رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرسول في مصر «6»

محمد الباز يكتب: تحرير سيرة الرسول من سطوة كتب التراث

محمد الباز
محمد الباز

كان النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، حاضرًا فى اللحظة التى فتحت فيها مصر باسم الإسلام على يد عمرو بن العاص، أخبر القائد الفاتح أهلها بأن ما يفعله ليس إلا نبوءة النبى الأعظم، وهى النبوءة التى جاءت على جناح وصية أن يستوصى العرب بالمصريين خيرًا لأن لهم ذمة ورحما.
لا يستطيع أحد أن يضع أيدينا على المساحة التى كان النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، يشغلها فى مصر قبل الفتح، كل ما لدينا روايات وحكايات عن رسالته للمقوقس حاكمها، وهى الرسالة التى أخبره فيها أنه نبى مرسل من عند الله، ودعاه بأن يُسلِم حتى يسلَم هو والذين معه.
أغلب الظن أن الخبر لم ينتشر فى ربوع مصر.
أميل إلى أن المقوقس أخفى الأمر كله، فلم يعرفه إلا خاصته والمقربون منه العاملون فى بلاطه.
وليس بعيدًا أن يكون حاول لملمة ما جرى، حتى لا يلفت انتباه المصريين، فأن يقول أحدهم إنه رسول من السماء ليس أمرًا هينًا، وحتما سيبحث من يصلهم خبره عنه على الأقل من باب المعرفة بالشىء، وأى حاكم لا يريد أن يرهق نفسه بمطاردة فكرة، فوأدها فى مهدها لن يكلفه كثيرًا، بل سيريحه أكثر.
الحرص الذى اتبعه المقوقس فى إخفاء خبر النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، حتما تم اختراقه، فلا شىء فوق هذا التراب لا يرى، ولا شىء يرى إلا ويذكر، ولا شىء يذكر إلا ويخلد، وليس بعيدًا أن يكون الخبر جرى تسريبه من بين جدران بلاط المقوقس فوصل إلى دوائر عديدة، بدأ أصحابها يسألون عن هذا الذى يقول إنه نبى.
لا أدعى أن النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، حصد شعبية فى مصر قبل أن يصل إليها جيش المسلمين فاتحًا وغازيًا، ولا يمكننا التسليم لفكرة الترحيب المطلق من المصريين بجيش العرب، لأنهم فى الغالب لم يكونوا يعرفون شيئًا عن قيم الإسلام ولا أخلاقياته ولا حياة نبيّه ولا ما يدعو إليه، حتى يقول لنا أحد إن المصريين استقبلوا العرب وأعانوهم على فتح بلادهم حتى يخلصوهم من ظلم الرومان.
حضور النبى، صلى الله عليم وسلم، فى مصر تم تمريره عبر حكايات الصحابة الذين جاءوا ضمن جيش عمرو ابن العاص، خالطوا المصريين وتزوجوا منهم، وأصبحوا من أهلها، بداية من العام ٢٠ هجرية، لكن معرفة الرسول بدأت تتسع بعد أن ظهر الذين دونوا سيرته، وتتبعوا حياته ونسجوها بالطريقة التى استراحوا لها، وهى طريقة اختلطت فيها الوقائع بالأساطير، والحقائق بالأكاذيب.
لكتابة سيرة النبى، صلى الله عليه وسلم، تاريخ طويل.
يمكننا أن نمسك ببداية الخيط من عند عروة بن الزبير بن العوام الذى توفى فى العام ٩٢ هجرية، حيث يقال إنه أول من اهتم بجمع تاريخ النبى، صلى الله عليه وسلم، وكان قريبا ممن عاشوا إلى جواره وعرفوه عن قرب.
لا يحتفظ عروة بالريادة كثيرًا، فهناك من يرى أن أبان بن عثمان بن عفان الذى توفى فى العام ١٠٥ هجرية هو أول متخصص فى السيرة النبوية.
بعد أبان يأتى «وهب بن منبه» الذى توفى فى العام ١١٠ هجرية، ويقال إنه تنبه إلى أهمية جمع أخبار الرسول والحديث عنها للناس، وهو نفسه الذى يعيب عليه باحثون معتبرون أنه كان سببا فى دخول الخرافات على سيرة النبى وخبره.
فى قائمة رواد كتابة السيرة يظهر اسم عاصم بن قتادة الذى توفى فى العام ١٢٠ هجرية، وهو من بين من جلس إليهم ابن اسحاق كاتب السيرة الأشهر، حيث روى عنه وسجل كثيرًا مما لديه.
بعد عاصم نتعرف على شرحبيل بن سعد الشامى الذى توفى فى العام ١٢٣ هجرية.
وبالقرب منه يظهر لنا عبدالله بن أبى بكر بن حزم القاضى الذى توفى فى العام ١٣٥ هجرية.
لا نعرف لأحد من هؤلاء اسم كتاب وضعه فى سيرة النبى، نعرف عنهم فقط اهتمامهم بتتبع هذه السيرة وإخلاصهم لها، حتى يظهر لنا موسى بن عقبة المدنى الذى توفى فى العام ١٤١ هجرية الذى ألف كتاب «المغازى».
بعد المدنى نقابل أبوالمعتمر سليمان بن طرخان البصرى الذى توفى فى العام ١٤٣ هجرية، وهو صاحب كتاب «السيرة الصحيحة».
يمكن أن نعتبر هؤلاء جميعًا بشائر كتابة سيرة النبى، رغم أننا لا نملك أى وثيقة منسوبة لأحدهم، حتى ظهرت سيرة النبى التى جمعها محمد بن إسحاق بن يسار-هناك من يقول إنه بشار وليس يسار - الذى توفى فى العام ١٥١ هجرية وأطلق عليها «سيرة رسول الله».
لن أكون مبالغًا إذا قلت إن ابن إسحاق هو العمدة فى كتابة السيرة النبوية، وهناك من يميل إلى أنه أول من فكر فى جمع سيرة الرسول وتدوينها.
ولد ابن اسحاق فى العام ٨٠ هجرية، وأبدى اهتمامًا طاغيًا بالسيرة منذ صغره، حيث عاش فترة من الزمن فى المدينة المنورة، خالط خلالها أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وسالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وجعل منهم مصادر يجمع من أفواهم ما سمعوه عن الرسول لا يغادر منهم شيئًا صغيرًا ولا كبيرًا.
شهرة ابن إسحاق الأساسية تأتى من أنه حرص على جميع مغازى النبى، حتى قيل إن كل من سيكتب عن غزوات الرسول وحروبه وسراياه سيكونون «عيال» على محمد بن إسحاق، فقد أخرج عن المغازى كتابًا، إلا أنه لم يصل إلينا، كما أن كتابه عن سيرة النبى نفسه لم يصل إلينا كاملًا، ونكتفى بما نقله منه الذين تتلمذوا على يديه، وتعاملوا معه على أنه مصدر.
كان ابن إسحاق شغوفًا بجمع سيرة النبى، صلى الله عليه وسلم، بما جعله يجمع روايات كثيرة دون سند، كان همه أن يجمع كل ما ورد عن النبى من مواقف وأحداث وتفاصيل تلقاها ممن عاصروا عهد الصحابة أو عاشوا بين التابعين، وهو ما جعله يجمع كثيرًا من الأخبار ممن أسلموا من علماء أهل الكتاب مثل «كعب الأحبار»، وربما تكون السيرة التى كتبها هى الساحة الأولى التى دخلت على أرضها الإسرائيليات والخرافات التى لا نزال نعانى منها حتى الآن.
عن ابن إسحاق نقل من يمكن اعتبارهم ثلاثة من تلاميذه.
الأول هو زياد بن عبدالملك البكائى الكوفى العامرى الذى توفى فى العام ١٨٣ هجرية.
والثانى هو محمد بن عمر بن واقد المعروف بالواقدى الذى توفى فى العام ٢٠٧ هجرية.
والثالث هو عبدالملك بن هشام الحميرى اليمنى البصرى الذى توفى فى العام ٢١٨ هجرية.
لا أثر مكتوب لزياد الكبائى، الآثار المكتوبة تخص الواقدى صاحب كتاب المغازى، وابن هشام صاحب السيرة الشهيرة والمعروفة باسمه، وله فضل إنقاذ سيرة ابن إسحاق، فقد قام بتهذيبها بمنهج علمى يقوم على حذف الكثير من القصص والأخبار التى لم يرد فيها ذكر النبى، كما حذف كثيرًا من الأشعار التى لم يسمعها عن أحد من الشعراء أو المهتمين بالشعر، وهوما يجعلنا نتعامل مع سيرة ابن هشام على أنها أول محاولة نقدية لسيرة الرسول رغم ما بها وفيها.
هذه هى المنابع الأولى للسيرة النبوية، التى لم يخرج عنها كل مَنْ كتب عن حياة الرسول بعد ذلك، ربما حتى بدايات القرن العشرين، حتى هؤلاء الذين حاولوا قراءة السيرة، التزموا بما بين أيديهم، لم يخرجوا بها من حيز الرواية إلى حيز إعمال الخيال أو البحث العلمى الذى يقوم على النقد الكامل.
فى مصر حدثت النقلة.. وكان طبيعيًا أن تحدث هنا تحديدًا.
اسمحوا لى أن أعود بكم إلى الوراء قليلًا.
نحن الآن فى العام ١٩٧٥، حفل إحياء الذكرى الثانية لعميد الأدب العربى طه حسين الذى توفى فى العام ١٩٧٣، يقف الدكتور عبدالعزيز كامل، نائب رئيس الوزراء للشئون الدينية ووزير الأوقاف، ليلقى كلمة للاحتفاء بالرجل الذى ملأ الدنيا وشغل الناس.
فى كلمته كشف عبدالعزيز كامل عما يمكننا التعامل معه على أنه نقلة هائلة فى الفكر الإسلامى.
يقول: «لا زلت أذكر لقاءً كان نقطة لها خطرها فى تاريخنا الأدبى، عندما جلس ثلاثة من عمالقة أدباء الجيل، التقت آراؤهم عند فكرة محددة، وهى أن يعيدوا كتابة تاريخنا الإسلامى برؤية جديدة واضحة وفى أسلوب عصرى، كان ذلك فى أوائل الثلاثينيات، حين كان ميدان الدراسات الإسلامية لا يشغله فى الأغلب إلا المستشرقون ومن نحا نحوهم».
طبقًا لما يرويه عبدالعزيز كامل، فإن العمالقة الثلاثة طه حسين وأحمد أمين وعبدالحميد العبادى رأوا أن يقتسموا العمل الكبير فيما بينهم، يتناوله كل منهم من زاوية معينة وبطريقته الخاصة.
بعد هذا الاتفاق كتب أحمد أمين سلسلة «ضحى الإسلام، ظهر الإسلام، يوم الإسلام» تناول فيها تاريخ الحضارة الإسلامية من جوانبها العقلية والاجتماعية والسياسية والعمرانية، على طريقته فى البحث والنقد والتحليل.
وكتب عبدالحميد العبادى عن تاريخ الأندلس وصور من التاريخ الإسلامى، تناول فيها بالعرض والنقد بعض إنتاج المستشرقين.
كانت مشاركة الدكتور طه حسين فى هذا المجال على طريقته التى تفرد بها منذ مطلع حياته الأدبية، بدراسته الرائدة عن أبى العلاء، وتابعها من بعد فى دراساته عن الأدب العربى فى جاهليته وإسلامه، وهى طريقة الدراسة الأدبية التى أخضعها للمنهج العلمى، دون أن تفقد شيئًا من روعة العمل الأدبى وجمال الأسلوب.
ما يمكن النظر إليه على أنه إسلاميات طه حسين، يقسمها عبدالعزيز كامل إلى ثلاثة أقسام.
الأول تحلق به الحقيقة التاريخية بأجنحة من الخيال، وهنا يمكن أن نقابل كتابه «على هامش السيرة» بأجزائه الثلاثة، وهو الكتاب الأحب إلى قلب وعقل طه حسين على كثرة ما أنتج وكتب.
الثانى: يغلب عليه الطابع التربوى أو التعليمى وهنا يمكن أن نقرأ كتابيه «الوعد الحق» و«مرآة الإسلام».
الثالث: ويتميز بالتحليل التاريخى النقدى، وهنا تظهر كتبه المهمة «الفتنة الكبرى» بجزئيها «عثمان» و«على وبنوه» ثم «الشيخان».
لا يحدد لنا عبدالعزيز كامل أى عام فى أوائل الثلاثينيات اجتمع فيه العمالقة الثلاثة، لكننا على أى حال يمكن أن نعتبر هذا اللقاء هو بداية السيل من كتابات مختلفة عن النبى، صلى الله عليه وسلم، دخل ساحتها روائيون وشعراء وباحثون وفلاسفة، انطلقوا إليها من أرضية بحثية إنسانية، لم يستسلموا فيها إلى الروايات التراثية التى تحولت من كونها مجرد محاولة لتوثيق حياة النبى إلى نص مقدس، لا يتم الاقتراب منه إلا بحساب.
تخلصت المدرسة المصرية الحديثة فى تناول حياة النبى، صلى الله عليه وسلم، من سيل العنعنات، لا يهمهم من الروايات التى تقف بين أيديهم إلا روحها والمعانى التى تحملها، والقيم التى تركن بين السطور تحتاج إلى من يمد عقله إليها، فيخرجها من تحت ركام المجلدات الثقيلة، ولذلك بدا النبى، صلى الله عليه وسلم، فى قمة بشريته وإنسانيته وعبقريته فى كتابات المصريين المعاصرين.
لن تجد فى هذه الكتابات الحالة الأسطورية التى حرصت الكتابات الأولى إلصاقها بالرسول، صلى الله عليه وسلم، فقد أدرك المصريون المعاصرون أن النبى لا يحتاج إلى معجزات مادية كى يكون مستحقًا لأن يتبعه الناس، كما أن سيرته البشرية العادية جدًا أكثر أثرًا وأكبر تأثيرًا فى الناس من الروايات التى يكتنفها الخيال المحلق الذى يبتعد بها عن أرض الواقع، ويجعلها أسيرة للخيالات وربما الخرافات أيضًا.
لا يمكننا هنا أن نحصى كل كتابات أبناء المدرسة المصرية الحديثة، الذين رافقوا النبى، صلى الله عليه وسلم، على أرض العبقرية البشرية المطلقة، فقد أقروا له أنه رسول من عند الله تلقى الوحى وبلغ الرسالة السماوية كاملة غير منقوصة، لا أحد يناقش فى ذلك ولا يجادل، لكنهم اهتموا بإبراز عناصر العبقرية الفذة التى كان عليها هذا الرجل الذى خرج من الصحراء ليُعلم الناس أصول الترقى والتحضر، ولكننا على أى حال سنقف معًا عند المحطات الأساسية فى هذه الكتابات التى تشكل الآن جزءًا أساسيًا من وجداننا الدينى والثقافى.
بالنسبة لى كانت كتابات المفكرين والفلاسفة والروائيين المصريين عن النبى، صلى الله عليه وسلم، مهمة، لأكثر من سبب.
الأول أنها كسرت احتكار من يطلقون على أنفسهم رجال الدين ومشايخه، هؤلاء الذين يقولون إنه من حقهم وحدهم أن يتحدثوا فى الدين لأنهم العالمون ببواطنه، رغم أن الكتابة عن سيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، أمر من أمور التاريخ ولا مكان فيها للدين بأى حال من الأحوال.
وعليه فأنا أتحدى أن يقف كتاب واحد وضعه أحد علماء الدين المعاصرين ومشايخه فى السيرة النبوية أمام كتابات العقاد وطه حسين ومحمد حسين هيكل وأحمد أمين وعائشة عبدالرحمن وعبدالحميد جودة السحار وغيرهم كثيرون.
ستقول لى: عندك.. فكتاب «فقه السيرة» الذى وضعه الشيخ محمد الغزالى لن تجد له مثيلًا عند الأدباء والمفكرين والفلاسفة، كما أن كتابات خالد محمد خالد عن النبى، صلى الله عليه وسلم، وهى كثيرة ومتعددة ومتشعبة، لا يمكن أن تقف أمامها أى كتابات من تلك التى تشير إليها مهما كانت قوتها وعمقها وتجديدها فى التناول أو المعالجة.
لن أنازعك فيما ذهبت إليه، لكن دعنى أسألك سؤالًا أعتقد أنه مهم جدًا، وهو: هل كتب محمد الغزالى «فقه السيرة» وكتب خالد محمد خالد ما كتبه-، وهو بالمناسبة مخزون فى عدة كتب هى «معًا على الطريق محمد والمسيح... أفكار فى القمة... إنسانيات محمد... كما تحدث الرسول... عشرة أيام فى حياة الرسول... لقاء مع الرسول»-، بمنهجية مؤرخى التراث وكتابه، هل ساروا على طريقهم وسلكوا مسلكهم واستراحوا إلى ما دونوه فنقلوه عنهم، وكفى الله المؤرخين شر البحث والقتال؟
قبل أن تجيب لا بد أن تقرأ هذه الكتب أولًا، لأنك لو قرأتها ستتأكد أن محمد الغزالى الذى ظل محتفظًا بزيه الأزهرى حتى اليوم الأخير من حياته، وخالد محمد خالد الذى لم يكن متمسكًا بأزهريته فى أى وقت من الأوقات، بل كان يفضل لقب الأستاذ على الشيخ، سارا على نهج الأدباء والمفكرين والفلاسفة فيما كتبوه عن النبى، صلى الله عليه وسلم، وربما لهذا فقط جاءت كتاباتهما مختلفة، رغم أنها فى النهاية لم تصل أبدا إلى قيمة ما كتبه هؤلاء الذين دخلوا إلى النبى من أرضية إنسانية أدبية، وليس أرضية دينية فقهية.. فقد ألقت عليهما أزهريتهما بظلال كثيفة لم يستطيعا أن يتخلصا منها.
الثانى أن كتابات الأدباء والفلاسفة عن النبى كسرت احتكارًا من نوع آخر، قد لا يتخيله كثيرون، فهؤلاء الذين كتبوا عن النبى من أرضية دينية تعاملوا على أنهم الأكثر إيمانا وتقوى وقربًا من الله ورسوله، بل إن بعضهم يعتبر أن ما يكتبه فى سيرة النبى بعضًا من الجهاد الذى يسعى من ورائه إلى أن يربح الدنيا والآخرة، لكن عندما كتب الأدباء عن النبى بدا واضحًا للجميع أن الكتابة ليست وقفًا على من يتقولون على الله ويمنون عليه بإيمانهم.
ربما لهذا حاول عبدة النصوص وكتب التراث التشهير بمن كتبوا عن النبى، صلى الله عليه وسلم، من خارج جلدتهم، فقالوا إنهم ما فعلوا ذلك إلا من أجل الشهرة والمال، والوصول إلى الجماهير التى تميل إلى الإسلام، بعد أن أصبحوا بلا قُرّاء، بل وصل الأمر إلى الطعن فى دين هؤلاء، من خلال الشائعات التى بلا أصل ولا ظل ولا سند، ولعلكم تذكرون ما قيل عن طه حسين من أنه كان يقول إنه يمكن أن يمسك بقلمه الأحمر ليصحح أخطاء القرآن، وهو ما لم يثبت عنه على الإطلاق.
لا أخفيكم سرًا إذا قلت لكم إن كتابات الأدباء والمفكرين والفلاسفة عن النبى محمد كان لها دورًا كبيرًا فى الحضور المعاصر للرسول، صلى الله عليه وسلم، فى حياتنا، فلو أننا استسلمنا لكتب التراث وجعلناها مرجعيتنا الوحيدة فى معرفتنا بالنبى لهربت الأجيال الجديدة من بين أيدينا، لكن الكتابات المعاصرة أمسكت بهم ومنحتهم مساحات واسعة جدًا للدخول مع النبى ومع حياته فى حوار دائم ومتصل.
لقد عجزت الدراما التليفزيونية والسينمائية عن تجسيد شخصية النبى، صلى الله عليه وسلم، استجابة لمحاذير كثيرة أعتقد أنها ليست دينية فقط، ولكنها نفسية أيضًا، ولو قدر لصناع الدراما المصريين أن يجسدوا شخصية الرسول عبر أفلام عدة، لكان للنبى، صلى الله عليه وسلم، حضور مختلف، لكن هذا قدرنا الذى لن نهرب منه.
يبقى لنا هؤلاء الذين صفت نفوسهم وقلوبهم، فمنحونا من أرواحهم كتابات رائعة هى تجسيد حى لمحبة المصريين للرسول، صلى الله عليه وسلم، رغم أن هناك من حاول تجريد هؤلاء ليس من محبة النبى فقط، ولكن من الإسلام نفسه.