رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرسول فى مصر "1"

محمد الباز يكتب: أنا في جاه النبي

محمد الباز
محمد الباز

تستهوينى الأرض الملغومة، وقبل أن تعتقد أن هوايتى نزع ألغامها، سأقول لك: فى الغالب سأزرع فيها ألغامًا جديدة وأمضى.
أسعى إلى المناطق الساخنة، برود الأماكن والبشر قاتل لا يصبر عليه إلا من كتب الله عليهم أن يستسلموا لما وجدوا عليه الحياة، فيركنوا إليها، لا لهم ولا بهم ولا عليهم.
أفتش فى الملفات المخبوءة، لا أضع يدى فى الأدراج المغلقة بحثًا عنها، ولكنى أفتش فى مساحات الزمن وأروقة الناس، تعريجات عقولهم تستوقفنى ونبضات قلوبهم تشجينى.
ربما لهذا أو لبعض منه بدأت منذ سنوات التنقيب فى الضمير المصرى عن مقدساته، مدركًا أن ما سأعثر عليه حتمًا سيكون مختلفًا. فحتى المقدسات التى يستقر المصريون عليها يسلكون دروبها بطريقتهم الخاصة، وهو السلوك الذى يحيرك، للدرجة التى لا تقدر معها الفصل بين هزلهم وجدّهم.. قصديتهم وعفويتهم.. سوء نيتهم أو حسنها.
بهذه الروح دخلت إلى «القرآن فى مصر».
وبها عالجت «الله فى مصر».
وعبر نوافذها وقفت أمام «مريم المصرية».
وفى كل مرة كنت أجد أمامى من يسأل ببراءة وأحيانًا دونها: وهل يختلف القرآن فى مصر عن القرآن فى الدنيا كلها؟ وهل يمكن أن نجد الله مختلفًا فى مصر عن بلاد العالم؟ وما الذى يجعلنا نركن إلى مريم المصرية، والسيدة العذراء واحدة بما قدمته وما جرى عليها؟
لم أكن ألتفت كثيرًا لمن يسألون، فقط كنت أتأمل السائلين ومنطقهم، هؤلاء الذين لا يقرأون أنفسهم جيدًا، ولا يفتشون فى دواخلهم بعناية، ولا يتوقفون عند المساحات الفاصلة بين ما يعتقدونه بالفعل، وبين ما يقومون به من سلوك قد يتنافى تمامًا مع ما يستقر فى وجدانهم.
يقودنى التأمل هذه المرة إلى «الرسول فى مصر».
وقبل أن تحاول إعادة السؤال مرة أخرى، وتقول لى: وهل للنبى محمد، صلى الله عليه وسلم، وضعية خاصة فى مصر؟
سأقول لك: ليس عليك إلا أن تخوض معى هذه الرحلة الطويلة، التى أسجل فيها ملامح النبى محمد على خريطة المصريين النفسية.
من حقك بالطبع أن ترى هذا المدخل غريبًا بعض الشىء. فموضع النبى، صلى الله عليه وسلم، من المفروض أنه واضح ومحدد على الأقل من الناحية الدينية، وهو وضع يجب ألا يخضع للتقلبات النفسية، خاصة أننا شعب مزاجى، ومزاجى هنا لا تعنى أننا أصحاب مزاج، ولكن أننا نتقلب كثيرًا بين أمزجة مختلفة، وفى الغالب متناقضة.
الواقع يقول إن هذا المزاج المتقلب تحديدًا هو الذى حافظ على الهوية المصرية، التى تتجدد كل حين، تهضم كل ما يأتيها أو يطرأ عليها، وتحوله إلى بعض من نسيجها الحى، للدرجة التى لا تشعر معها بأن هناك دخلاء يسيرون فى طرقاتها، فالكل مصرى حتى لو كان قادمًا إلينا من السماء.
قبل سنوات بعيدة ونحن أطفال كنا نجلس إلى جوار تاجر كبير عاد من الحج، جمع حوله عددًا من أهالى قريتنا، وبدأ يروى لهم ما رآه فى الأراضى المقدسة، كان يتحدث بلا إحساس تقريبًا عن كل الشعائر التى باشرها هناك، لا يختلف طوافه حول الكعبة عن وقوفه على جبل عرفات، لم يرهقه السعى بين الصفا والمروة، ولم يشغله إبليس الذى كان عليه أن يرميه بالجمرات، لكنه تحول تمامًا عندما بدأ الحديث عن النبى، صلى الله عليه وسلم.
خطف قلوبنا جميعًا عندما وقف بنا أمام قبر النبى، صلى الله عليه وسلم، فقال: «فتحوا لنا القبر، وبدأنا ندخل واحد واحد، عشان نشوف النبى، دخلت عليه لقيته نايم زى ما هو بالظبط، ما هو ربنا حرم أجساد الأنبيا على الأرض».
استخف بما يقوله بعض الكبار الذين شهدوا حديثه، دون أن أعرف سببًا لذلك، لكنه لم يلتفت إليهم، أكمل حكايته: «دخلت على سيدنا النبى، بصيت فى وشه لقيته بيبتسم كأنه بيبتسم لى، قلت له: ألف صلاة وسلام عليك يا حبيبنا يا نبى، وكأنى سمعته بيرد على، ما هو قال إن اللى بيسلموا عليه هيفضل يرد عليهم السلام ليوم القيامة، محستش بنفسى إلا وأنا مفطور من العياط وببوس راسه وبخرج».
أنهى حديثه أحد الذين سبقوه إلى الحج وزيارة النبى، صلى الله عليه وسلم، وقال له: «يا راجل هو ينفع تبقى راجع من عند النبى وتكدب عليه»، ثم انصرف عنا، لنعرف أن ما قاله الحاج العائد لم يكن إلا خيالًا فى خيال، فلا قبر النبى مفتوح، ولا أحد يستطيع أن يراه أو يتكلم معه.
لا أعرف على وجه التحديد: هل هذه القصة حقيقية أم أنها من نسج الخيال أيضًا؟، لكنها على كل حال ترسم جانبًا من الصورة الكبيرة التى نبحث عنها هنا.
وقفت سيدة مصرية أمام قبر الرسول، صلى الله عليه وسلم، وقالت له بعفوية: «لو كنت نزلت عندنا فى مصر كنا هنّيناك».
حتمًا سيشغلك سؤال كيف يمكن للمصريين أن يهنوا الرسول لو كان نزل بأرضهم؟
هذا أمر شرحه سيطول بيننا هنا والشواهد عليه كثيرة، لكنك إذا كنت متعجلًا، فيمكنك أن تبحث فى نفسك بشكل مؤقت، ستجد أنك تفعل كثيرًا مما تقصده هذه السيدة المصرية حبًا للنبى وتقربًا منه وتشفعًا به، تفعله ربما دون تخطيط منك أو قصد، لكنك تفعله ربما بحنين جارف إليه، أو برغبة دفينة تسعى من خلالها إلى التأكيد على أنك تحبه.
ما يشغلنى أنا هو سؤال مختلف تمامًا: لماذا يلح المصريون على هذا الخاطر، وهو أنهم كانوا يتمنون أن يكون النبى محمد من نصيبهم، أن يكون ظهوره فى أرضهم، أن يكون ابنهم، من صلبهم؟
يفعلون ذلك دون أن ينتبهوا إلى أن أصوله نبتت من هنا بالفعل، فجدته الكبرى هى السيدة هاجر المصرية التى تزوجها إبراهيم، عليه السلام، وأنجب منها سيدنا إسماعيل الذى هو أبوالعرب.
ودون أن يركنوا قليلًا إلى أنهم أخوال ابنه إبراهيم الذى رزقه الله به من السيدة ماريا القبطية، ومات قبل أن يصلب طوله، لكنه قبل أن يرحل سجل صلة الرحم بين النبى والمصريين.
كان فى تبرير الحاج العائد لما ادعاه من رؤيته للنبى، وعفوية السيدة التى تمنت أن يكون الرسول مصريًا، نافذة لى دخلت منها إلى العالم الكبير الذى ينسجه المصريون ليُنزلوا فيه نبيهم، ليحتل مساحة خاصة لا يضع القرآن حدودها، ولا تلعب فيها السنة النبوية الدور الأكبر، ولكن تقف ذائقة المصريين بمفردها وراء رسم الصورة الكاملة.
فهذا التاجر الذى يملك ثروة ضخمة فى النهاية، يملك رغبة فى أن يرى النبى رؤى العين، يطل فى وجهه، يتحسسه بيديه، ويبدو أنه عندما زار المسجد النبوى كان يُمنى نفسه بذلك فعلًا، لكنه أدرك على الأرض أن الأمر مستحيل، فاخترعه اختراعًا معتقدًا أن أحدًا لن يراجعه فى ذلك.
والسيدة دفعتها محبتها للرسول، صلى الله عليه وسلم، وسيطر عليها العشم فى أن يكون النبى من أهلها.. فالنبى كله خير، يعرف المصريون ذلك، ويعرفون أن الله سيكرم من يؤمن به، فما بالك بمن ينصره ويحبه ويكرمه ويمسك بأطراف ثوبه حتى يوم القيامة، ولذلك تجد حضور النبى فى حياة المصريين دائمًا ومستمرًا ومتجددًا لا ينتهى أبدًا.
كل منا له حكايته مع النبى، صلى الله عليه وسلم، بعيدًا عن ثنائية افعل ولا تفعل التى نسج على نولها أبعاد دعوته الثلاثية «العقائد والعبادات والمعاملات»، يمكنك فقط أن تضع هذه الحكايات وتعيد قراءتها، لتخرج منها بحكاية جديدة تمامًا عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذى يمكننا أن نتعامل معه هنا على أنه «الرسول المصرى».
لقد أنفق مؤرخون عظام سنوات طويلة من حياتهم فى تتبع سيرة النبى، صلى الله عليه وسلم، أخرجوا لنا كتبًا هى من عيون التراث، لكن لن تجد فى كل ما كتب عنه مثل ما أبدعه المصريون، لن أحدثك عن علماء الأزهر ومشايخه أو حتى المنتسبين للدعوة الإسلامية والقادمين إليها من مسارات مختلفة، ولكن عن هؤلاء الذين قرروا أن يعيدوا صياغة حياة النبى بأشكال مختلفة ومن مداخل متباينة.
معًا سنلتقى بهؤلاء: العقاد وطه حسين ومحمد حسين هيكل وتوفيق الحكيم وعبدالرحمن الشرقاوى وخالد محمد خالد ومصطفى محمود ونجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس وعبدالحميد جودة السحار وعائشة عبدالرحمن.. كتب هؤلاء عن النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، بإحساسهم قبل أن يُخضعوا حياته للبحث والدراسة والتنقيب، وهو ما قادهم إلى مساحات لم يطرقها أحد من قبل. فقد كانوا جميعًا يبحثون عن محمد الإنسان قبل محمد النبى.
لن يكون غريبًا أن يكون النبى محمد حاضرًا فى قلب الغناء المصرى، لن أحدثك عن الذين مدحوه فقط، ولكن عن المطربين الذين تغنوا بحبه، وهو الغناء الذى يمكن أن نقول من خلاله إننا الشعب الوحيد الذى قام بتدليل النبى عن قصد وبوعى كامل، فعلنا ذلك لأنه يستحق.. ولأن حياته هى التى قادتنا إلى ذلك، وهو ما يحتاج إلى مزيد من البحث عن السر الذى يجعلنا نحن دونًا عن العالم كله نفعل ذلك.
أعتقد أنك تتوقع منّى أن أسعى وراء هؤلاء الذين اشتبكوا مع النبى وحياته، الذين أكرموه والذين شككوا فيه من الفلاسفة والباحثين، وهو أمر طبيعى جدًا أن يحدث، لكننى أعتقد أن الأهم من ذلك كله هو البحث عن النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، فى قلوب البسطاء، هؤلاء الذين لا يعرفون عنه ولا عن حياته ورسالته كثيرًا، لكنهم يكتفون فقط بأنه رسول الله الذى جاء بكلمة الله وأدّى رسالته.
وقد تتعجب مما سأقوله لك. فعلى غير عادة المصريين فى كثير مما يفعلونه، يأتى حبهم للنبى محمد، صلى الله عليه وسلم، دون سبب، فعليًا لن تجد علاقة نفعية بينه وبينهم.
قد تقول مثلًا إن الهدف من الإيمان بالنبى ضمان الآخرة، فمن لا يؤمن به يُحرم من ريح الجنة، ثم إن الإيمان به يستدعى كذلك أن تؤمن بأنه سيكون شفيعًا لك يوم القيامة، ينقذك من مهالك الجحيم.
أنا هنا لا أحدثك عن الإيمان بل أحدثك عن الحب.
الحب الذى يجعل المصريين يبكون عند ذكره حتى تحمر عيونهم، ويزغردون عند وداع من يزورونه أو عودتهم حتى تحسبهم فى فرح أقرب الناس إليهم من البهجة التى يشيعونها من حولهم.
الحب الذى يجعلهم يكتبون فيه الأشعار وينظمون من أجله الأغانى والألحان، يقيمون له الحضرات وحلقات الذكر، ويهيمون فى صفاته وملامحه عشقًا.
الحب الذى يدفعهم إلى الدفاع عنه دون أن يعرفوا حتى تفاصيل الإساءة إليه، يكفيهم أن يعرفوا فقط أن هناك من تجاوز فى حقه، فيخرجوا فى مظاهرات ومسيرات، بل لن يكون غريبًا عندما تسمع أحدهم يسب ويلعن من اقتربوا من حماه، وقبل أن تسأل: كيف لمن يدافع عن النبى أن يسب ويلعن؟ سأقول لك إن الأمر بحسبة المصريين لا غرابة فيه على الإطلاق.
الحب الذى يجعلهم يرفعون آل بيته على رءوسهم، ويعتقدون أنهم سبب كل خير يأتيهم، ولا يقبلون عليهم ولا فيهم ولا عنهم كلمة واحدة، فرغم أن الميل إلى آل بيت النبى ليس أصلًا من أصول العقيدة، فإن المصريين يعتبرون الاقتراب منهم بسوء خروجًا من الدين كله.
الحب الذى يدفعهم إلى الثقة المطلقة فيه وإلى كل ما يأتيهم من ناحيته، حتى لو كان مخالفًا للعلم والعقل والمنطق.
ما زلت أذكر هذه السيدة التى كانت تعانى من الضغط والسكر، أصابها الصداع للدرجة التى جعلتها تستغيث، رأسها كان على حافة الانفجار، بحثت فى بيتها عن دواء فلم تجد، جاءتها جارتها بعلبة برشام، قالت لها إنها من عند النبى، هكذا عبرت، فقد جاء بها زوجها الذى كان يعمل فى السعودية ضمن ما جاء به.
على الفور ودون تفكير بلعت البرشام، وقبل أن تدخل فى إغماءة طويلة، اعترضت على من نصحوها ألا تأخذ شيئًا من هذا البرشام لأنه يمكن أن يضرها، وقالت لهم: «مفيش حاجة من عند النبى ممكن تضر حد».
قد لا يكون فى كلام هذه السيدة العجوز أى منطق علمى، فلم يكن النبى طبيبًا، ولم تكن له أى علاقة بالطب ولا الدواء، ولكنها كانت تملك يقينًا أن الدواء لن يضرها لأنه قادم فقط من أرض النبى، فهذا ما نتحدث عنه هنا تحديدًا، منطق المصريين وتحديدًا البسطاء منهم فى علاقتهم برسولهم.
هذا المنطق نفسه هو الذى جعل المصريين يتعاملون مع أحاديث النبى، صلى الله عليه وسلم، بإحساسهم، وليس بقواعد علماء الحديث الجافة التى تحدد ما هو صحيح وما هو غير ذلك. فالمصريون يركنون إلى نبيهم، يستطعمون ما ينسب إليه، يقيسون ذلك على أخلاقه التى وصفها الله بأنها عظيمة، فما وافق هذه الأخلاق قبلوا به، وما تناقض معها رفضوه.
الغريب أنهم يفعلون ذلك على أرض الواقع، رغم أنهم لا يقبلون كلمة واحدة على أحاديث الرسول، فرغم قناعتهم بأن كثيرًا مما جاء فى صحيح البخارى من أحاديث النبى يخالف كثيرًا أخلاقه ومبادئه، صلى الله عليه وسلم، فإنهم يصرون على أنه أصح كتاب بعد كتاب الله، ويطاردون من يقلل من شأنه أو يسىء إليه ولو بكلمة واحدة.
هل أدلكم على نقطة التلاقى الكبرى بين المصريين والنبى محمد، صلى الله عليه وسلم؟
أعتقد أنها كامنة هناك فى حرص المصريين على إقامة الموالد التى ينسبونها لاسم النبى، ضع جانبًا الاحتفال الرسمى بمولد الرسول، صلى الله عليه وسلم، رغم ما فيه من خصوصية، فأعتقد أن لدينا وحدنا «حلاوة المولد» وهذه قصة طويلة أخرى، ولكننى أتحدث عن الأيام التى يخصصها المصريون فى القرى والعزب والنجوع للاحتفال بمولد النبى فى غير يوم مولده.
أيام يستدعون فيها كرم النبى فى إطعام الغرباء، ووصاياه فى القصص التى يلقيها «الصّييتة» الذين هم وسط بين المداحين والمطربين، يسهرون حتى الصباح فى حب النبى، فما اجتمعوا إلا على اسمه، رغم أن كثيرًا مما يحدث فى هذه الموالد لا يرضى عنه ولا يقره، لكن هذه نقرة وتلك نقرة، فلا يمكن للنبى أن يتوقف عند أمور صغيرة تحدث فى الموالد.
هذه الأيام يسعد بها المصريون لأنهم على ثقة أنها تسعد النبى، لا يركنون فيها إلى من يقولون لهم إن ذكر النبى بأن نحافظ على ما تركه بين أيدينا من كتاب وسُنة، لأنهم اخترعوا طريقتهم الخاصة، فيمكن ذكر النبى أيضًا بوسائل أخرى، الحكم فيها للروح، والروح حرة فيما تريده وتطلبه وتستريح إليه.
عندما غنّى المصريون للنبى محمد، جاءوا على معانٍ لم يقترب منها أحد قبلهم، وأعتقد أنه من الصعب أن يصل إليها أحد غيرهم، هذا حديث سيطول بيننا، وتخيلوا معى فقط ما قاله محمد الكحلاوى فى أغنيته «لأجل النبى».
توقف عند «أنا فى جاه النبى... تقبل صلاتى ع النبى».
فالمصريون يتشفعون بجاه النبى، صلى الله عليه وسلم، عند الله، لا من أجل الحصول على شىء يخصهم، ولكن من أجل أن يتقبل صلاتهم على النبى التى هى دعاء من أجله.
هنا شعور جامح بأن النبى، صلى الله عليه وسلم، يستحق أن يقدمه المصريون على أنفسهم، وإذا قلت لى إن المسلمين جميعًا يفعلون ذلك، لن أناقشك كثيرًا فيما تقوله، فقط سأذكرك بأننا نفعل ذلك لوجهه وطلبًا لرضاه دون أن يكون عندنا طمع فى شىء.. أى شىء.
هناك رابط قد لا يلتفت إليه كثيرون فى علاقة المصريين بالنبى محمد، صلى الله عليه وسلم، فما لا يستطيع أن ينكره أحد أن هناك شوقًا يجرف المصريين لرؤية النبى فى المنام، ما الذى يمكن أن يعنيه ذلك؟
الله أعلم.
لا أستطيع أن أجيب بالنيابة عن الناس، لأن كلًا منهم يملك سببًا خاصًا به، كما يملك حكاية خاصة معه.
ما يتفق عليه المصريون أن النبى لا يأتى فى المنام إلا للطيبين فقط.
فى ركن من ذاكرتى ترقد هذه الحكاية، جلس واحد من أعيان إحدى القرى يحكى لأصدقائه أنه رأى النبى فى منامه، لكنه للأسف لم يتكلم معه ولم يوصه بشىء، أعطاه ظهره وانصرف عنه دون أن يلتفت إليه.
ولأن أصدقاءه كانوا يعرفون أنه ليس من عباد الله الطيبين- ذمته كانت واسعة كما يقولون- قال له أحدهم: «إنت متأكد إن النبى كان جى يزورك إنت، ولا كان رايح يزور الشيخ حلمى وعدّى من قدام بيتك؟».
ليست فى الموضوع نكتة من أى نوع، فقد كان الشيخ حلمى واحدًا من عباد الله الطيبين، وعليه فالمنطق يقول إن النبى كان متجهًا إليه دون غيره.
قد تعتقد أن هذه حكاية اخترعتها لأدلل على ما أريد أن أذهب بك إليه، وأنت حر تمامًا فى ذلك.
كل ما أريدك أن تثق فيه أن هذه الحكاية وغيرها مما ستقابله هنا لا يفارق الحقيقة أبدًا، وهى الحكايات نفسها التى دفعتنى لأن نكتب القصة الكاملة- قدر ما نستطيعه ونُطيقه ونقدر عليه- لما يجمع النبى محمد بالمصريين، وهى قصة أعرف أن عندك حكايتك الخاصة فيها، وكل ما عليك أن تصدقنى القول عندما تقابل نفسك بين سطورى وصفحاتى.