المدفعيةَ عيار 122 ملمْ منْ المدى الطويلِ 31 كيلومترٍ ( المدى القصيرُ 20 كيلومترٍ فقطْ ) , كما أجرى الجمسي تأمينا كاملاً بالألغامِ والخنادقِ والدفاعاتِ الجويةِ , وأنشأَ قواعدَ أرضيةً في الضفةِ الغربيةِ تصلحُ لاحتلالها فورا بصواريخَ وتتحولُ إلى قواعدَ صاروخيةٍ , وقدْ أنشأها تحتَ ستارِ أنها شئونٌ إداريةٌ , وقدْ كشفتْ طائراتِ الاستطلاعِ وفطنَ الإسرائيليونَ إلى هذا الموضوعِ .
وقالَ الجمسي: استفدنا منْ هذا الاتفاقِ، إمدادُ الجيشِ الثاني المحاصرِ، وتمَ رفعُ الحصارِ السويسِ، واحتفظنا بخطوطنا غربَ القناةِ. ثمَ تمَ توقيعُ الاتفاقِ في الإسكندريةِ بحضورِ ممدوحْ سالمْ رئيسَ الوزراءِ وإسماعيلْ فهمي وزيرِ الخارجيةِ. الغريبَ أنَ حافظْ الأسدْ، المهزومَ في الحربِ، والذي لمْ تحققْ قواتهِ أيَ تقدمٍ، كانَ يخشى أنْ تنفردَ بهِ إسرائيلُ، ولمْ يعجبهُ أنَ الساداتْ يحققُ، بفضلِ صمودِ جيشهِ، اتفاقٌ يعيدُ ترتيبَ القواتِ، ويحتفظَ بقواتهِ في سيناءَ، وحمايتها أيضا. كانَ قلقُ الأسدِ ينصبُ على ناحيتينِ:
- البقاءُ لوحدةٍ في المواجهةِ العسكريةِ.
- افتتاحُ قناةِ السويسِ ومرورِ إسرائيلَ فيها.
وهوَ ما عبرَ عنهُ الصحفيُ باتريكْ سيلْ في كتابهِ " الأسدُ - الصراعُ على الشرقِ الأوسطِ “، منْ خلالِ عرضهِ للقاءٍ بينَ الساداتْ وحافظَ الأسدُ في أعقابِ فضِ الاشتباكِ بينَ القواتِ المصريةِ والإسرائيليةِ. وفي يومِ 17 ينايرَ 1974 اتصلَ الرئيسُ السوريُ حافظْ الأسدْ، بالرئيسِ الساداتْ، متسائلاً: " هلْ تفهمُ معنى ما تفعلُ؟ “، كانَ الرئيسْ الأسدْ غاضبا ومعاتبا، كانَ الأسدِ قدْ سمعَ أنَ رئيسي الأركانِ، المصريَ الفريقِ محمدْ عبدِ الغنيِ الجمسي، والإسرائيليَ، سيجتمعانِ في اليومِ التالي 18 ينايرَ، ليوقعا على اتفاقيةٍ لفصلِ القواتِ عندَ الكيلو 101، وكانتْ تلكَ محاولتهُ الأخيرةُ لإيقافها، لكنها ذهبتْ أدراجُ الرياحِ.