اقتصادي دولي: إفريقيا لن تبقى طويلًًا محصَّنة ضد كارثة كورونا
حذر خبير اقتصادي دولي بارز من مخاطر محدقة قد تلحق بقارة إفريقيا جراء تفشي وباء فيروس كورونا، داعيًا صناع القرار الأفارقة إلى توخي الحيطة والحذر، وعدم الارتكان إلى الأرقام الضئيلة للإصابات في الوقت الراهن، مؤكدًا أن القارة "لن تبقى طويلًا محصنة ضد كارثة فيروس كورونا".
وقال المدير الأسبق لصندوق النقد الدولي، دومينيك شتراوس- كان، في مقال لدورية "أفريكا ريبورت" إن مسحة التشاؤم التي تغلف رؤيته بشأن وباء كورونا في إفريقيا "مبررة"، مستندًا في ذلك إلى "مؤشر الهشاشة للأمراض المعدية"، الذي أعدته "مؤسسة راند" في عام 2016 وكشف عن أن هناك 22 دولة إفريقية، من بين 25 دولة، هي الأكثر هشاشة على مستوى العالم.
ودعا الاقتصادي المخضرم الدول المتقدمة، وهي تسعى لمواجهة أزمة فيروس كورونا، إلى ضرورة عدم تجاهل إفريقيا عند صياغة خطط إنقاذ اقتصادي، والعمل على إطلاق برامج مساعدات اقتصادية عاجلة ومحكمة على غرار ما حدث في الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008، حيث تم إطلاق "مبادرة الدول الفقيرة الأكثر مديونية"، والتي تضمنت تقديم قروض بدون فوائد من صندوق النقد الدولي في 2009، مذكرًا أنه منذ ذلك الحين أصبح النمو الاقتصادي في إفريقيا قويًا، واقترب متوسطه من 5 في المائة على الرغم من اندلاع أزمة النفط في عام 2014.
وساق شتراوس- كان، الذي تولى سابقًا منصب وزير الاقتصاد والمالية والصناعة في فرنسا، أمثلة على هذه الهشاشة وسلط الضوء على تجارب القارة مع وباء "إيبولا"الذي ضرب بلدانًا إفريقية في عامي 2014 و2015 وتسبب في تكبيدها خسائر كبيرة؛ مثل ليبيريا التي فقدت عُشر طواقمها الطبية بسبب الفيروس، وغينيا التي رصدت معظم مواردها الطبية للتصدي للوباء مما أفقد قطاعها الصحي 50 في المائة من قدراته التي استنزفت أثناء محاولات محاصرة الوباء.
وفي المقال الذي نشرته مجلة "أفريكا ريبورت" اليوم، تحدث الخبير الاقتصادي المخضرم عن تزايد مستويات الهشاشة لدى العديد من بلدان القارة الإفريقية، ولا سيما دول جنوب الصحراء، معتبرًا أن 2019 "كان عامًا كارثيًا بالنسبة لإفريقيا؛ ليس بسبب كارثة واحدة بل العديد من الكوارث الطبيعية التي هزت كيان القارة: إذ لا تزال دولتا زامبيا وزيمبابوي تقعان تحت تأثير موجة جفاف مستمرة منذ 1981، وتعرضت موزمبيق لإعصاري "إيداي" وكينيث"الاستوائيين اللذين كبداها أضرارًا فادحة، فضلًا عن أسراب الجراد المليارية التي هاجمت شرق إفريقيا والتهمت آلاف الهكتارات من المحاصيل، وتهدد حتى الآن 20 مليون إنسان بالتعرض لنقص حرج في المواد الغذائية.
ولا تقتصر أسباب الهشاشة على الكوارث الطبيعية فحسب، بل تمتد إلى بؤس الأوضاع المالية للعديد من دول القارة الإفريقية، حسب رأي مدير صندوق النقد الأسبق دومينيك شتراوس- كان، الذي أكد أن الصعوبات المالية تحد من قدرات إفريقيا على الاستجابة للأزمات الطارئة. ولفت إلى أن اقتصادات جنوب الصحراء الكبرى قفز معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها من 30 في المائة عام 2012 ليصل إلى 90 في المئة في نهائة عام 2019.
وأضاف أن حكومات إفريقيا أفرطت كثيرًا في الاستدانة والاقتراض خلال الأعوام القليلة الماضية، فقد أصدرت سندات مقومة باليورو "اليوروبوند" بلغت ما قيمته 130 مليار دولار، من بينها 70 مليار دولار صدرت بين عامي 2017 و2019، وهو ما يشكل عبئًا ثقيلًا على موازنات تلك الدول، لذا فقد قفزت أعباء خدمة الدين من 4. 17 في المائة من الصادرات في 2013 لتصل إلى 4. 32 في المائة في 2019، وهو ما جعل نحو 18 دولة إفريقية من البلدان ذات الدخل المنخفض تعاني أزمة مديونية، أو أنها على شفا أزمة دين وشيكة.
وبالنسبة للدول المنتجة للنفط في القارة الإفريقية، يقول شتراوس- كان، إنها لم تكد تتعافى من أزمة انهيار أسعار الخام في الفترة 2014 – 2016، حتى حلت بها كارثة كورونا لتصبح بمنزلة "القشة التي قصمت ظهر البعير"، فقد صاحبها انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية ليسجل بنهاية مارس الماضى 29 دولارًا للبرميل مقابل 70 دولارًا في يناير 2020، وهو وضع يهدد موازنات وإيرادات تلك الدول ويجعل عبء الدين أكثر كلفة وإيلامًا.
وحذر الخبير الاقتصادي الدولي من ظاهرة مصاحبة لتلك الأوضاع تتمثل في هروب رءوس الأموال إلى الخارج، متوقعًا أن تُسجل "مستويات غير مسبوقة" من الأموال الهاربة خارج القارة الأسابيع المقبلة، قائلًا "إن هناك ما يقرب من 50 مليار دولار من رءوس الأمول هربت من القارة الإفريقية إلى الخارج".
واستعرض تداعيات تفاقم أزمة كورونا وتأثيراتها على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في القارة السمراء قائلًا "إذا استمر الاستسلام لذلك السيناريو، فإن العديد من الدول الإفريقية يتوقع أن ينخفض فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن مستويات الدين غير المستدامة ستجعل من المستحيل تنفيذ الموازنات الحكومية، وستحد من قدرة الحكومات على سداد رواتب العاملين العموميين، وستتضرر الخدمات العامة بشدة، بما فيها قطاعا التعليم والصحة".
ويؤكد شتراوس-كان أن مثل تلك التداعيات "ستكون مصحوبة بتدهور حاد في الأحوال المعيشية، وتقويض في منظومات الصحة الوطنية، وجميعها عوامل يرجح أن تزيد من ضغوط الهجرة إلى أوروبا، والأمرهنا لن يقتصر على عشرات آلاف من المهاجرين الساعين إلى دخول أوروبا، بل ستكون الأعداد بمئات الآلاف أو حتى بالملايين".
وشدد على أهمية تحرك المجتمع الدولي على وجه السرعة وبجدية قائلًا: "لا يمكن أن يقف المجتمع الدولي جامدًا في وقت يطيح فيه وباء كورونا والمصالح الوطنية المحدودة والحروب التجارية بين القوى الكبرى، بمستويات النمو في القارة. وما لم يحدث ذلك، فإن الفقر، وسوء التغذية، والافتقار للرعاية الصحية، وانعدام الاستقرار الاجتماعي ستؤدي جميعها إلى أضرار أشد فتكًا من الفيروس نفسه".
ودعا القادة الأفارقة، والدائنين، والبنوك الإقليمية، ومؤسسات بريتون وودز (صندوق النقد والبنك الدوليين)، ونادي باريس، والصين، والمنظمات الخيرية إلى التوصل إلى توافق مشترك بشأن خطط الإعانات الاقتصادية للاقتصادات الإفريقية المضارة.
واختتم شتراوس- كان مقاله قائلًا: "لا شك أن الأزمات العالمية تتطلب حلولًا عالمية، وحين يتعلق الأمر بإفريقيا، فإن قارة أوروبا يجب عليها أن تلعب دورًا بارزًا، لأن إدارة ظهرها لإفريقيا ستقود إلى مأساة إنسانية، وستؤدي إلى تراجع كبير في جهود التعاون بين القارتين بشأن قضايا الهجرة والحرب على الإرهاب".