رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحلام وأوهام معركة الحياة


بين الحقائق والمعلومات المفزعة التى نتلقاها كل يوم، وبين الأحلام والأوهام المأمولة بتجاوز هذه المحنة، فإنه لا حديث فى العالم الآن ليلًا ونهارًا إلا عن كيفية مواجهة وباء «كورونا».. ومتى يتم تخفيف إجراءات الوقاية منه.. ومتى ينتهى هذا الكابوس الجاثم على أنفاس العالم.
ووسط هذا فإننى أنتمى إلى الفئة التى تلتزم باتباع الإجراءات الاحترازية بدقة، حيث أحرص على البقاء فى البيت منذ بداية اتخاذ الدولة الإجراءات الاحترازية الضرورية لحماية الشعب، وأواصل الكتابة والمتابعة للأخبار والتواصل مع الناس بالاستعانة بمختلف وسائل الاتصال الحديثة.. إننا فى ظل هذه المحنة المربكة والصعبة التى أصبحت كأنها كابوس يومى متكرر نجد أنفسنا فى مواجهة يومية مع أخبار ومعلومات وأنباء وشائعات تستهلك أعصابنا وتلتهم سكينتنا.
ووصلنا هذا الأسبوع إلى ضرورة مواجهة المعضلة الكبرى فى العالم الآن، وهى كيفية الإجابة عن سيل من التساؤلات الأساسية والمناقشات حول كيفية القضاء على وباء «كورونا»؟ وكيفية فتح الاقتصاد فى أسرع وقت؟ وما الموعد المناسب لعودة حركة التجارة؟ وبأى صورة يمكن وقف انهيار الأحوال المالية؟ وما الأعمال التى يمكن أن تُفتح أولًا؟ وما الأعمال التى يمكن أن تتم من البيوت؟ وكيف سيتم تنظيم الأعمال؟ وكيف سيمكن مساعدة المتضررين من توقف حركة الأعمال؟ ومتى سيتم التوصل إلى العلاج الفعّال للوباء؟ وهل هناك ضمانات فى حالة إنهاء الإجراءات الاحترازية قريبًا وألا يؤدى ذلك إلى إصابات ووفيات بأعداد كبيرة؟
وبالطبع فإن الحكومات والرؤساء فى العالم سيتخذون هذه القرارات وفقًا لأحوال بلادهم ومدى تأثرها اقتصاديًا وصحيًا واجتماعيًا، بينما الشعوب تأمل وتحلم بإنهاء الكابوس والعودة إلى الحياة اليومية الطبيعية مرة أخرى، إلا أنه من ناحية أخرى نجد أن الحقائق الفعلية ورأى العلماء والأطباء يقفان من الوباء فى الجانب الآخر ويصرح غالبيتهم فى كل العالم بأنه لا بد من الانتظار إلى حين هبوط منحنى الإصابات والوفيات فى أى دولة قبل استعادة حركة الحياة الطبيعية، وفى بلدنا يعيش بعضنا الآن فى الأحلام ويعيش بعضنا الآخر فى الأوهام، وقلة هم من يدركون الحقائق.
وأحيانًا تمتزج الأحلام والأوهام بأن الحياة الطبيعية اليومية ستعود سريعًا رغم أنه حتى الآن لم يثبت منحنى الإصابات أفقيًا لأنه ما زال هناك من لا يتبعون الإجراءات الاحترازية والإرشادات الصحية المطلوبة، فكثير من المصريين وكثير من الأصدقاء أكدوا لى أنهم يحلمون بعودة الحياة الطبيعية قريبًا جدًا وبأن الاقتصاد سيعود والسياحة ستعود أسرع من المتوقع باعتبار أن لدينا منظومة صحية يقظة ولدينا دولة استطاعت أن تقوم سريعًا بإجراءات احترازية لحماية المصريين من الوباء الفتاك، ويرون أنه ما دام لم يُصب الشخص أو أحد قريب منه بهذا الوباء الفتاك فإن انفراجه قريب جدًا وآتٍ، وقال لى كثير من الأصدقاء إنهم مقتنعون بأن مصر محمية ولن يتفشى الوباء فيها.
إلا أننى أعتقد، وفقًا لمتابعتى الدقيقة لأحوال بلدنا ولأحوال العالم، أن هذا الحلم يمكن أن يتحقق لو التزمنا بسلوكيات صحيحة وضرورية للقضاء على كورونا، ومن الضرورى أن نحافظ على الأمل بداخلنا وعلى جرعة تفاؤل حتى لا يسيطر علينا الاكتئاب أو اليأس أو نقع فريسة للقلق اليومى، وكل هذه الأحوال من الصعب الخروج منها، وقد تتحول إلى ضعف فى المناعة وإلى مرض فيما بعد، ولا ضرر من الأحلام أيضًا مع ضرورة ما دمنا نحرص على حفظ المسافة مع الآخرين والبقاء فى البيوت ما أمكن، خاصة مع إطلالة شهر رمضان الكريم والتعاون مع الدولة حتى نقلل من حجم الإصابات ومن طول المدة للوباء ولتخفيف الأخطار عن الجيش الأبيض الذى يتعرض كل يوم لخطر الإصابة وانتقال العدوى من المصابين بالوباء الفتاك.
ولدينا أيضًا من يعيشون فى الأوهام بأن وباء «كورونا» لن يصيبهم مهما حدث وما داموا حتى الآن لم يُصابوا به أو لم يُصب به أحد قريب منهم، وبالطبع فإن هذا وهم كبير لأنه ثبت أن الإصابة به قد تحدث للشخص فى أى سن وفى أى مكان، وأن الاستهتار بالإجراءات الاحترازية والزحام والاختلاط الكثير يعرض الشخص للإصابة بالعدوى.
والحقيقة أن الأحلام والأوهام لن تحقق لنا القضاء على «كورونا»، وإنما التزامنا بالإجراءات الاحترازية، بحيث لا نشارك فى تسهيل الإصابة بالعدوى لنا أو للآخرين.. صحيح أن نظرة على أحوالنا الاقتصادية والاجتماعية تجعلنا نريد ونأمل بضرورة استعادة الحياة الطبيعية فى أقرب وقت إلا أنه أيضًا لا بد أن ندرك أن العودة إلى الحياة اليومية الطبيعية تستلزم التوصل لعلاج فعّال وآمن يؤكده لنا رأى الأطباء والمسئولين عن صحة المواطنين فى بلدنا، ومن الضرورى أولًا أن يثبت أفقيًا عدد الإصابة اليومى بحيث لا يتصاعد عدد المرضى يوميًا أو يزداد عدد الوفيات، ثم عندما يهبط عدد الإصابة اليومى نكون قد اقتربنا من انفراجة وشيكة.
إن القضاء على «كورونا» لن يكون بعصا سحرية أو بالعيش فى الأحلام والأوهام وإنما يعتمد بالدرجة الأولى على التعاون مع الدولة بالتزام المواطنين بالإجراءات الاحترازية التى اتبعتها، وبعدم الاستهتار بهذه الإجراءات، وبترك مسافات مع الآخرين، والبقاء فى البيوت وبينما تدور حاليًا المناقشات بين المسئولين فى الدول المتقدمة، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وسويسرا، حول موعد إعادة حركة الاقتصاد والتجارة والأعمال فإن الأرقام العالمية لا تزال تعكس خطورة الوباء بشكل مخيف، وبينما لا تزال هناك محاولات حثيثة لإيجاد علاج فعّال من الباحثين والأطباء فى مصر كما فى العالم، فإن أحلام الشعوب والمواطنين تتركز فى استعادة حركة الحياة الطبيعية والأعمال بأقصى سرعة ممكنة، ما يُنذر أيضًا وفى نفس الوقت بخطورة انتشار الوباء المميت، ولنأمل أن نكون قد خرجنا من أسبوع الأعياد بإصابات قليلة، ودعونا نساعد الدولة فى القضاء الوشيك على كابوس «كورونا» بالالتزام بالإجراءات المطلوبة فى الأسابيع المقبلة حتى يتسنى لنا الانتصار فى معركة الحياة فى بلدنا.. وكل عام وأنتم بخير.