رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليس نهاية العالم ولكنه بداية جديدة


يظن عدد كبير من أتباع الأديان المختلفة أن فيروس «كورونا» إنما هو دليل على نهاية العالم، ولكن فى حقيقة الأمر أن العالم قديمًا اجتاحته أمراض وأوبئة فتكت بالملايين واستمرت البشرية.
لقد صنّفت منظمة الصحة العالمية فيروس «كورونا المستجد» المعروف باسم «كوفيد- ١٩» بأنه جائحة بعد أن أصبح من الواضح أنه ينتشر بحرية فى معظم أنحاء العالم، لكنها ليست المرة الأولى فى التاريخ التى يشهد بها العالم تفشى الأوبئة، وهذه بعض الأوبئة التى اجتاحت البشرية:
- الطاعون الأنطونى: ١٦٥- ١٨٠ و٢٥٠م
وصلت أحد الأوبئة الأولى فى العالم التى تشبه أحد أشكال «الجدرى» أو «الحصبة» إلى روما لأول مرة من قِبل الفيلقائيين العائدين من حصار فى العراق المعاصر. ربما يكون المرض فى ذروته قد قتل ما يصل إلى ألفى شخص يوميًا، فقد دمر الجيش الرومانى وكان مساهمًا فى انهيار الإمبراطورية فى نهاية المطاف. كما قدّم الوباء لمحة مبكرة عن مبدأ رئيسى للفيرولوجيا.. تفشى المرض يكون أكثر فتكًا عندما يصادفه الناس للمرة الأولى، أى عندما يفتقر الجسم الحصانة ضده.
- الموت الأسود: ١٣٤٧-١٣٥١
جلب تجار جنوة الطاعون إلى أوروبا بعد الهرب من الحصار الذى استخدم فيه جنرال مغولى الجثث المصابة سلاحًا. وفى غضون سنوات قليلة قُتل ما يصل إلى ٢٥ مليون شخص، أى ثلث سكان أوروبا. واستمرت أوبئة أخرى وانتشرت عن طريق البراغيث فى الظهور قرونًا عدة، وأنتجت بعض الانتصارات للعمل من المنزل.. استغل الكاتب البريطانى وليام شكسبير الشهير إغلاق المسارح فى عام ١٥٩٠ لكتابة الشعر، وخلال تفشى المرض عام ١٦٦٥، أرسلت جامعة كامبريدج طلابها إلى المنزل بمن فى ذلك السير إسحاق نيوتن الذى استغل الفرصة للجلوس بالقرب من شجرة تفاح واكتشف أحد أهم القوانين الأساسية للفيزياء وهى الجاذبية.
- جائحة الإنفلونزا الأولى عام ١٥٨٠
وعلى الرغم من أن أولى حالات الإنفلونزا ربما حدثت بين الجنود اليونانيين الذين خاضوا حرب البيلوبونيز فى عام ٤٣٠ قبل الميلاد، فقد ظهرت أول جائحة إنفلونزا حقيقية فى صيف عام ١٥٨٠ فى آسيا، وسرعان ما انتشر الوباء عبر طرق التجارة إلى أوروبا وأمريكا الشمالية. وعلى الرغم من أن عدد القتلى غير معروف، لكن تم الإبلاغ عن ٨ آلاف حالة وفاة على الأقل فى روما وحدها.
وشهدت هذه الفترة ظهور إجراءات الحجر الصحى ونقاط التفتيش الحدودية فى أوروبا. وترجع الإشارة الأولى إلى الإنفلونزا فى الأدبيات العلمية إلى عام ١٦٥٠، وهى مستمدة من الكلمة الإيطالية التى تعنى «التأثير».
- الكوليرا: القرن التاسع عشر
طوال القرن التاسع عشر، كان هناك ما لا يقل عن ست فترات تفشى خلالها وباء «الكوليرا». وبدأ كل شىء فى منطقة خليج البنغال فى الهند، وحصد الوباء العديد من الأرواح أثناء انتشاره على طول طرق التجارة الاستعمارية. وأدت المعلومات الخاطئة، بالإضافة إلى الاستياء من عدم المساواة الاقتصادية، إلى تفاقم تهديد المرض.
كما أدى تفشى الوباء إلى ظهور موجة من نظريات المؤامرة التى تقول إن طرفًا ما ينشر «الكوليرا» عمدًا لتقليص صفوف الفقراء. وفى المملكة المتحدة وروسيا استهدف المشاغبون المستشفيات. لكن الباحثين طوّروا رؤى أساسية حول مصدر المرض. وتم تتبع إحدى حالات تفشى الوباء فى لندن، وأظهرت النتائج أن المرض كان مصدره مضخة مياه ملوثة.
- الإنفلونزا الإسبانية عام ١٩١٨
من المحتمل أن تكون أسوأ كارثة طبية فى التاريخ، فقد أصابت الإنفلونزا عام ١٩١٨ ما يصل إلى ثلث سكان العالم وقتلت ما يصل إلى ٥٠ مليون شخص. كشف الوباء عن عدد الأرواح التى يمكن إنقاذها عن طريق التباعد الاجتماعى: فالمدن التى ألغت الأحداث العامة كانت لديها حالات أقل بكثير. فى الوقت الذى كان يتفشى فيه المرض، أقامت فيلادلفيا موكبًا شارك فيه ٢٠٠ ألف شخص فى مسيرة لدعم جهود الحرب العالمية الأولى، وبحلول نهاية الأسبوع قُتل ٤٥٠٠ شخص بسبب الإنفلونزا. وفى الوقت نفسه، أغلقت سانت لويس المبانى العامة وقلصت التجمعات، الأمر الذى تسبب فى تسجيلها نصف معدل الوفيات من الإنفلونزا مقارنة بالأعداد التى أحصتها فيلادلفيا.
- أوبئة الإنفلونزا فى منتصف القرن «١٩٥٧ و١٩٦٨»
بحلول منتصف القرن، كان العالم بيئة أكثر تفشيًا للأوبئة مما كان عليه فى عام ١٩١٨، مع تزايد الكثافة السكانية ووجود المزيد من التجارة العالمية والسفر الجوى.
لكن كانت هناك أيضًا تطورات مهمة فى علم المناعة: تم تطوير لقاح الإنفلونزا فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، وتم إنشاء معظم وكالات الصحة العامة التى نعترف بها اليوم، بما فى ذلك مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية. ومع ذلك تسببت جائحتان منفصلتان لإنفلونزا الطيور نشأتا فى هونج كونج والبر الرئيسى للصين فى مقتل أكثر من مليون شخص.
- فيروس نقص المناعة البشرية «الإيدز»
منذ سبعينيات القرن الماضى، أصيب ٧٥ مليون شخص بفيروس نقص المناعة البشرية، وتوفى ما يصل إلى ٣٢ مليون شخص. وعلى الرغم من أن الوباء أدى إلى تقدم طبى فى الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية، وبرامج الصحة العامة مثل منع تبادل الإبر، إلا أنه أعطى أيضًا العديد من الدروس حول الخطر المميت للوصم الاجتماعى.
إن «كورونا» ليس النهاية ولكنه بداية جديدة لعالم يحتاج لأن يكون أكثر إنسانية وأكثر عدالة وأكثر احتياجًا للانسان الآخر بغض النظر عن دينه وجنسه ومعتقده وبغض النظر عن مستواه الاجتماعى أو عمله أو وظيفته، فسلام الآخر من سلامى، كما أن صحة الآخر من صحتى، فهل سيتعلم أباطرة العالم درس التواضع والإنسانية؟!