رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملحمة (الاختيار) الدرامية وشغف الرؤية




قد يرى أهل إبداع دراما السير ( دراما المشاهير ) أنها مشاريع إبداعية مضمونة النجاح وسهلة التناول من حيث إعداد المعالجات الدرامية لأحداث سيرهم ، خاصة إذا توفرت المادة في الكتب وأرشيفات إنجازات هذه الشخصيات، الأمر الذي يدفع البعض إلى تصور تقديم عمل مقبول وناجح جدا، كما نجح بعض هذه الأعمال رغم أن هناك أعمالا فشلت فشلا ذريعا، ومما يشجعهم أيضًا أننا نعيش أزمنة افتقاد القدوة والمثل الطيب، فطرح أي شخصية ايجابية يلقى تعاونا من بعض جهات الإنتاج، و إن كان لاتوجد في كل الأحوال مقومات الدراما التي تستفز المبدع وتلقى إعجاب المتلقي، وهناك أعمال أراها فاقدة للبريق الحرفي رغم أنها تتناول شخصيات عظيمة غيرت المجتمع لأن المادة الدرامية الخاصة بها قليلة أو أن الكاتب لم ير هذه الجوانب فيها ..
ولكن من المؤكد أن اللجوء لهذا النوع من الدراما ليس مجرد شكل جديد أوموضة مودرن في تاريخ الإبداع الدرامي ولكنه متبع منذ بداية الدراما وهذا النوع من الكتابة في غاية الصعوبة لأنه يتم عبره تناول شخصيات معروفة ، والصعوبة تكمن في تقديم هذه الشخصيات بأسلوب يجذب المشاهد ويجعله يجلس ويتابع الحلقات كما حدث مثلا مع أم كلثوم وطه حسين و غيرهم ، والمهم كيفية معالجة هذه الشخصيات من خلال أحداث ورؤية فكرية وسياسية واجتماعية وثقافية وإنسانية وفلسفية، ويجب على من يتصدى لمثل هذه النوعية من الأعمال أن يكون على مستوى عال من الثقافة الموسوعية ليستوعب جميع جوانب الشخصية...
وأرى من الضرورة الاهتمام بتقديم مثل هذه الأعمال لأنها في صالح الدراما وفي صالح الناس والمتلقي لاسيما الشباب ويجب أن نكون أصحاب رسالة وعندما نقدم شخصيات لها أمجاد فستلفت نظر الجمهور ويحترمها ويقدرها ويبحث في داخله عن أشياء مشابهة لها يقتدي بها .
وفي هذا السياق تؤكد المخرجة الكبيرة أنعام محمد علي التي أخرجت دراما متميزة عن السيرة الذاتية لأم كلثوم وقاسم أمين وغيرهم " بالرغم من أنني اهتم بالجانب الفني وأعمل على إبرازه، إلا أن فكرة وموضوعية العمل الفني الذي أخرجه تعد من القوالب التي يمكن أن أرى فيها أفكاري وهي تتناقش وتتحاور مع أفكار آخرين، وهذه الأفكار توجه حسب وجهة نظري على المستوى الفني في عرض هذه الأفكار، فالعمل الفني بلا رسالة وبلا رؤية يبقى فارغا بلا مضمون لذا فكثير من أعمالي يمكن أن تقدم عملا فنيا من صميم السياسة فتؤثر أكثر من المقالات السياسية، فالصورة المرئية وخصوصا الدراما لها تأثير كبير جدا على المشاهد... "
لاشك أن دراما السيرة الذاتية يجب أن يكون لها هدف واضح ليس فقط من أجل تسجيل حياة الشخصية وإنما من أجل أن يستفيد الجمهور منها ويجب عدم إظهار السلبيات الموجودة في حياة الشخصيات العامة لأنها لن تعود بشيء بقدر ما ستقلل من المكانة الكبيرة له في قلوب الناس وإذا قرر مخرج ذلك فالأفضل له أن يقدم فيلما تسجيليا عن الشخصية ولا يقدم مسلسلا أو فيلما .
وقد سعدت الجماهير المصرية بمتابعة دراما "الاختيار" عن قصة العقيد أركان حرب أحمد صابر المنسي، قائد كتيبة 103 صاعقة، الذي استشهد في كمين مربع البرث بمدينة رفح عام 2017، باعتبار العمل يأتي في إطار سلسلة قدمها التليفزيون المصري لبطولات عبقرية لأبطال بقدمون للوطن والمواطن المصري أمثبة للوطنية والفداء والإيثار وعشق الوطن .
ولكنها قد تكون المرة الأولى في الدراما المصرية، موسم رمضان 2020، التي يتم الحديث فيها عن بطولات أحد قادة الجيش أمام تنظيم إرهابي، إذ كانت الدراما المصرية قبل ذلك تنقل قصصا حقيقية من ملفات الصراع العربي الإسرائيلي، وبطولات ضباط المخابرات المصرية.
والبطل هنا هو القائد احمد المنسي من مواليد محافظة الشرقية عام 1977 واستشهد خلال عمل إرهابي استهدفه برفقة عدد من أفراد الكتيبة في السابع من يوليو عام 2017م في منطقة شمال سيناء المصرية، انضم للجيش وتخرج من الدفعة 29 في الكلية الحربية المصرية والتحق بعدها بصفوف القوات المُسلحة وانضم لفريق الكفاءة البدنية، كما حصل على فرق ” مقاومة الإرهاب ” تولى قيادة الكتيبة 103 من قوات الصاعقة في شمال سيناء خلفاً للعقيد رامي حسنين من أكتوبر عام 2016م.
فقط أذكر في مجال صناعة الدراما أن الفن يحاكي الممكن والمحتمل محاكاته أقرب ما تكون إلي الكمال أى للمثال الأصلى، أى صورة منسوخة للواقع ،.فالمحاكاة عند أرسطو لا تعني تصوير الواقع أو نقل الطبيعة نقلاً حرفياً ، وإنما تعني تمثيل أو محاكاة الحياة أو الحدث االذي يمكن أن يحدث ، أي أن الفن هو إعادة إبداع أي انه إكمال ما لم تكمله الطبيعة وإضافة لإحساس المؤلف ونظرته الفكرية وتصوره الشخصي.
ونحن في انتظار دراما البطولة لبطل من بلادي ورمز من رموز الفداء في ملحمة مصرية عبقرية نُزيل فيها غيوم غباوات جماعات الجهل والتخلف الحضاري التي حامت في سماوات وطن عظيم متحضر له التاريخ الأروع في سجلات الإبداع الإنساني ..
.