رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كورونا» والتعليم والبحث العلمى


مما لا شك فيه أن العالم بعد جائحة كورونا سيختلف عمّا قبل هذه الأزمة، حيث فرض علينا اجتياح الفيروس كل دول العالم تدابير احترازية لمواجهته والحد من انتشاره، وكان من نتائجها جلوس المواطنين فى البيت فى كل أنحاء العالم وإغلاق المدارس بجميع أنواعها ورياض الأطفال والحضانات وأيضًا إغلاق الجامعات، ودفع هذا إلى إعادة النظر فى أهمية التعليم عن بعد عن طريق الإنترنت.
وفى الوقت الذى نعيش فيه الثورة الصناعية الرابعة وعصر الذكاء الاصطناعى، الذى يعتمد على التواصل عن بعد فى كل المجالات، وعلى رأسها التعليم، استطاع العديد من الدول تطوير التعليم فى وزادت ميزانية التعليم والبحث العلمى إيمانًا منها بأن الأمم تتقدم بالعلم والأبحاث والابتكارات.
وبالطبع تحاول حكومتنا الحالية اللحاق بتطوير التعليم، ولكن تكلمنا من قبل عن أهمية زيادة ميزانية التعليم، والتوسع فى الأبنية التعليمية، حتى نقضى على كثافة التلاميذ فى الفصول التى وصلت إلى ٧٠ تلميذًا وتلميذة فى بعض القرى البعيدة فى أنحاء البلاد.
كما تناولنا أهمية تدريب وتأهيل المدرسين والمدرسات لاستيعاب المناهج التعليمية الجديدة والمتطورة بجانب زيادة دخل المدرسين القائمين على العملية التعليمية؛ ليكفى الاحتياجات الضرورية والمعيشة الكريمة لهم ولأسرهم، مما يؤدى إلى القضاء على الدروس الخصوصية.
وعندما بدأ التطوير من خلال تطبيق استخدام الحاسب اللوحى «التابلت» فى بعض مراحل التعليم ظهر العديد من المشكلات والصعوبات، منها العجز النسبى لشبكة الإنترنت عن استيعاب ضغط الاتصالات، ووجود أماكن ليست بها شبكة إنترنت أو ضعيفة جدًا.
وبينما نحن ما زلنا ندرس هذه المشكلات ونحاول وضع حلول لها داهمنا فيروس كورونا من كل صوب وحدب، وكان من نتائج انتشاره فى الكرة الأرضية اتخاذ الحكومات إجراءات احترازية لمواجهته، منها إغلاق المدارس والجامعات مع تفعيل التعليم الإلكترونى عن بعد، الذى يجنب الطلاب عملية الاختلاط فى الفصول المزدحمة واحتمالات نقل العدوى، أى تعاظمت- يا سادة- أهمية الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة فى مجال التعليم والتواصل بين القائمين على العملية التعليمية مع التلاميذ والطلاب الجالسين فى بيوتهم عن طريق شبكة الإنترنت. ولذا لجأ معظم الدول إلى تفعيل تقنيات التعليم عن بعد والتوسع فيه، مما يخفف عبء تكلفة البنية التحتية فى المبانى التعليمية، مع زيادة الصرف على توسع البنية الأساسية، التى لا بد من توافرها فى شبكة الإنترنت، لسهولة تطبيق التعليم عبر مختلف المنصات التعليمية المتطورة.
ولذلك لا بد من زيادة ميزانية التعليم الأساسى، كما جاء فى دستورنا ٢٠١٤ فى المادة ١٩ «تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن ٤٪ من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية». وبالنسبة للتعليم الجامعى نصت المادة ٢١ على تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى لا تقل عن ٢٪ من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
وتنبغى الإشارة إلى أن ميزانية التعليم الأساسى لم تتجاوز ٢٫٣٪ طوال السنوات الماضية، لذا نطالب بوضع أولوية للصرف على التعليم وزيادة ميزانيته، حتى نستمر فى التطوير بعد محنة كورونا ونتقدم خطوات للأمام، فالاستثمار فى التعليم استثمار فى تنمية البشر صانعى الحضارة.
يتكلم العالم الآن عن عالم ما بعد كورونا، عالم ينتصر فيه العلم والانضباط والنظام والنظافة لمكافحة انتشار الأمراض والأوبئة، عالم يعتمد على العمل والدراسة عن بعد، مما يؤدى إلى رفع الضغط عن الطرق ووسائل الانتقال واستهلاك الوقود وحماية البيئة من تلوث الهواء.
وبالطبع لا بد من زيادة الاستثمار فى البنية التحتية الموجهة للاتصالات لاستيعاب التوسع فى استخدام الإنترنت.
العالم ما بعد كورونا ينتصر للعلم والبحث العلمى، خاصة فى مجالات الطب والدواء والأمصال واللقاحات، لذا لا بد من المشاركة والمبادرة فى الأبحاث العلمية والاهتمام بزيادة ميزانية البحث العلمى المقدرة بـ١٪ من الناتج القومى الإجمالى فى الدستور، والتى تصل إلى أكثر من ذلك فى دول العالم، وتصل فى الكيان الصهيونى إلى ٤٫٤٪ وفى معظم الدول لا تقل عن ٢٪. آن الأوان لتعاون منظمات المجتمع المدنى ووزارات التعليم ورجال الأعمال من أجل النهوض بالتعليم وتشجيع البحث العلمى وتبنى ودعم الابتكارات والاختراعات التى تفيد البشرية.
ونتمنى بعد انتهاء محنة كورونا أن نستمر فى تطوير التعليم عن بعد مع التوسع فى البنية التحتية لشبكة الاتصالات والاهتمام بالبحث العلمى