فوقي
فوقية خفاجي: أبحث عن جهة إنتاج لتقديم «بوجي وطمطم» مرة أخرى
خلطة سحرية من الجمال والإبداع والرقى والبساطة، فرد واحد هو الذي وصل إليها ولم يجد من ينافسه فيها حتى الأن، هو الفنان محمود رحمي الذي شكل عرائس ساعدت بشكل كبير فى تكوي هوية الطفل المصري وساعدت في تنشأة أجيال كاملة وتعليمهم القيم والمبادئ والأخلاق.
"بوجي وطمطم وطماطم وزيزي ومرمر وزيكا وزيكو وعم شكشك وطنط شفيقة"، كانت هذه الشخصيات الأساسية التى ظلت تطل علينا كل عام فى شهر رمضان لسنوات كثيرة لتكون علامة مميزة للشهر الفضيل، وكان فريق العمل جمعه "رحمي" تكون من صلاح جاهين وإبراهيم رجب ويونس شلبي وهالة فاخر وأنعام سالوسة وسيد عزمي وماهر سليم ورضا الجمال.
تتحدث الفنانة فوقية خفاجي زوجة الفنان محمود رحمي والتي عملت معه كمساعد مخرج ومساعد تصميم لـ"الدستور" وهى تنظر إلى صورته التي تزين منتصف الحائط بعينين لامعتين وصوت كله حنين، فتتذكر البداية منذ تخرجت من كلية الفنون الجميلة عام 1979 عندما التقت الأستاذ رحمي كما يحلو لها أن تلقبه لأول مرة فى التليفزيون المصري، وكان سبقها فى العمل به بفترة تزيد عن العشر سنوات، قدم خلالها أعمالا كثيرة وبرامج مميزة وناجحة مثل "عصافير الجنة وعرائس مثل بوبو الحبوب ودبدوب وأرنوب وبقلظ" وأنشأ كذلك قسم العرائس.
"حدوتة لتوتة" كان أول عمل جمع الاثنين فكان مسلسل من فكرة وإخراج الفنان رحمي وحقق نجاحا كبيرا وكان البطل فيه شخصية "سمسم" وكان قردا، ولاقى قبول واستحسان فأوحى لرحمي بشخصية "بوجى" فطور شخصية "سمسم" لشخصية "بوجي" وبذلك أصبح "بوجي وطمطم" امتداد لحدوتة لتوتة، وخلالها اكتشفت "فوقية" إنسانا حساسا وطيب القلب وشخصية مختلفة لا تشبه أحدا، وجدته مخلصا بشدة لعمله، يؤمن برسالته ويبحث عن طرق مبتكرة وبسيطة لايصالها.
توضح "فوقية" أن رحمي أدرك مبكرا أن بلادنا ليست بحاجة إلى الفن التشكيلي والراقي الذي يستهدف الصفوة بقدر حاجتها إلى الفن الشعبي الذي يخاطب شرائح عريضة ومتنوعة من الجمهور فكان هذا سبب التحول الحقيقي الذي جعله يتجه من الاهتمام بتنظيم معارض النحت والتصوير والفنون التشكيلية إلى الاهتمام بالعروسة التي تصل إلى كل أفراد الأسرة المصرية، فاستخدم قدراته فى مخاطبة خيال الطفل وبدأ فى صناعة عرائس أولية.
ترافقه "فوقية" فى رحلة تصميم العرائس بداية من الخيط الأول حتى الشكل النهائي فتقول حينما يبدأ فى تكوين خيوطه الأولية يختار اسما لشخصيته ويحدد سماتها وصوتها وطريقة حديثها ودورها الدرامي حتى الإخراج ويساعده فى إنهاء التفاصيل فريق عمل كامل، حتى حركة العرائس لم يعتمد فيها على اللاعب التقليدي ولكنه اعتمد على طلبة معهد البالية لمرونتهم وتميزهم.
زوجة "رحمى" تؤكد أن حبه للعرائس التى يصممها جعله يصممها فى الأتيليه الخاص به وعلى نفقته الخاصة، حتى تكون العرائس ملكية خاصة له فالعرائس التى كانت تصمم فى ورش التليفزيون مصيرها التشوين فى المخازن لتلقى مصيرها من الإهمال والعبث حتى تذهب لمقالب القمامة ومن اشهر هذه العرائس التي تلفت شخصية الفيل "فلافيلو" الذي ظهر في بعض حلقات "بوجى وطمطم"، لذلك فهذه العرائس إرث عظيم تركه "رحمى" لتعتنى بهم زوجته وترممهم من حين لآخر ليكونوا على أتم الاستعداد للظهور فى أقرب فرصة تأتى إليهم بشكل لائق كما كان يخرجهم صاحبهم وهم حاملين رسالة إلى أطفال مصر.
محاولة واحدة بائسة تمت منذ سنوات لإعادة إنتاج "بوجى وطمطم" انزعجت "خفاجي" كثيرا عند ذكرها فرفضت التحدث عنها واصفة إياها بوصمة العار، ثم قالت "مفيش منتج هيهتم بالطفل زى الدولة لذلك أناشدها بالاهتمام بالأطفال وتقديم محتوى هادف لهم لأن الطفل هو اللى هيبنى بلده لما يكبر".
وتتابع: "تأتى إلي أفكار كثيرة لكنها غير مناسبة ورديئة فهناك من قدم لى فكرة فيها أصبحت طمطم أمًا ولديها أبناء وهذا بالطبع تخريف لكن الوحيد الذي قدم لى فكرة رائعة هو عمر طاهر حيث قدم نصا حديث يتناسب مع الطفل ومع الوقت الحالى ومع شخصيات بوجي وطمطم وننتظر إيجاد جهة إنتاج مناسبة، مشيرة إلى أن "رحمي ترك لمصر كنزا، سنحاسب على إهداره وتركه، وتوضح أن الطفل المصري ليس أقل من أى طفل في العالم فلماذا نتسول من الغرب هويتهم ونحن المصريين أساس التشكيل، ويمكن أن نقدم محتوى رائع ومتميز من خلال العرائس التي تركها والتي تنوعت لتمثل كل أفراد الأسرة المصرية".
تزوج رحمي بمساعدته "فوقية" فكانت حياتهما طول العام مليئة بتفاصيل "بوجى وطمطم" يعملان طول العام على تصميم العرائس الجديدة وتنفيذها وكتابة المحتوى، حيث بدأ رحمي فى عام 1983 بشخصيات محدودة وفى كل عام يزود المجموعة بشخصيتين جديدتين مثل "مرمر وعم شكشك وطنط شفيقة"، ولم يسعفه العمر لإلحاق شخصية "شكشوكة" شقيقة عم "شكشك" بالمجموعة ولكنه رسمها على الورق وترك تنفيذها لشريكة عمره فوقية خفاجى التى قامت بالفعل بتنفيذها وضمها للمجموعة التى تحتفظ بها فى منزلها حتى اللحظة.
استغلال بعض الكيانات الكبيرة التى تنتج ألعاب للأطفال تراث رحمي للاتجار به بصورة تشوه أمر مؤرق ومؤلم لأسرة رحمي، يواجهنه قضائيا بكل السبل المتاحة، وتتذكر زوجته حينما أراد استغلال نجاح شخصيات مسلسله لعمل دمية تصل لكل بيت فى مصر، فصنعوا نموذج صغير للعرائس وأرسلوه لإحدى شركات الصين ولكن ما نتجوه لم يلقي قبول رحمي لأن العروسة على بساطتها لا يستطيع أى شخص إنتاجها بنفس التفاصيل فرفض الفكرة وأجل تنفيذها لحين إيجاد جهة مناسبة لإنتاجها، لذلك من غير المنطقى أن نترك أحد يفعل ما رفضه هو فى حياته.
تتذكر "فوقية" الأيام الأخيرة لزوجها، فتحكى أنه توفى يوم عيد ميلاده الموافق الثالث والعشرين من يوليو عام 2001 بأزمة قلبية مفاجأة، وأنه قبل وفاته وفى أخر ظهور له فى التليفزيون تحدث عنها كثيرا ووجه لها شكر وقال أنه لولاها ما خرج بوجى وطمطم بهذه الدقة، ثم نظرت إلى صورته وقالت موجهة له الحديث: "إطمن أنت سبتنا من 2001 لكن لحد اللحظة شغلك هو الباقي ولم يأتى بعدك أحد، وأنا عايشة عشان أحافظ لك على شغلك".
تعبر زوجة "رحمي" عن أمنيتها ورغبتها الشديدة فى إعادة إنتاج "بوجى وطمطم" بما يليق بهم وبالشكل الذى ظهروا به قبل ذلك، قائلة: "نفسي اعمل المسلسل قبل ما أموت وأكون كاست محترم عشان أموت وأنا مرتاحة، وأناشد الرئيس السيسي والدولة بأن تهتم بالأطفال وتعيد إنتاج برامج موجهة لهم مثل الماضي".